ريمان برس- خاص -
خلال الفترة الممتدة من عام 1955/ حتى العام 1962م عاشت اليمن مرحلة إرهاصات سياسية في اكثر من إتجاه ، وفيما كان ولي عهد الطاغية ( البدر ) يحاول تسويق نفسه كرجل الإصلاحات وعليه راهن الأحرار ، كان الطاغية الكبير يحاول ان يجعل من ولي عهده بمثابة ( الطعم ) الذي يصطاد به الاحرار ، في ذات الوقت كان هناك حركة سرية تجري في اوساط الجيش الذي لم يكن جيشا بل محاولة لجعله جيش وكان الهدف من قبول الطاغية وولي عهده بناء الجيش هو الظهور بمظهر الراغب بالإصلاح والمتطلع لتحقيق تطلعات الاحرار وفي اوساط هذا الجيش كان تحرك بعض الضباط الاحرار الذين أتخذوا قرارهم بتنظيم نشاطهم بدءا من العام 1958م مستغلين إنشغال النظام مع القبائل المتمردة عليه لقطع الإمام عنهم الإعتمادات المخصصة بحجة تقليص الموازنة وانخفاض الإيرادات التي كانت تجبى من المواطنين بسبب شحة الإمطار ..
كان الملازم علي عبد المغني ورفاقه حريصين على التحرك السري بل كان تحركهم يخضع لسرية شديدة وإحتياطات امنية عالية الدقة والحذر ، ومع ذلك نمى لمسامع الطاغية أن هناك تحركات يقوم بها بعض الضباط للإطاحة بنظامه ، فعمل الطاغية على وقف الخطوة التي كانت قد بدأت في تعز والمتمثلة بتدريب قواته من قبل خبراء عسكريين من مصر مع وجود بعض الضباط اليمنين ومنهم الضابط محمد قائد سيف الذي كان يرابط في حامية صالة وكاد ان يذهب للمقصلة في واقعة ( الثلاياء ) عام 1955 م لولاء تأكيد المرحوم الدكتور عبد الرحمن البيضاني للطاغية بان هذا الضابط محل ثقة ولا علاقة له بواقعة الثلاياء وإنه مخلص للعرش ولي أمير المؤمنيين ..؟!!
أوقف الطاغية عمل البعثة العسكرية المصرية ووضع بعض الضباط اليمنيين تحت رقابته الصارمة ، تسريب شائعات عن وجود تنظيم سري للضباط الاحرار ، دفع بعض الضباط غير المنظمين والكارهين للإمامة والحال الذي وصلوا إليه ، دفعهم للقيام بعمليات فردية غير منظمة وغير منسقة ، كحادثة محاولة إغتيال الطاغية في المستشفى بالحديدة أثناء زيارته لها ، من قبل كل من ( العلفي واللقية والهندوانة ) ، وكانت تلك المحاولة قد شكلت حالة إرباك للضباط الاحرار وللملازم علي عبد المغني وزملائه ، لأنها جاءت لتوغر صدر الطاغية اكثر من الضباط الذين كانوا قد بدأو في ترتيب مسارهم على أسس صحيحة بعيدا عن الانظار ودون ان تطالهم يدي النظام حتى مع تسريب شائعة عن وجودهم فأن أحدا لم يكن يعرف من يقف وراء التنظيم ؟ ومنهم اعضاء التنظيم ؟ وكيف يتحركون ؟ واين هي مسارح تحركهم ؟ كل هذه المعلومات لم تكن معلومة لدى الطاغية وسدنته وأجهزته وعكفته ، ومع ذلك أستاءا الضباط الاحرار مما حدث في الحديدة ،خاصة بعد فشل العملية ، إذ ترتب عليها وقف إرسال البعثات للتدريب في مصر والعراق والأتحاد السوفييتي بحسب الاتفاقيات المبرمة مع ولي العهد ( البدر ) مع كل من مصر والاتحاد السوفييتي ، فيما العراق كانت الاتفاقية معه قد ابرمت من وقت سابق إذ كانت أول دفعة قد سافرت العراق كانت في عام 1948م ومنهم كان المشير السلال والمروني واخرون ..
كانت محاولة إغتيال الطاغية في مستشفى الحديدة تندرج في سياق الرغبة في التعبير عن الحال المزري الذي وصلت إليه البلاد من قبل الذين أقدموا عليها من الضباط ، والذين سمعوا كغيرهم عن وجود تنظيم من زملائهم ولكنهم لم يحاولوا التواصل معهم أو البحث عنهم لتوحيد الجهود بل سعوا لتسجيل موقف خاص بهم من خلال هذه المغامرة التي ان صابت فقد قاموا بواجبهم وان خابت سيتحملون تبعات ما قاموا به ..وكانت حادثة الحديدة والتي حدثت تحديدا يوم 6 مارس عام 1961 م تندرج في هذا السياق المغامر والغير مدروس التبعات ..
كان الشهداء ( العلفي واللقية والهندوانة ) زملاء طفولة ودراسة وهم تقريبا من مواليد قرية واحدة في صنعاء هي ( قرية دار سلم ) وتخرجوا من المدرسة الحربية في صنعاء وكان ( الهندوانة ) ضمن ( عكفة الطاغية _ أي الحرس الخاص ) فيما ( اللقية ) نقل من تعز للعمل بالحديدة ، فيما ( العلفي ) كان مسئول أمن المستشفى في الحديدة والتي صارت اليوم تحمل أسمه ..التقى الثلاثة الزملاء وهم زملاء في الطفولة والدراسة وشأت الصدف أن يجتمعوا الثلاثة في مدينة واحدة ، وكنتاج لحالة الجهل وثقافة التجهيل التي كرسها نظام الإمامة وحالة الخوف التي عيش الناس بها سوى النخب منهم أو العامة ،فأن العمل المنظم كان نادرا في سياق العمل السياسي المدني فما بالكم أن تعلق الامر بتنظيم حركة عسكرية هدفها قلب النظام ، وللعلم فان الملازم علي عبد المغني ما كان له ولزملائه ان يؤسسوا تنظيم الضباط الاحرار لو لم يلتقي ويتعرف على المناضل عبد الغني مطهر ، الذي شجعه وربطه بعلاقة داخلية وخارجية اثمرت عن الوصول للثورة وإعلان الجمهورية ..
بعد فشل محاولة ( العلفي واللقية والهندوانة ) في التخلص من الطاغية وتم أعدام كل من ( اللقية والهندوانة ) فيما أقدم ( العلفي ) على الانتحار بعد محاولته الهروب لكنه حوصر في احد احياء مدينة الحديدة فتخلص من حياته .
أدت هذه العملية إلى أن أبطى التنظيم بحركته وتقريبا توقف نشاطه لاشهر أمتدت من مارس وحتى سبتمبر 1961م وهي الفترة التي نشط فيها بعض الوجهاء من الثوار في تعز وإب وأسفر هذا النشاط عن ترتيب تفاهمات مع بعض الشخصيات الوطنية في الداخل والخارج ، كما تمت لقاءات بين هولاء الوجهاء والرموز الوطنية ممن كان بعضهم غير معروف في بلاط ( البدر ) تحديدا ويحسب لبعض الأحرار والحكماء ممن كانوا يراهنون على ( البدر ) وخذلهم خاصة بعد قيامهم بتصفية( شيوخ حاشد) بعد ان أعادهم الملك سعود لحضن الطاغية الذي قطعا كما قيل عهدا للملك سعود بأن لا يلحق بهم الأذى وفعلا الطاغية وفى ولم يمسسهم بسؤ بل وكل الامر لولي عهده ( البدر ) الذي قتلهم إرضاءا لوالده الغاضب منه على خلفية ما اقدم عليه البدر خلال غياب والده خارج اليمن بغرض العلاج إرضاءا لوالده، فعمل هولاء على أن يجعلوا من انفسهم غطاء لتحركات سرية كان يقوم بها أخرون لتطمين الطاغية وولده وكان ابرز هولاء هو القاضي عبد الرحمن الإرياني والنعمان ومطيع دماج وناشر عبد الرحمن العريقي وعبد القوي حاميم واخرون الذين وفروا فرصة لنشطاء مجهولين بالتواصل مع المشير عبد السلال قائد حامية فوج ( البدر ) وهناء يجب ان نوضح حقيقة مهمة فيما يتصل بدور المشير السلال وعلاقته بتنظيم الضباط الاحرار والشهيد علي عبد المغني وعبد الغني مطهر واللواء ضيف الله وبقية المناضلين الذين عملوا معا من اجل 26 سبتمبر حقيقة تؤكد أن الشهيد علي عبد المغني لم يكن جمال عبد الناصر ، والمشير السلال لم يكن اللواء محمد نجيب ..
يتبع |