ريمان برس- خاص -
مساء ليلة 26 سبتمبر 1962 م أجمع الثوار امرهم وقرروا التخلص من أعتى نظام كهنوتي متخلف وفاسد وجاهل ومستبد ، كانت الثورة غاية كل ألأحرار ، لكنها كانت هدف وخيار وغاية لتنظيم الضباط الاحرار ، أو بالأصح للثوار الشباب من منتسبي الجيش والأمن ممن كانت الثورة حلمهم وحياتهم كنا هي حلم وأمل ( الرعية ) من أبناء الشعب ممن ضاقوا ذرعا بإستبداد وتسلط النظام الكهنوتي وقهره وتخلفه وجهالته ، وكان كل منتسبي تنظيم الضباط الاحرار ينحدرون من أسر فلاحية أي من ( الرعية ) لذا كانت الثورة وأسقاط النظام والتخلص من الكهانة غاية تعني لهم الحياة ، ولهذا أنتصرت ثورتهم وتوفقوا بتحركهم ولم تبزغ شمس يوم 26 سبتمبر 1962 م إلا وقد سيطروا على العاصمة وقصور الكهانة وأهم المواقع السيادية مثل _ القصر _ المدرسة الحربية _ الأمن _ الأذاعة _ المطار _ كما تم السيطرة ايضا على مطار وميناء الحديدة ، وعلى تعز ومرافقها في ذات الوقت إذ كانت هناك فرق جاهزة كل فرقة منها تعرف مهمتها ..وهذه كانت أهداف الثورة بصيغتها المقرة من قبل الثوار العسكريين :
أولاً: التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما،وإقامة حكم ديمقراطي جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات.
ثانياً: بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد، وحراسة مكاسبها.
ثالثاً: رفع مستوى الشعب، ومضاعفة الدخل القومي، زراعياً وصناعياً.
رابعاً: إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني اشتراكي،مستمداً نظمه من روح الإسلام.
خامساً: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية،ضمن الوحدة العربية.
سادساً: المساهمة في إقرار الأمن والتعايش السلمي في العالم.
صيغة هذه الاهداف سلمت من قبل الثوار العسكريين في تنظيم الضباط الأحرار للجناح المدني وقد تمت صياغتها في إحتماع التنظيم الخاص بتوزيع المهام بين الثوار بحظور المشير السلال ، وعلي عبد المغني ، ومحمد مطهر زيد ، والسكري ، والرحومي ، والجائفي ، والعمري ، ومحمد قائد سيف ، وعلي صبره ، والقاضي الإرياني ، وعبد الغني مطهر ، واخرين من العسكريين والمدنيين ، لكن عند إعلان أهداف الثورة جرى تحريف للصيغة التي اعتمدها الثوار العسكريين ، الذين وجدوا أنفسهم صباح ذلك اليوم أمام مجموعة من التحديات والتحديات الخطيرة التي سنأتي على ذكرها لاحقا ..
بكل المقائيس كان يوم 26 سبتمبر 1962م يوما وطنيا بإمتياز لكل أبناء اليمن من صعده للمهرة ومن كمران لسقطرى ، لكن في واقع الحال كان يوما إستثنائيا لتعز وإب والحديدة وعتمة وريمة واوصاب ، ولقبيلة الحداء ، كان يوم الإنعتاق والحرية ( للرعية ) الذين كانوا يعيشون مرارة الإستبداد والقهر اليومي ،على يد نظام الطاغية ، الذي كان قد جعل من أبناء وسكان هذه النطاقات ( رعية ) وبشرفائهم واحرارهم كانت ترزح سجون وزنازين وقلاع الطاغية الذي أتخذ ( جيشه وعكفته من حاشد ) واتخذ بطانته وسدنته من ( نقباء بكيل ، وأشراف الجوف ، ومارب ، وسادة واعيان حجة ) ..!!
كانت تعز وإب والحديدة وريمة وعتمة واوصاب ، يرون لهذا اليوم رؤية خاصة ، وكان معهم الكثير من الاحرار من مختلف المناطق ومن الشطر الجنوبي _ حينها _ وفي المقدمة أبناء ردفان وأبين ويافع وشبوة ،ولحج والضالع وحضرموت ، والعوالق ، وبنسب متفاوته وحماس متفاوت ايضا ..
لكن الإنتصار يومها لم يكن هو النجاح ،ولم يكن إسقاط الحكم الكهنوتي إلا بداية مشوار طويل محفوف بالمخاطر أمام الثوار العسكرين الذين وجدوا أمامهم أول التحدي الذي لم يكونوا يتوقعوا حدوثه وهو نجاة ( البدر ) وتمكنه من الهروب وبمساعدة من شخصيات كانت تتظاهر بموالاة الثورة ..؟!
كان الثوار يفكرون بردة فعل ( الحسن ) وعمه وبقية آل حميد الدين الذين هم خارج الوطن _ حينها _ حتى ان هناك فكرة طرحت بتأجيل الثورة حتى عودة ( الحسن ) ليتم القبض عليه إلى جانب ( البدر ) وبقية رموز النظام الكهنوتي ، لكن المشير السلال وعلي عبد المغني واللواء عبد اللطيف ضيف الله قرروا المضي بالثورة وأيدهم محمد مطهر ، والرحومي والجائفي ، أي كان غالبية الجناح العسكري مع الثورة .
كان خروج ( البدر ) ثغرة في جدار الأنتصار وتحدي في وجه الثوار ،هذا أولا ، التحدي الأخر والأخطر كان هو تباينات المواقف بين الأحرار والثوار المدنيين ، الذين كانوا منقسمين فيما بينهم حول شكل وهوية الثورة والجمهورية وهوية تحالفاتها الإقليمية والدولية ، إضافة إلى نوازع ذاتية حول الموقف من رموز نظام الطاغية وحاشيته وسدنته والإجراءات التي يفترض إتباعها تجاههم ..
ولم يتردد السلال وبقية الضباط من مواصلة مهمتهم الوطنية وكان خوفهم من بقاء ( البدر ) في حجة وتكرار قصة والده عام 1948 م فيما كان الهم الثاني يتصل بالأمير ( الحسن ) الذي أجزم الثوار إنه سيتخذ من ( مارب ) ملاذا للمقاومة ، وكانت هناء المهمة أمام الملازم علي عبد المغني ، وكان هذا الاختيار والتوزيع للمهام قد جاءا من الملازم علي عبد المغني ذاته الذي رفض أن يحل محله احد في التصدي للأمير الحسن واتباعه في تلك النطاقات ، تم توزيع المهام على ضباط التنظيم وبارك المشير السلال كل مقترحات الملازم علي عبد المغني ، ويقول السلال في هذا ( لم اكن ارغب ان يغادر عبد المغني العاصمة وما بيني وبينه لا يعلمه سوى الله سبحانه وتعالى الذي سنقف بين يديه جميعا ، لكن أقتنعت بوجهة نظره ، بعدما صدمتنا عملية هروب البدر وخروجه من صنعاء حيا وسالما بتواطؤ للأسف من البعض _ رفض السلال ان يشير لي حتى بأسم احدا من هولاء المتواطئين _ لدرجة أن قال لي حين رائ إلحاحي حرفيا ( يا طه يا ولدي ليس كلما يعمله المسئول أو يعرفه يقال ، حتى بعد أن يغادر هذا المسئول موقعه )..!
أحترمت رغبته وتراجعت عن معرفة المزيد من تغاصيل هروب البدر إلا أني أستوحيت ان هتاك مشكلة برزت بين الثوار حيث كان للعسكرين رؤية وللسياسيين المدنيين روى متعددة ويمكن القول أن منتصف يوم 26 سبتمبر 1962 م لم يأتي إلا وهناك أربعة إتجاهات تحكم وتعنون مواقف وسلوكيات الثوار :
الأتجاه الاول : إتجاه ثوري صادق ومخلص ينحاز بالمطلق للثورة ولقيمها وللتغير الجذري وعلى مختلف المستويات والمناحي الحياتية والاجتماعية وكان هذا التوجه يقوده المشير السلال _ رحمة الله عليه _ وخلفه كل الضباط والكوادر العسكرية المرتبطة بتنظيم الضباط الاحرار .
الإتجاه الثاني : كان إتجاه ثوري جمهوري يرى الكفاية في عزل أسرة حميد الدين وترك من هرب يهرب والعفوء عن أركان النظام بعد تجريدهم من مهامهم والدعوة للحوار والتسامح والعفوء العام ،وكان هذا التوجه بزعامة القاضي عبد الرحمن الإرياني _ والنعمان _ رحمهما الله _ .
الإتجاه الثالث : كان يريد جمهورية ليبرالية وفق مواصفات مثالية صعبة بعيدة عن أي تحالفات محورية إقليمية كانت أو دولية ، وكان هذا التوجه يقوده الدكتور عبد الرحمن البيضاني _ رحمة الله عليه .
الإتجاه الرابع : كان إتجاه يدعوا لإسلمة الثورة واهدافها والإستناد للقبيلة وتوظيف دورها ،وكان هذا التوجه بقيادة محمد محمود الزبيري ..
وكان لكل توجه من هذه التوجهات جمهور وانصار ومشجعيين بصدق وقناعة مبدئية ومنهم من يتظاهر بهدف إرباك المشهد السياسي ودق أسفين بين الثوار بكل توجهاتهم ..؟!
يتبع |