ريمان برس_ خاص -
( تعز ) مدينة غير كل المدن وحكاية غير كل الحكايات ..تعز قصة تتناسل منها ألف قصة وقصة ؛ وهي الحكاية الأكثر جدلية وجدلا ؛ وكل شيء في تعز هو فعل من جدل لا فرق بين المكان والزمان ولا الإنسان ؛ ففي تعز كل شيء خاضع ويخضع قهرا وقسرا وعنوة لمنطق الجدل الذي يصل الى نقطة ( الديالكتيك ).. أنها تعز دوحة ( الصوفة ) وحاضنة ( المتصوفين ) وهي مترس ( الطغاة ) غالبا كما هي عنوان الثقافة والنضال الوطني ونقيضهما دون تعارض ؛ كل شيء في تعز يختلف عن بقية بلدان الله وكل شيء في تعز له تفسير وقانون وجمهور سلبا كان أو كان إيجابيا ..
هي عاصمة الثقافة لكن ومنذ أطلق عليها هذا المسمى تحولت إلى النقيض واستعاضت ( بالمتارس) بدلا عن ( المسارح ) واستبدلت ( الكتاب ) ب ( الجعب ) و( القلم ) ب ( البندقية ) ..!!
تعز بريفها والحضر كانت لعقود عنوان للحكمة والعقول المنفتحة على كل التيارات والخيارات والقيم والثقافات ؛ وكانت حاضنة الثوار ونقطة انطلاقهم نحو الثورة شمالا وجنوبا وعلى جبين سبتمبر وأكتوبر وضعت تعز بصماتها دون أن تبخل بدماء أبنائها وخيرة وأنبل رجالها الذين قضوا من أجل الوطن وحريته وسيادته ومن أجل الدولة والعدالة والمواطنة المتساوية ؛ قاومت الطغاة وتصدت لمخططات الرجعية والاستعمارية وتطلعت نحو الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية قبل أن ترتد على عقبيها وتنقسم على نفسها وتصاب بحالة ( انفصام وانقسام ) وتمزق أنسجتها وتقطع ارحامها وتنقلب حد الأركسة ويتحول اليساري الى اليمين واليميني الى اليسار والثائر يغدو كلافا في اسطبل الرجعية والرجعي يصبح ثائرا مرابط في محراب الوطن ..!!
يا إلآهي ..ماذا جرى في تعز ؟ وماذا حدث لتعز ؟ وهل فعلا هذه تعز أم الأرض دارت دورها ووضعت تعز في نقطة بعيدة عن ترسها الجغرافي ؟ أم أن ( الثور) الحامل للأرض على قرنيه كما يقال غير وضعيته حتى فقدت تعز نمطها القيمي وسلوكها الحضاري ..؟!
هل فقدت تعز بوصلتها أم صودرت منها البوصلة ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟ تساؤلات معجونة بكثير من الحيرة وقليل من التفاؤل عن واقع تعيشه تعز لم يكن يخطر ببال أكثر كتاب الأفلام التراجيدية تشاؤما .. ويبقى السؤال الأكثر بحثا عن الإجابة هو من فعل هذا بتعز ولايزال ؟!
يقال أن كل شيء يبلغ الذروة يبدأ بالأفول وحتى الشمس إذا ما وصلت الى كبد السماء تكون في ذروتها ثم تبدأ رحلة الأفول حتى المغيب ؛ فهل وصلت تعز الى نقطة الذروة الثقافية والحضارية وبالتالي بدت رحلة أفولها إلى نقطة البداية الأولى استعدادا لمرحلة انطلاق جديدة ؟
تعز الحاضنة السبيئة دوحة كل الأشياء الجميلة وحاضنة الثقافة والفكر والأدب والتضاريس والجغرافية ومنها نبغ كبار القادة الوطنين والاحرار الثورين الذين استطاعوا تغير خارطة الوطن والوعي والقيم وفيها بزغ نجوم الوجاهات القبلية والمشائخيه والرموز الاجتماعية ؛ تعز حيث شيوخها ووجهائها علماء وقضاة وحفظة القران والحديث والسنة النبوية وغالبيتهم هم من حملة الشهائد الجامعية وهم موسوعة بالثقافة والفكر والادب والدين والعلم ويتحاورون عن وعي وعلم عن كل هموم الحياة ويجيدون معرفة التاريخ واحداثه حتى يخيل لمن يستمع لشيخ من تعز إنه من ( خريجي جامعة السوربون ) ناهيكم عن نخب تعز المثقفة والمتعلمة التي رفدت البلاد بطولها وعرضها وصولا للخارج القومي والعالمي بالعديد من الكوادر العلمية وفي مختلف التخصصات العلمية ..فهل يعقل إن تصل تعز الى هذا المستوى من الانكسار الثقافي والحضاري ؟!
تعز عبد الرقيب عبد الوهاب وعبد الفتاح إسماعيل وسلطان أحمد عمر وعبود الشرعبي وعيسى محمد سيف ومحمود عبد الحميد وعلي وعبد الله عثمان ؛ تعز هائل سعيد وشاهر عبد الحق ودرهم العبسي وقحطان ناجي والحروي والحيقي والخرباش وأمين قاسم الشميري والسفاري وشاهر سيف الاصنج والاديمي والشرعبي والشميري والصبري والذبحاني والمعمري والمشولي والزريقي ؛ تعز عبد العزيز عبد الغني والهياجم و علي البحر والاصبحي وأحمد سيف الشرجبي ؛ تعز سيدي إبراهيم عقيل _ قدس الله سره _ وسيدي محمد يحي الجنيد _ حفظه الله _ وعبد الباري السروري _قدس الله سره _ تعز هي شرعب بضفتيه وصبر بجناحيه وماوية بتضاريسه ومقبنة بسهوله وهي الشماليتين والمواسط وحيفان والاحكوم منبع الثائر والمجاهد عبد الله الحكيمي إيقونة النضال الوطني ومسقط رأس لكوكبة من المناضلين الوطنيين مثلها مثل بقية قرى وعزل تعز وريفها المتمدن .. وتعز هي المخاء بشواطئها الخلابة وخدير بخصوبتها والتعزية بطيبتها .. فماذا جرى حتى أرى تعز كما أراها اليوم وبالصورة التي تشكل اطيافها لحظة النزق التاريخي المجبولة بكل أطياف القهر والحزن والحسرة ..؟!!
تعز التي لا تمر مناسبة وطنية تخص شمال الوطن أو جنوبه إلا ويقفز أسمها للذاكرة لأنها كانت الفاعل الأساسي في كل التحولات الوطنية ؛ فماذا جنت تعز حتى يصبح حالها حال ( قبائل الهوتو والتوتسي في أدغال افريقيا ) ؟!
هذا ما سنحاول الاجابة عليه تباعا ..
يتبع
طه العامري
ذات مساء تعزي |