ريمان برس - متابعات - د.دعاء فينو
المرأة مكفولة النفقة في الشريعة الاسلامية. قاعدة تأسيسية أساسية في شريعتنا أعتدُ بها وتفخر بها كل امرأة مسلمة. فماذا تعني هذه القاعدة؟
هذه القاعدة تعني أن الأب من حيث المبدأ ُينفق على أبنائه جميعا؛ فنفقته على الذكور تتوقف عندما يبلغون سن التكليف ويقدرون على العمل. أما الإناث فنفقة الأب عليهن لا تنقطع عنهن - عملن أو لم يعملن- حتى ينتقلن الى بيت الزوجية، ويصبح زوج الواحدة منهن هو المُعيل المُنفق عليها، فإن ترملت أو طُلّقت رجعت نفقتها على أبيها؛ فإن لم يقدر على ذلك رجعت على أخوتها الذكور.
قد يظهر لكثير من النّاس أن هذه القاعدة تضادّ حق المرأة في الكسب وكفايتها في التعاملات المادية تملكا وإنفاقا. فهي عندهم لا يجب أن تعمل حتى إن كانت ذات كفاية لأن هناك من يُنفق عليها؛ رضيت بهذه النفقة أو لم ترض، وكفتها حاجاتها هذه النفقة أو لم تفعل. وكأن المسألة عند بعضهم تتحدد بتوفير ما يدفع عنها الموت من الجوع من الطعام والشراب ويسترها من الثياب، لتغدو الزيادة على ذلك مما يقدمه الزوج لها يدخل تحت “المواساة” كما اصطلح عليها بعض الفقهاء والتي يُندب إليها الزوج ندبا –عندهم- فليست مُلزمة! ونسوا أن المرأة في كفالة زوجها عوان كأنما هي محبوسة عليه (مجازا) وعليه أن يُطعمها مما يأكل هو ويسقيها مما يشرب ويكسوها مما يكسو نفسه ويوسّع عليها بما يوسّع على نفسه؛ وما هي إلاّ شق نفسه ان فعل فلا منة في ذلك!ّ
لا يجب على المرأة أن تعمل للقاعدة التي أشرنا إليها، إلا أن لها حق إختيار العمل في الشريعة إن شاءت الاكتساب، ولها حق التملك وحيازة المال من إرث أو هبة أو مهر، ثم لها حق التصرف به دون الرجوع لأحد كأي مُكلف بالغ عاقل في شريعتنا. يكفينا في بيان ذلك آيات سورة النساء منها قوله عز وجل: { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن }. وعمل خديجة بنت خويلد وزينب بنت جحش-رضي الله عنهما- في نصوص سنتنا، وكلاهما زوجتان لنبينا الكريم –عليه السلام- عملتا وهما عنده، وما ضرّهما هذا ولا ضرّه؛ بل كانت ميزة لهما وسبق في الفضل عند خالقه -سبحانه- وعنده.
عمل المرأة للكسب عندما تختار ذلك حق ضمنته الشريعة في كل أحوالها في بيت أهلها أو في بيت زوجها. فلا يُعقل أن تُحبس المرأة عنه إن رغبت فيه وكانت قادرة عليه. أو إن كانت هي مضطرة لذلك عند زوج مقصّر أو غير قادر على إعالتها لمرض أو طاريء طرأ عليه. وشاهدنا على ذلك ما أسلفنا به وما يراه كثير من فقهاء السلف أن قوامة الرجل تسقط بعدم الإنفاق. على إعتبار أن القوامة عمليا عندهم تعني: حق تمكين الزوج من الوطء(اللقاء الجنسي) والطاعة. وإن كنا لا نقبل بدورنا هذا الربط المُفجع بين القوامة (التي نراها حفظا للعدالة الإجتماعية في الأسرة) والنفقة نظرا لما نؤمن به من تراحمية ومودة تقوم عليهما العلاقة الزوجية في الاسلام والتي لا يجب بحال أن تنكسر أمام الجانب المادي على أهميته في دعم بقائها. ولذلك فإننا نضرب صفحا عن هذا الربط المفجع ونُصّر على الوقوف عند النص القرآني والفعل النبوي في حفظ هذا الحق للمرأة وتمكينها منه عمليا في زمن النبي- عليه السلام- بل وفي بيته الشريف أيضا والأمثلة على ذلك كثيرة فتأمل.
إن ما نعتقده أن دواعي هذه التراحمية في قوامة الرجل هي التي تُلزمه بالإنفاق على الزوجة لتكون منه صدقة إلزامية يضعها في أهله تنفيذا لهذا التكليف الالهي:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}
ولقول نبينا-عليه السلام: “وإنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك”. ولذات دواعي التراحمية هذه يحق للمرأة أن تكتسب فتنفق على نفسها وزوجها وولدها صدقة تطوعية تُمدح وتُؤجر عليها. وشاهد ذلك قول النبي عليه السلام لزوجة ابن مسعود- رضي الله عنهما: “زوجك وولدك أحق من تصذقت به عليهم.
لا يخفى على ذي عين بؤس أوضاعنا الإقتصادية والتي لا بد دفعت وستدفع كثيرا من الأسر الى نقض عقدة الزواج تحت ضغط الحاجة وضعف إمكانات القيام بها. ولا بد أن كثيرا من رجالنا ذوي أنفة يعز عليهم عدم القدرة على تلبية حاجات الأسرة وضمان رفاهيتها؛ فالمتأمل من المرأة إذن أن تدعم وتُعين بما تستطيع وليس لها من كرام النفوس من هؤلاء الرجال الاّ الشكر والتقدير . فلا يُتصور الاساءة إليها أو استغلال إمكاناتها إلاّ من ضعاف النفوس، وليس مثل هؤلاء الاّ إساءة للرجولة لنكرانهم للعشير.
ولنا في نبينا الكريم-عليه السلام- وزوجه خديجة –رضي الله عنها- أُم المؤمنين أُسوة حسنة لكل رجل كريم يقدّر فضل الكرام من النساء، فلقد قال عنها شاكرا مادحا: “آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس”!
هذا هو الرد الجميل على فضل إمرأة وضعت المال الذي اكتسبته عن طواعية لدعم الأسرة عندما ضاقت الدنيا بما فيها على زوج قدم لنفسه معها عشرة طيبة يسودها الاحترام والتقدير.
إلا أن بعض الرجال ينسون هذا الهدي النبوي فيختالون بذكورتهم وقوتهم الجسدية وموضع المرأة منهم زوجة أو ابنة أو أختا؛ فيأكلون مالها بكل طريقة دنيئة واستغلال مقيت وما هو وعمري إلاّ قطعة من النّار يأكلونها تجأر في صدورهم يوم الحساب.
فنلمح مثلا أبا يعضل ابنته ويحرمها الزواج، فيغالي في مهرها خوفا على مال وظيفتها الذي يسقط في جيبه عدوانا عليها؛ فكأنما هي سخرة عنده، فيمنعها الحياة الكريمة ويحرمها خياراتها الانسانية الطبيعية في الحياة ظلما وعدوانا!
ونلمح كذلك زوجا قد يضر زوجته ويُعنّفها بكل ألوان الإهانة لأنها لا تُقدم له ثمن السجائر وأعواد الثقاب التي يحرقها!
وقد نلمح رجلا يدفع بالمال في كل حدب وصوب ولا يُنفق على أهل بيته بخلا ولؤما وتقتيرا!
عدوان أولئك الرجال ضعاف النفوس عدوان على أوامر الشريعة أولا ثم على هؤلاء النسوة. وهو يُسيء لبيوتنا الآمنة ويدفع بناتنا الى رفض علاقة زوجية تعني استغلال طاقتهن ونبذهن جملة وتفصيلا في بيوتهن ومجتمعاتهن ان تُركن لممارسة حقهن في العمل. أو حرمانهن حق العمل المضمون وتركهن يُعانين الفاقة تحت سيطرة رجال غلب عليهم اللؤم. فلا أطعموهن حقا ولا رحموهن فأعتقوهن ليضربن في الأرض، فإن كان الحال كذلك فهن محقات باتخاذ ذلك القرار. ونحن معهن لأننا نريد لبناتنا وفقا لشريعة ربنا سبحانه بيوتا آمنة يُظللها مخافة الله سبحانه ومراقبته خلف أبوابها المغلقة.
الدستور |