ريمان برس ـ متابعات - أصدرت دار "ميريت" كتاب "أنا المخرج.. شهادات حول فن التمثيل" للكاتبة والسيناريست الراحلة نادين شمس، في ذكرى أربعينها، والكتاب عبارة عن عشر شهادات لعشرة مخرجين لهم إسهام بارز في السينما المصرية، تتناول العلاقة الشائكة بين الممثل والمخرج. تقول نادين فيما يشبه المقدمة إن "الممثل السينمائي ظاهرة حديثة خرجت من رحم التمثيل في المسرح، لكن خلال سنوات نضجت السينما، وأحدثت تراكما خاصًا، لتصبح لها تقنياتها المستقلة.
لا يتعلق الأمر بأن ممثل السينما عندما يؤدى دوره يقف أمام عدسة الكاميرا، بينما يقف ممثل المسرح أمام جماهير حية، لكن الحديث عن التمثيل في السينما عملية أكثر تعقيدًا من فكرة الممثل التي طرحها المسرح، سواء بشكله الكلاسيكي أو حتى بمدارسه الأكثر حداثة.
إن الممثل السينمائي لا يقف وحده في الكادر.. فخلفه تتكاتف عشرات العناصر الأخرى التي تحمله إلينا، فنراه ملاكًا أو شيطانًا أو..
ويأتي دور المخرج في مقدمة هذه العناصر.
فما طبيعة العلاقة بين المخرج والممثل في السينما ومتى يبدأ دور المخرج ومتى ينتهى؟"
هنا مقتطفات من شهادات المخرجين تجيب على السؤال الأساسي لنادين:
محمد خان
مثلما كان الحال مع جيلي، كان النجم هو وسيلتنا للخروج بأفلامنا. وبالتالي كان اختيارنا قائمًا على فكرة النجوم. ولكن أنا بالتحديد، أحب التعامل بفكرة "الفريق"، بمعنى أن أظل لفترة مع ممثل معين، مثلما ظللت فترة أتعامل مع "أحمد زكى" لدرجة أنني خلال هذه الفترة كنت أعرض على أحمد الفيلم.. كأول ممثل، وكان من الممكن أن يرفض الدور ولا أغضب... كان شيئا عاديًا.
خيري بشارة
أنا أحب الممثلين القمحيين، ذوي الوجوه المنحوتة، ولذلك أحدهم لفت نظري إلى أن جميع الوجوه التي ظهرت في "الطوق والأسورة" "حلوة"، "جميلة". الحكاية هي أني تعمدت أن أختارهم بعين معينة، وذوق معين. أنا حتى في هذا الأمر ضد ملامحي أنا، وهذا ما تعلمته في الحياة.. تعلمت أن هناك مقاييس أخرى للجمال، وبدأت أرى مثلا أي نوع من الرجال الذين يمكن للبنات أن يحبوهن، وبدأت بشكل لا واعٍ أحب أنا أيضا هؤلاء الرجال مع البنات، بدأت في تذوق جماليات الأشخاص النحفاء، كذلك كنت أتجه في ميولي إلى الفتيات النحيفات.
علي بدرخان
العامل الأول الذي أخذه في الاعتبار عند اختياري للممثل، هو ملاءمته للدور من ناحية السن والشكل، كما تصورته أنا على الورق. هذا في البداية، ولكن في العادة يكون عندي أكثر من بديل.. أكثر من ممثل يتفق سنه وشكله مع الشخصية، ما يحسم هذا الأمر عندي هو "إحساسي الشخصي"، عاطفتي تجاه هذا الممثل.. من الذي أحب أن أعمل معه؟ من الذي أستريح له؟ من الذي يفهمني بسرعة والذي يعمل عقله بنفس طريقتي، فنستطيع أن نصل سويا إلى نتائج ترضينا معا؟.. إجابات كل هذه الأسئلة تحسم اختياري النهائي للممثل أو الممثلة.
سعيد مرزوق
أعترف أن الميل الشخصي عامل مهم جدًا، فهناك تركيبات شخصية يمكنني أن أتقبلها فأنجح في التعامل معها، وهناك تركيبات أفشل تمامًا في التواصل معها.. ولكنني قد أضطر أحيانًا إلى تنحية ميلي الشخصي للممثل جانبًا وأنظر إليه مهنيًا فقط، إذا كنت مقتنعًا تمامًا بمستوى أدائه وبأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يؤدّي الدور ولا يوجد بديل غيره، مع أخذي في الاعتبار أن الاختيار المهني وحده سيضعني في موقف صعب إذا لم أكن أميل للممثل إنسانيًا، لأنني سأواجه صعوبة في أن أخرج منه أداءات معينة، يساعدني في الوصول إليها حبّي له ومعرفتي بأمزجته وحالاته.
شريف عرفة
أراعي دائما انتقاء الممثلين بعناية، مهما صغر حجم الدور. فأنا لا أفهم العلاقة بين أن يكون اختياري للممثل الذي سيؤديه، في المقابل، غير دقيق. وفيما عدا الأبطال الرئيسيين الذين عادة لا يكونون سوى بطل وبطلة، لا أهتم بأن تكون باقي الشخصيات من هؤلاء الممثلين الذين لهم ثقل تجاري، ولكنني أشترط مناسبتهم للدور الذي سيؤديه كل منهم من حيث الشكل والأداء.
يسري نصر الله
أول ما يحسم اختياري للممثل هو "السيناريو"، بناء على الشخصية المكتوبة، أقرر إذا كان الممثل الفلانى يستطيع أداءها أم لا، هناك كثير من المخرجين لا يحبون اتباع هذا الأسلوب في أثناء الكتابة، ولكن الأمر بالنسبة لي ليس ميلًا، أو أنني أتبع هذه الطريقة بشكل قصدي، كل ما في الأمر أن هذا يحدث.. في أثناء الكتابة، وفى لحظات كثيرة أرى ممثلًا بعينه هو الذي يتحرك أمامي، ويتكلم، ولا أستطيع أن أمنع نفسي من هذا.. في لحظات أخرى، بعد أن أكون قد انتهيت تماما، أجد أن هناك شخصيات تشكلت تمامًا دون أن تفرض عليَّ صورة ممثل بعينه، وعندما أبحث في المتوافر منهم، لا أجد من يناسب الشخصية، فأضطر للبحث عن وجه جديد. هذا يثبت أن بحثي عن الوجوه الجديدة ليس موقفًا.
رضوان الكاشف
لكي تنجح العلاقة، على الممثل أن يثق تماما فيّ، وأنني أنظر إليه على أنه الأداة الأساسية التي أعتمد عليها في التعبير، وبالتالي لا خيار لي في ألا أكون أمينا عليه. في المقابل عليه هو أيضا أن يكون أمينا معي.. وأمانته تعني بالنسبة لي فقط أن يمثل.. أن يعطي لمجهود التمثيل حقه بعيدا عن صورته الذهنية عن نفسه كنجم يضع نجوميته ومتطلبات هذه النجومية جانبا عندما يقف أمام الكاميرا.
سمير سيف
رحلتي مع الممثل مهنيًا تبدأ عندما يقع عليه اختياري لأداء دور معين في أحد أفلامي. وتحكم عملية الاختيار مجموعة من الأسس.. أولها صلاحية هذا الممثل لهذا الدور أو لهذه الشخصية بالذات، والصلاحية السينمائية للممثل، تختلف عن الصلاحية المسرحية والإذاعية له، حيث إنه كلما اقترب التكوين الجسماني وأحيانا التكوين النفسي للممثل السينمائي، من التكوين الجسماني والنفسي للشخصية التي سيؤدّيها، كان ذلك أفضل، لأن الممثل في الإذاعة يمكنه أداء شخصية بعيدة عنه على جميع المستويات باستخدام قدراته الصوتية، وفي المسرح باستخدام الماكياج حيث إن أقرب متفرج له يجلس على بعد ما لا يقل عن سبعة أو ثمانية أمتار، وبالتالي يستطيع أن يخدع أو يوهم المتفرج بأنه هو الشخصية، حتى ولو كان لا يشبهها في شيء. ولكن في السينما حيث تقع الكاميرا على بعد سنتيمترات قليلة من وجه الممثل، فأي خلجة، وأدق شاردة أو واردة في العين يلحظها المشاهد وبالتالي يكون "الإيهام" عملية شديدة الصعوبة، ويحتاج إلى توفير كل الإمكانيات التي من شأنها أن تقلّص المسافة بين ما يراه المشاهد على الشاشة وما يمكن أن يصدّقه ويقتنع به. ومن بين هذه الإمكانيات وأبسطها أن يكون الممثل معبرا عن الشخصية.
كمال الشيخ
تعتمد عملية الاختيار الأولى للممثل عندي، على مرحلة كتابة السيناريو، والانتهاء من تفاصيله. فهي المرحلة الأهم بالنسبة لي.. ليس فيما يتعلق بعنصر الممثل فقط، ولكن فيما يتعلق بجميع العناصر. في هذه المرحلة وفي البدايات يكون في مخيلتي ممثل أو ممثلة ما، ومع الوقت في أثناء الكتابة تزداد قناعتي بهذا الممثل أو العكس، بحسب ابتعاده أو اقترابه من الشخصية بعد أن تتضح ملامحها. وعند نهاية عملية الكتابة يحسم اختياري: إما لصالحه وإما لصالح ممثل آخر.
|