فتحي ابو النصر - كم كان محتشداً باليمن علي ناصر القردعي؛ ذلك الناحل الجسور الصلب البسيط الآسر في تفاصيل حياته اليومية الذي خلّده التاريخ، تحيّة عارمة لروح القردعي كشاعر شعبي استثنائي في الذاكرة الجمعية وصاحب صولات وجولات بطولية منذ نعومة أظافره قبلياً ووطنياً ضد الإمامة والاستعمار.
من ينسى القردعي مثلاً وهو يزأر:
«قدهم على شور من صنعاء إلى لندن
متخابرين كلهم سيد ونصراني
اتقسموا الأرض كلا منهم وثن
في أرض اليمن كدروا عاقل وسلطاني»..؟!
وأيضاً:
«لو في السلاطين نجمع شورنا واحد
على النصارى وكبتنهم ونمروده
ملوا عدن والمكلا واليمن راقد
والجيد يرفض إذا حد شل عنقوده
لكن علي عار من نطح إلى الخارد
مازل واحد كما أن الجيد من جوده».
وأيضاً:
«غبني بلغبـان ما حـد يحصـي أغبانـي
هو حد معـي يا شوامـخ نـاس مغبونـه
يا عيـل عيلـوه تـم العيـل مجـرانـي
من وصفة الويل ذي بالحسـد معجونـه
كلاً يبا تجـزع العوجـاء علـى الثانـي
وانتو سوى تحت هيج أعـوج تجرونـه
والعـز قـد سـار لا معنـى ولا عانـي
كلاتنـا ذي نصيـح داخــل الغـونـه»
صدقوني أيضاً أتخيل المشهد أمامي الآن وهو يصارع ذاك النمر، النمر الذي كان قد خطف عليه ولد ناقته، أخبر الرعاة القردعي بالأمر واكتظ بالفقدان والحزن كأي بدوي أصيل، ثم قرّر تتبُّع النمر على إثر جرح ولد الناقة إلى مكمنه، وهناك باسلاً صرخ القردعي بصلابة: «أنا نمر وانت نمر والثعل فينا من يفر» لكن النمر صار اثنين؛ قتل القردعي الأول في اللحظة التي وثب نحوه الثاني، لقد جدع النمر أنف القردعي كما كسر بنابه عظماً في يده اليسرى؛ لكنه عاد برأس النمر إلى ربعه كبدوي لا يرضى بالقهر أبداً حتى ولو كان الثمن حز رأسه وتعليقه في باب اليمن لمدة شهرين على إثر فشل حركة 1948م الدستورية.
|