الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
الإثنين, 15-يناير-2018
ريمان برس -خاص -

خلال فترة حكم الرئيس القائد جمال عبد الناصر والتي أمتدت من 1952_ حتى سبتمبر 1970م واجه عبد الناصر الكثير من التحديات الداخلية والخارجية يصعب حصرها أو سردها في تناولة عابرة لكن أهم ما في هذه المسيرة التاريخية أن القائد كان دائما ينحاز في محطات الصراع إلى جانب الثورة ضد سلطة الدولة وتلك ميزة تميز بها القائد المعلم ولم يتمكن أحدا بعده من التعامل وفق هذه المعادلة ..إذ لم يكن ناصر سوى ذلك الثائر والقائد الذي ينحاز دوما لصف الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والتي أطلق عليها بتحالف قوى الشعب العامل ..وتحالف قوى الشعب مكونة من العمال والفلاحين والمثقفين والرسمالية الوطنية والجنود ..وهذه الفئات الشعبية كانت تشكل قوام المجتمع وكانت محل إستبداد وإمتهان وسخرية من قبل قوى الإقطاع والراسمالية المستغلة والإستعمار ..لذا كرس عبد الناصر كل جهوده للإرتقاء بمستوى هذه الطبقات الاجتماعية متميزا في فلسفته ورؤيته السياسية والفكرية التي أستنبطها من الواقع مستلهما آمال وتطلعات الجماهير العربية معبرا عنها وعن إحتياجاتها..بعد قيام ثورة يوليو وجد عبد الناصر نفسه أمام ظروف جد معقده على الصعيدين الوطني والقومي ورغم ذلك ومنذ اللحظة الأولى أنحاز عبد الناصر للفئات الاجتماعية المهمشة والفقيرة ولجماهير قوى الشعب العامل رافضا فكرة الإستعانة بتجارب الأخرين الجاهزة في إدارة التحولات الاجتماعية كما رفض الأخذ بالنظريات السياسية الجاهزة والمقولبة وقال ( إننا لا ننهمك في النظريات بحثا عن حياتنا ولكننا ننهمك في حياتنا ذاتها بحثا عن النظريات ) كان عبد الناصر قائد ثورة وزعيم جماهيري ولم يكن يبحث عن الزعامة أو يصطنعها أو يعشقها بل كان يسعى للإرتقاء بالمستوى الحياتي لكل طبقات الشعب وكان يسعى للإنتصار لإرادة الإنسان العربي في مصر والوطن العربي ولحق هذا الإنسان في الحرية والعدالة والكرامة والمساوة والتنمية والتقدم الاجتماعي .. قاد عبد الناصر التحولات الاجتماعية والثورية بكارزمية الثائر الصادق والقائد الوفي لوطنه وأمته ساعيا لبنا مجد أمة وكان وجوده على هرم قيادة الثورة يعطيه إمكانية تصحيح إعوجاج المسار وهو الذي سعى لتكوين حواضن تنظيمية بدءا من هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي الذي أنبثق منه التنظيم الطليعي المعزز بجناحي الحماية وهما الاتحاد العام لعمال الجمهورية ومنظمة الشباب وكان في كل هذه المسميات يرى القائد إنها مخترقة من قبل رموز الإنتهازية والتسلط ومع رحيل القائد برزت هذه الحقيقة وأنكشفت الظواهر التي كان يخشاها القائد في حياته ويمكن وصف ما حدث في مايو 1971 بين السادات ورموز داخل التنظيم الطليعي الذين لا أرى فيهم ثمة وفاء للقائد وليس لهم علاقة بفكره ولا بمشروعه التحرري الصالح لكل زمان ومكان ويحتوي على أهم المطالب والتطلعات الجماهيرية ولا تزل ( الناصرية ) تمثل خيارا جماهيريا وحاجة شعبية حتى اللحظة وليس هناك من يرفضها لكن بشرط توفر الكادر القادر على إستيعاب قيم وإخلاقيات وأهداف ومبادئ المشروع الناصري وهذا الكادر للأسف لم يتمثل في رموز التنظيم الطليعي فلا علي صبري كان يتمثل قيم ورؤية القائد المعلم ولا شعراوي جمعة أو بقية الذين واجهوا السادات في مايو 1971م ممن وصفهم ( بمراكز القوى ) وأستطاع وبكل سهولة الزج بهم في السجون مع أنهم كانوا يسيطرون على أهم مفاصل السلطة في مصر _ حينها _ حدث هذا دون أن تعبر الجماهير عن موقفها لأن كل أولئك لم يكونوا مرتبطين بهذه الجماهير ولم يكونوا قريبين منها بل كانوا وكما أثبتت الأحداث رموز سلطة ولهذا راهن علي صبري علي دعم ( موسكو ) في مواجهة السادات ولم يراهن على الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية التي كانت مدركة بفطرتها أن هولاء ليسوا القائد ولا يجسدوا تطلعاتها ولا يعبروا عن آمالها هذه الجماهير التي خرجت في ظل النكسة تطالب القائد بمواصلة قيادة المسيرة بعد قراره بالتنحي لم تعير صراع السادات وعلي صبري وبقية رموز السلطة أدنى إهتمام ..!!
رهان علي صبري على ( موسكو ) كان رهان خاسر فالسوفيت ارتبطوا بعلاقة ندية مع القائد فلم يكن ناصر تابع لموسكو بل كان وطيلة 18 عاما حليفا نديا وكان السوفييت الذين دخلوا لمسرح الشرق الأوسط ولأول مرة علي يد ناصر يدركون إنهم حلفاء لزعيم جماهيري وقائد ثوري محكوم بقيم ومبادئ واخلاقيات سياسية وينتمي لمدرسة سياسية تقدس العلاقة الإنسانية لكنها ترفض كل أشكال التبعية والإرتهان وتؤمن بالصداقة الندية والاحترام المتبادل لذا وخلال زيارة القائد لموسكو حاول خرتشوف فتح ملف الجماعات الماركسية في الوطن العربي وخاصة في مصر والعراق وسورية رد عليه القائد بعبارة واحده ( رفيق خرتشوف هذا شأن داخلي وقضية داخلية ولم نقدم إليكم لمناقشة مثل هذه المواضيع ) فقدم خرتشوف أعتذاره للقائد واغلق هذا الملف ..كان السوفييت يرى في عبد الناصر عدو ولكن لابد من صداقته بحكم الأمر الواقع وعلى قاعدة بيت الشعر العربي التي تقول ( ومن نكد الدنياء على المر أن يجد عدوا ما من صداقته بد) وحين حاول علي صبري الإستعانة بالسوفييت كان السوفيت على دراية كاملة بما يجري على الأرض ناهيك إنهم كانوا في قرارة أنفسهم يتمنون طي ملف ناصر والناصرية ولا يتمنون مواصلة مسيرة ناصر المقلقة لهم وهذه كانت أمنية الغرب وأمنية القوى الرجعية العربية وكل القوى السياسية التي كانت ترى ولاتزل في الناصرية كابوسا يقلق مضاجعها..
إذا برحيل القائد المعلم توقف المسار الناصري وأخفق من يزعمون الإنتساب للناصرية أن يقدموا نماذج قريبة من نموذج القائد بإستثنا ظواهر رمزية برزت في لبنان وليبيا واليمن ومصر وهي رمزيات تم وآد نشاطها وحظورها بطريقة دراماتكية وكأن هناك قوى شيطانية سعت لإخماد رمزيات ناصرية نقية وإبراز رمزيات هزيلة وصورية هي أبعد ما تكون عن قيم وأخلاقيات ومبادئ الناصرية الفكر والطريق ..
في عام 1972م عقد مؤتمرا قوميا في ليبيا حظره رموز العمل القومي من كل أقطار الوطن العربي في ذلك المؤتمر برز العقيد معمر القذافي بخياراته ودعوته لوراثة ناصر والعمل القومي ولم يجرؤا أحدا على إعتراض طروحات القذافي _ يؤمها _ إلا شاب واحد قام من القاعة وبكل ثقة وشجاعة فند طروحات القذافي ونسفها رافضا الفكرة مشككا بدوافعها وأهدافها وغايتها..كان هذا الشاب هو القائد الناصري عيسى محمد سيف القدسي الذي تجسدت فيه كل قيم واخلاقيات الناصرية الفكر والسلوك الدوافع والأهداف والغايات ..في تلك الواقعة لم يتردد الدكتور والمفكر القومي المرحوم عصمت سيف الدولة من مغادرة منصة المؤتمر والنزول للقاعة واحتضان الشهيد البطل عيسى محمد سيف ويخاطبه بالقول ( إذا كانت الأمة العربية تنجب شباب من أمثالك فأن هذه الأمة بخير ولن تنكسر )..في ذات المساء تم تهريب الشهيد عيسى من طرابلس إلى مرسي مطروح في الحدود المصرية _ الليبية ..!!
وفي ليبيا تم تصفية المناضل الناصري جمعه الفزاني وتم تهميش الرائد عبد السلام جلود وتطويع أبو بكر يونس ..في لبنان كان معروف سعد وإبراهيم قليلات ومخلص الصيادي..في العراق وسورية تم التخلص من الرموز الناصرية بطريقة أو بأخرى وحدث هذا في السودان وتونس وموريتانيا والجزائر ..وكانت أحداث قفصة التونسية هي الأكثر دموية ووحشية في المغرب العربي لأنها كانت تصفية بالجملة كما حدث في اليمن عام 1978م ..
في لبنان تم تصفية الشهيد الناصري معروف سعد عام 1975م وعلى أثر هذه الجريمة تفجرت الحرب الأهلية اللبنانية وكانت الخاتمة في اليمن عام 1978م بتصفية القادة الناصرين الذين حملوا بجد راية المشروع الناصري وبعد مجزرة 78م التي بدت في قفصة التونسية وأنتهت في صنعاء كان الناصريون الحقيقيون الذين حملوا مشروع القائد المعلم قد أكتملوا وأكتملت مهمة التخلص منهم ولم يبقى بعدهم إلا دعاة الناصرية وحسب ..لا أقول هذا جزافا مع أحترامي وتقديري لبعض الرموز الذي احتفظوا بإيمانهم بالمشروع والفكر ولكنهم فظلوا التواري وهناك أفراد لا أشك بإنتمائهم وإصالتهم الفكرية ولكنهم بعيدين عن النشاط أو خارج دائرة التأثير لكن يبقى القول أن كل المسميات ( الدكاكينية ) الرافعة لشعارات ومسميات ( الناصرية ) وعلى أمتداد الخارطة القومية في الغالب لا يمثلون القيم والاخلاقيات والمبادئ الناصرية بقدر ما يمثلون مصالحهم الذاتية فردية كانت أو جماعية فالناصرية تؤمن وكما أكد القائد الخالد ( بأن الوسائل يجب أن ترتقي شرفا مع غايتها ) فيما دعاة الناصرية يؤمنون بمقولة ميكافيللي ( الغاية تبرر الوسيلة ) وأجزم أني أصاب بالقشعريرة حين أجد دعاة ( الناصرية موزعين بتحالفاتهم بين من يتحالف مع قوى الرجعية العربية العدو اللدود للناصرية ولمشروعها التحرري وبين من يتحالف مع جماعة تدعي إمتلاك الوصية الإلاهية المطلقة في الحكم والسلطة )..?!!
يتبع

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)