ريمان برس -خاص -
بعد القضاء على خلافة ابن الزبير وسيطرة عبد الملك ابن مروان على دولة الخلافة الإسلامية المترامية الأطراف والمتعددة القوميات والهويات واللغات والثقافات ..أخذ الصراع الهاشمي _ الأموي أبعاد أخرى ومسارات أخرى ولم يعد محصورا في نطاقه السياسي بين سلطة ومعارضة ولم يعد يسير في مسار أطرافه قوى متسلطة تعمل على تثبيت أركان سلطتها وتأمين حكمها ونفوذها وبين طرف انطلق من قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. سعى لتدين الحاكمية وربطها بالدين سلوكا وثقافة وممارسة وهذا التيار الذي مثله الإمام علي أبن أبي طالب رضي الله عنه واولاده من بعده فبدأ الصراع منذ الثورة ضد الخليفة عثمان كصراع بين الحق والباطل بين رجال دولة ورجال دين أن جاز التعبير ..لكن غالبا ما تنتصر إرادة الدولة وأن كانت باطلة على إرادة الحق خاصة وأن كان طلاب الحق يفتقدون للمقومات المادية والحياتية التي تمكنهم من حشد انصارهم في مواجهة الباطل ..
في تعليقه على أحدى الحلقات رد علي الأخ العزيز الأستاذ أكرم عبد الله هاشم الكبسي بملاحظة مختصرة قال فيها ( أن الإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه واولاده لم يقاتلوا من أجل السلطة ) وهو صادق فيما ذهب إليه من القول فالإمام علي واولاده الحسن والحسين رضي الله عنه وعنهما لم يقاتلوا من أجل سلطة بل قاتلوا من أجل شريعة ودين تم استلابهما وتحريف رسالتهما ومقاصدهما وفيما الإمام علي وجد نفسه عنوة في قلب الفتنة بدافع من واجب ديني حين حاول التوسط بين الخليفة عثمان ومعارضيه ووأد الفتنة وسعى جاهدا من أجل هذه الغاية وآد الفتنة إلا إنه أخفق نظرا لوجود أطراف مؤثره كانوا ينفخون في كيرها لدوافع خاصة وكان أبرز هذه الأطراف بني أمية ممثلين بمعاوية وجماعته ومناصريه وابرزهم عمر ابن العاص وفي الطرف الآخر كان الزبير وطلحة وكان هناك الأنصار الذين وجدوا أنفسهم خارج المعادلة فتوهموا أن الخلاف بين بني هاشم وبني أمية سيمكنهم من فتح نافذة في جدار الأزمة يبرزون من خلالها بعد أن أتخذ بني أمية قرارهم بالسيطرة على السلطة مهما كلفهم الأمر ولأجل هذا لم يتردد بني أمية من إحياء قيم وتراث الجاهلية كي يستنهضوا همم أتباعهم ..والمتأمل في تداعيات أحداث الفتنة يجد معاوية ساهم بصورة او بأخرى في تاجيجها فيما الزبير وطلحة احتضنوا معارضي عثمان وشجعوهم على التمرد والثورة والمضي في هذا الطريق حتى النهاية فيما الإمام علي سعى جاهدا لوآدها وحاول إقناع الثوار بالعدول عن الطريق التي اختاروها للتعبير عن احتجاجهم على الخليفة ولكن كان أمر الله نافذا ولابد مما قدر الله له أن يكون ..
بدليل أن الإمام علي بائع ثلاثة خلفاء قبله ولم يشير من قريب او بعيد بأحقية الخلافة او حصرها في سلالته بل قاتل في سبيل أن تكون الخلافة شورى بين المسلمين ..نعم كان العباس عم رسول الله طامعا بالخلافة وهو مثل أبي سفيان يرى أن الخلافة حق مكتسب لبني هاشم وأبي سفيان يراها حق مكتسب لبني أمية وسبق القول أن أبي سفيان ما كان يريد أبو بكر فحاول مبايعة الإمام علي الذي رد عليه ( إنها الفتنة ) ..!!
الخلاصة أنه وبعد مقتل ابن الزبير وسيطرة بني أمية على السلطة أخذ الصراع طابعا آخر ومسارات أخرى .إذ تداخلت النوازع وتعددت وكثرت المطامع ومع امتداد جغرافية الدولة الوليدة وتعدد هويات وثقافات وحضارات الأمصار والشعوب التي أصبحت جزءا من الإمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف كان من الطبيعي في ضل غياب وحدة الهوية الجامعة لأن بني أمية اهتموا بتوسيع المساحة الجغرافية للدولة وجنب عائداتها واغفلوا الجانب الاجتماعي والعدالة التي تشكل أساس تماسك الدول والمجتمعات ..نعم وحدها العداله الاجتماعية أن تطبقت أوجدت تماسكا اجتماعيا وخلقت وحدة الهوية والانتماء وجذرت قيم ثقافيه وهذه القيم حملها الدين الإسلامي ودعاء لها وبعث الله رسوله الخاتم لتكريسها ..لكن ما حدث إنه وبعد وفاة الرسول الخاتم وجدت مفاهيم وسلوكيات دنيوية مفاهيم وبدافع من تجذير قيم الدولة وتقاليدها وترسيخ هذه التقاليد أغفل البعض تعاليم الدين وانتصروا لرغبات الدولة وأهدافها ..
لا أحد ينكر دور بني أمية في إيصال رأيه الإسلام إلى حدود الصين شرقا وإلى حدود فرنسا غربا وخاصة في عهدي الخلفاء عبد الملك ابن مروان والوليد بن عبد الملك ..كما لا نجهل حقيقة أن في عهد هؤلاء الخلفاء تم صك أول عملة إسلامية وإنشاء الإدارات والنظام الإداري وانتشار اللغه العربية لتكون اللغه الرسميه في الدولة المترامية الأطراف والمتعددة القوميات والأعراق والثقافات والموروث الحضاري لكن هذه الإنجازات لا تعفي بني أمية من المثالب والجرائم التي ارتكبوها في سبيل السلطة والفتن التي اثاروها واتخذوا منها ذريعة لتصفية خصومهم ليس في السلطة بل في تطبيق شريعة الإسلام كما أنزلت على رسول الله صل الله عليه وسلم ..
وبالتالي كانت خلافات بني أمية مع الإمام علي واولاده دافعها تطبيق شريعة الله نعم ..لكن الفتنة اتخذت بعد ذاك مسار آخر ودخلت أطراف أخرى رفعت رأيه الولاء للإمام علي لدوافع سياسية أولا ثم انحدرت لتضرب عقيدة المسلمين في مقتل وتؤدي لتأسيس معتقدات ومدارس وطرق جاءت مجتمعة لدوافع وأسباب دنيوية وليست دينية ..!!
لكل ما سلف لم يقف الصراع على السلطة بين بني أمية وبعض من وجهاء بني هاشم بل خرج الصراع من يد هؤلاء بتدخل أطراف أخرى دخلت الإسلام او تم إخضاعها للدين الإسلامي من خلال الفتوحات وكانت. (فارس ) وما جاورها من امصار آسيا الوسطى والهند نموذجا في التطلع للمشاركه في الحكم والسلطة والخيرات مثلهم مثل بني أمية وكان قرار معاوية بالتوريث هو الثغرة التي منها نفذ الشر المستطير الذي عصف بوحدة المسلمين وواحديه الإسلام عقيدة وشرعية ..نعم الإمام علي واولاده الحسن والحسين عارضوا رغبة بني أمية وكانت لمعارضتهم منطلفات ودوافع دينية غير أن ثمة أنصار دخلوا تحت راية مناصرة ال الإمام علي اتخذوا من مناصرتهم ذريعة لتحقيق أهدافهم وضرب هوية الحاكمية العربية خاصة بعد أن أجمع الكثيرون بحصر الخلافة في ( قريش) ..!!
لذا نرى أن معارضة الإمام علي واولاده وصولا إلى حفيده الإمام زيد تختلف جذريا منهجا وعقيدة وسلوكا وأهداف وغاية عن معارضة بعض من تظاهروا بالتشيع لا أل بيت الإمام علي والذين اتخذوا من هذا التشيع وسيلة لضرب وحدة الهوية الإسلامية وضرب الثقافة كثقافه موحده تنهل مما بعث به الله سبحانه وتعالى مع نبيه الخاتم عليه الصلاة والسلام ..
إذ كانت معارضة الإمام علي كرم الله وجهه و أولاده كانت تندرج تحت واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..لكن من جاء بعدهم كانت معارضتهم ذات دوافع عصبية وعرقية وقومية وأقصد هناء بوضوح العنصر ( الفارسي ) الذي لعب دورا في ضرب وحدة المسلمين وتجزئية الإسلام وتكريس ثقافة التمزق وهذا لا يعني أن العنصر العربي بريئا مما حل بالأمة بل لعب بني أمية وغيرهم من بني هاشم دورا في خلق وتكريس مشهد التمزق وحالة الفرقة لأن جميعهم كانت عيونهم للدنياء وليس للدين وللسلطه ومغانمها وجبروتها ونفوذها وفي سبيل تكريس هوية وثقافات الأمصار التي تم إخضاعها بالفتح وكانت ترى هذه الأمصار إنها أكثر ثقافة وتحضر من العرب حتى بعد أن كرم الله هذه الأمة بالإسلام وبعث فيها رسولا من أبنائها إلا أن هذه الحقائق ضلت بمعزل عن رؤى ومفاهيم مكتسبة لدى بعض الشعوب التي وجدت نفسها خاضعةبقوة السيف للدولة الإسلامية والتي راحت تنخر جسد الإسلام والمسلمين دولة وحاكمية من الداخل وتحت راية مناصرة هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع العربي ..
يتبع |