ريمان برس - خاص -
بعد انهيار جدار ( برلين ) وانهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفييتي اعلن - يؤمها - الرئيس الامريكي جورج بوش - الاب - انتصار الليبرالية وهزيمة الافكار المعادية لها معلنا بان امريكا اصبحت زعيمة العالم الحر - وتزامن مع هذا التوجه برزا العديد من مفكري الليبرالية بطروحات تدعو لتطوير القيم الليبرالية بما يتسق والتحولات الجديدة ، فبرز تيار ( النيو ليبرالية ) او الليبرالية الجديدة ، وعمت هذه الطروحات إمريكا واوروبا ، لكن ومع وصول ( جورج بوش - الابن ) اخذ تيار ( المحافظين الجدد ) زمام المبادرة وطرح افكاره حيز التطبيق وترجمها إلى مواقف سياسية واستراتيجية تعاطت بها واشنطن في سياستها الخارجية والداخلية ، فبدا المشهد وكأننا والعالم امام مرحلة جديدة عنوانها - الإمبريالية المتوحشة - وهنا لا بد ان انوه إنني وحين اتحدث عن ( فشل واخفاق واشنطن ) فاني اقصد بذلك فشلها واخفاقها في الحفاظ على المشهد الفوضوي والعبثي واللا مستقر الذي نسجته على خارطة العالم ، فامريكا كان يمكنها ان تكون زعيمة العالم الحر وحاكمه الوحيد لو انها تعاطت مع هذا العالم بقدر من العدالة والإنصاف ، لكن نزعتها الاستعمارية والقيم التي تؤمن بها حالتا دون تحقيق هذه الصورة ، فهي دولة حياتها ووجودها وتماسكها مرهون بوجود ( عدو) لها وبعد انهيار خصمها اللدود او - عدوها - الاتحاد السوفييتي ، برزت في اجندتها ما اطلقت عليها - دول محور الشر - وحددتها ب - كوريا الشمالية - إيران - كوبا - سوريا - ليبيا - العراق - غير ان احداث ( منهاتن ) عام 2001م ليصبح - العدو - هو تنظيم القاعدة - الذي صنعته المخابرات الامريكية والباكستانية حين كانوا بحاجتهما لقتال الجيش السوفييتي في افغانستان وكانت واشنطن واعلامها يطلق عليهما ( المقاتلين من اجل الحرية ) لكن بعد حادثة ( منهاتن ) تحولوا إلى اعداء واستغلت واشنطن الحادثة لتستبيح سيادة دول العالم وفق شعار ( من لم يكن معنا فهوا ضدنا ) ..؟!
وهكذا اصبح مجموعة من الافراد المطاردين في جبال افغانستان هم اعداء الامبراطورية الامريكية وزعيمة العالم الحر وعلى مدى سنوات وعقود عبثت امريكا وبكل غطرسة بخارطة العالم ونشرت الفوضى والخراب والدمار في كل ربوعه ودوله وتضاريسه بدءا من غزو جمهورية يوغسلافيا وإلغائها من الخارطة وتقسيم اراضيها الى مجموعة دول متناحرة على أسس عرقية ودينية ومذهبية ، الى افغانستان والعراق إلى محاولتها العبث بدول ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي في اسيا الوسطى وايضا دول اوربا الشرقية ولم يعرف العالم خلال هذه الفترة حالة استقرار فيما واشنطن تتلذذ بمعاناة هذا العالم غير مكترثة بمعاناته ، سلوك كان من الطبيعي ان يصل بها إلى ما وصلت اليوم من فشل واخفاق عجزت معهما في الحفاظ على المشهد العبثي والفوضوي اللذان لطخت بهما اطياف خارطة العالم ..؟!
خلال هءه الفترة كانت الصين تبني قدراتها وتخطوا بثبات نحو اهدافها الاستراتيجية فيما روسيا الاتحادية كانت تعيد ترميم بيتها الداخلي وتستعيد قدراتها التي كانت قد تبعثرت خلال سنوات ( جورباتشوف - يلتسين - وكانت امريكا تواصل الغطرسة على العالم بالحديد والنار والغزو والعقوبات فارضة خيارتها على دول وانظمة العالم بالتهديد والتهديد فليس في قاموسها مصطلح - الترغيب - ولا ثمن يمكن ان تقدمه لمن قدم لها التنازلات بل بنظرها كان يكفي الثمن رضاها على من يتنازل لها ..؟!
غطرسة او جدت وراكمت حالة احتقانات كبيرة في نفوس ووجدان شعوب ودول وانظمة العالم بما في ذلك من يحسبوا انهم حلفائها مثل بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا والمانيا ، وهم من تضررت الكثير من مصالحهم وخاصة الاقتصادية منها ..
كانت مرحلة ( ترمب ) الذي يعد اكثر رؤساء امريكا صدقا في عدوانه للاخر الحضاري ، واكثر شفافية في التعبير عن حقيقة امريكا ورؤيتها لهذا الاهر بما في ذلك حلفائهم في اوروبا وجنوب شرق اسيا والوطن العربي كدول الخليج وبقية الاقطار العربية الاخرى المعروفة بعلاقتها الارتهانية لواشنطن ..!!
بالمقابل يمكن وصف ادارة وفترة ( ترمب ) بانها الاسواء في تاريخ امريكا كونه فجرا ازمات امريكا الداخلية والخارجية معا ويمكن القول ان في عهد ( ترمب ) انقشع الضباب عن سماء امريكا وبدت صورتها الحقيقية أمام مواطنيها وامام العالم كدولة مأزومة داخليا تعاني من العنصرية والهشاشة البنيوية ، فيما على المشهد الخارجي عجزت - واشنطن - على إبقاء المشهد العبثي الذي نسجته في اكثر من موقع من خارطة العالم سعت واشنطن إلى نشر الفوضى والعبث والدمار فيها وخاصة في الوطن العربي بهدف خدمة الكيان الصهيوني وجعله الكيان الوحيد القوي والامن والمستقر والمتماسك فيما كل محيطه ممزق ومنهك وعاجزا عن لملمة اوصاله بما في ذلك الفلسطينيين الذين قسمتهم بين ( غزة ) و ( الضفة ) و ( 48 ) وخطوط خضراء وحمراء ، الامر لا يختلف في العراق وسوريا وليبيا وافغانستان والصومال واليمن والسودان وحتى لبنان وكل عوامل الفوضى وعدم الاستقرار في كل هذه النطاقات الجغرافية صناعة امريكية بامتياز ..؟!
هذه الفوضى والخراب التي صنعتها ونشرتها امريكا عجزت عن إبقائها وديمومتها كما اخفقت عن فرض حلولا لها بشروطها ، وهذا هو الاهم الذي دفع واشنطن ألى تحميل الصين وروسيا المسئولية معتبرة أن منافستهما لها فعل حال دون تمكنها من إبقاذ نفوذها طاغيا على الخارطة الكونية .
كانت جائحة ( كورونا ) هي العقدة التي دفعت واشنطن في تكشير انيابها تجاه الصين بعد حالة الاستهتار اولا في التعاطي الامريكي مع الجائحة ثم الاخفاق طبيا ولوجستيا في مواجهتها فظهرت الدولة العظمى اكثر عجزا في مواجهة الكارثة ولم تجد غير توجيه التهم الجزافية نحو الصين وتحملها المسئولية الكاملة عن الجائحة ثم اخذت في التصعيد تجاه الصين بدءا من افتعال الازمات لها في كثير من شؤنها الداخلية وصولا الى عسكرة بحر الصين الجنوبي وعسكرة المحيطين الهادي والهندي بهدف تطويق الصين والتصدي لنفوذها في كل الاتجاهات ، ومع ذلك لم تشفع كل هذه المواقف للادارة الامريكية خلال فترة ( ترمب ) فشهدت سوارعها صدامات ومواجهات جعلها تبدو وكأنها دولة من دول العالم الثالث مظاهرات شعبية حاشدة طالت كل مدنها وولاياتها ال 51 ولاية وقوات مكافحة شغب وقنابل مسيلة للدموع ، بل واستدعت الادارة الجيش للنزول للشوارع لمواجهة المتظاهرين وتكلل هذه المواجهات باقتحام مناصري ( ترمب ) لمبني ( الكابيتول ) في واقعة لم تشهدها امريكا حتى زمان الحرب الاهلية ..؟!
مشاهد لا يمكن تجاوزها وطمس معالمها من الذاكرة الوطنية إلا من خلال التصعيد ضد عدو خارجي وكانت الصين وروسيا هما هذا العدو ، وهذا ما يقوم به ( بايدن ) اليوم الذي يصعد تجاه الصين ويسعى لتهدئة اللعبة مع روسيا .
في هذا السياق يقول ( ميك ميلي - رئيس هيئة الاركان الامريكية : ان السلام بين الدول الكبرى أضحى في خطر ويوشك ان يصل إلى حافة الانهيار ) ..؟!
وبالرغم من تصريحات ( بايدن ) المعادية لروسيا والرئيس ( بوتين ) إلا إنه اضظر مؤخرا للرضوخ لنصائح خبراء ادارته في لقاء قمة يجمعه مع الرئيس الروسي حتى بعد ان وصفه ب ( القاتل ) وتوعد بمحاسبته لكنه اخيرا اضظر للقبول بلقائه منتصف الشهر القادم في ارض محايدة هي سويسرا ..!!
( بايدن ) الذي اعلن مؤخرا عن تكليف اجهزة مخابراته للقيام بمهمة معرفة مصدر ( فيروس كورونا ) خلال 90 يوما وهي خطوة ابتزازية بامتياز تجاه الصين هو من يسعى اليوم لتحريك عملية السلام في الارض الفلسطينية المحتلة وهو مع حل الدولتين ؟ وهو من سيعود للاتفاق النووي مع إيران ، ؟! وهو ايضا من اوقف سلسلة العقوبات على مشروع خط الغاز الروسي الممتد الى اوروبا ، وهو من يتحدث عن ضرورة ايقاف الحرب في اليمن ..؟! وهو من يبحث عن صفقة مع روسيا ليتفرغ بكل ثقل امريكا لمواجهة الصين ؟!
لكن هل سيحقق ( بايدن ) أهدافه خلال لقائه بالرئيس الروسي ( بوتين ) ..؟!
هذا ما سوف تكشفه عنه الايام القادمة مع اني اشك بحدوث مثل هذا ، فالعلاقة الروسية - الصينية اكثر متانة وعمقا مما يتصوره الامريكيون ، وحقيبة ( بوتين ) مليئة بالملفات الساخنة من بيلا روسيا، وارمينيا، واوكرانيا، وإيران ، وسوريا ، والعلاقات الاقتصادية ومسارح النفوذ وبالتالي لن يجد ( بايدن ) متسعا من التفاهمات مع ( بوتين ) .
يتبع |