ريمان برس - خاص -
تواصلا مع ما سبق أعود وأقول أي وطن يمكن أن أراهن عليه أنا وأمثالي كثيرون و يفوق عددنا عدد أطراف الصراع وأتباعهم ومناصريهم ومن يؤيدهم..؟!
فإذا افترضنا أن كل أطراف الصراع واتباعهم الذين يخوضون معتركهم من أجل البقاء والسلطة والثروة والنفوذ واستعباد الشعب وامتلاك الوطن يبلغ عددهم _ افتراضا _ أربعة ملايين أو خمسة ملايين_ لهم او لبعظهم علاقات داخلية وخارجية إقليمية ودولية متشعبة _ وهو عدد افتراضي مبالغ فيه فأن هناك خمسة أضعاف هذا العدد ليسوا مع أطراف هذا الصراع ورافضين بالمطلق صراعهم من حيث دوافعه واسبابه وأهدافه وغايته لكن لا أحد يكترث بهم ولا بما يفكرون به ويتمنونه لوطنهم وشعبهم ..؟!
وبالتالي هل أعتبر نفسي وأمثالي من غالبية أبناء هذا البلد المنكوب بقادته ونخبه ورموزه السياسية والوجاهية والثقافية ( زيود أم شوافع ؛ روافض ومجوس ؛ أم دواعش وتكفيرين ؛ شيعة أم سنة ؛ شماليون يمينيون ؛ أو جنوبيون عرب ؛ مناطقيون نقدس نطاقاتنا الجغرافيا ؛ أم طائفيون ؛ وحدويون أو انفصاليون ؛ وطنيون أم مرتزقة وعملاء وخونة )..؟!!
لا أعرف حقيقة الهويات المرتقبة التي سوف تشكل مساراتنا المستقبلية على ضوء هذا الجنون الذي يعصف بكل مقوماتنا الوجودية من أرض وبشر ومواقف وسلوكيات وقيم وثقافات متصادمة وقناعات متناحرة ..؟!!
أن من الصعوبة بمكان عودة التعايش المجتمعي في ظل خطاب وقيم وثقافة متنافرة ومتناقضة تعنون سلوكنا ؛ في ظل غياب كل قيم المحبة والتعايش ؛ وفي ظل غياب الرؤية الوطنية الجامعة ؛ وفي ظل غياب كل مقومات الهوية الوطنية وثقافة الانتماء الوطني التي وأن وجدت في مفردات هذا الخطاب أو ذاك فأن وجودها يندرج في سياق المزايدات السياسية وحسب .
والأسواء والأخطر من كل هذه الموبقات السلوكية هو أن هذه الموبقات تعمد بالدم منذ قرابة عقد من الزمن ؛ يعني أن من قبل أن يسفك الدم _ بضم اليا وتسكين السين والكاف _ لا يمكنه أن يقبل بحلول دونية لا تحقق له مطالبه الكلية التي لأجلها يخوض معتركه ..!!
الأمر لا يتوقف هناء بل أن ثمة ثقافة تحريضية قاتلة ومدمرة للنسيج الاجتماعي غدت تشكل قناعات جيل من أبناء الوطن على امتداد خارطته الجغرافية ؛ ثقافة تقوم مفرداتها على قاعدة إلغاء الأخر ونكرانه والتنكر لهويته وانتمائه الوطني ؛ والمؤسف أن كل النخب والفعاليات والرموز والوجاهات المتناحرة تعمل كل بطريقتها على تكريس وتجذير مثل هذه الثقافة المدمرة ؛ حتى بلغنا مرحلة نرى فيها ثقافة التأصيل القبلي والعصبوي تكاد تكون الطاغية في خطاب هذه النخب وثقافتها في أتون صراع سياسي جارف لكل القيم والاخلاقيات وقاتل لواحدية الهوية والانتماء الوطنيين ؛ على خلفية التأصيل الديني والمذهبي والطائفي والمناطقي والحزبي والسلالي ؛ حتى يخيل لي أن الله سبحانه وتعالى ( سلب من أبناء هذا الوطن عقولهم ؛ ونزع الرحمة من قلوبهم ) ..!!
وأقول صادقا أن كل الأقطار العربية التي تعاني من الفوضى سوف تستقر وتعود إلا طبيعتها وسكينتها المجتمعية باستثناء اليمن التي لن تعود إلا ما كانت عليه عام 2010م بكل ما فيه من هشاشة وشوائب ومظاهر سلبية ؛ لا أعرف حقا كيف ستعود السكينة المجتمعية لمحافظة ( مشطرة مثل تعز ) ؟ أو لمدن مثل ( صنعاء والحديدة وعدن ومارب وشبوه والجوف وحجة وصعدة وذمار ولحج والضالع ) !!
وقد أنقسم أبنائها فيما بينهم طواعية أو كرها وفق منطق حكم الامر الواقع ؛ وقد أوجد هذا الانقسام تنافر وتناحر ودماء سألت بين أبناء المحافظة الواحدة والمدينة الواحدة والقرية الواحدة ..؟!!
كيف ستعود السكينة الاجتماعية في بلد وصلت الأزمة فيه إلى كل بيت ؛ في ظل غياب كلي لمرجعيات وطنية جامعة ؛ أو قوى وطنية قادرة على كبح جماح هذا الجنون الغير مسبوق في كل تاريخنا الوطني وحسم الصراع لصالح الوطن الأرض والشعب وعلى أي شاكلة كانت طالما كانت الغاية تحقيق الأمن والاستقرار والسكينة الاجتماعية .
أن اليمن بأرضها وإنسانها تعيش في كنف عدوان مركب ومعقد وغير مسبوق ؛ أختلط به الدافع المحلي بالأطماع والدوافع الخارجية إقليمية كانت أو دولية ؛ وبالتالي أصبح مصير البلاد بأيدي أطراف خارجية لها حساباتها وأهدافها وغايتها في صراع اليمنيين الذين يوزعون تهم الخيانة والعمالة والارتهان فيما بينهم وكل طرف يسعى جاهدا لتكريس قيمه ومفاهيمه ورؤيته للدين والوطن والهوية والوطنية والقيم والثقافة والاخلاقيات ..؟!
في هذا المعترك الغريب والعجيب والمركب الذي تعيشه بلادي ؛ اين أجد نفسي وأمثالي وهم الغالبية العظمى من أبناء هذا الوطن ..؟!!
هذا الوطن الذي يزداد المتصارعين فيه ثراء ورفاهية وتزداد غالبيته المطحونة فقرا وخوفا وقهرا وجوعا ..؟ ولأول مرة نجد شعبا بكاملة يتسول مكارم المنظمات الدولية مع أن هذا الشعب وقبل سنوات فقط كان يساعد الاخرين من الاشقاء والأصدقاء وأن لم ؛ فقد كان على الأقل مستورا يعيش حالة اكتفاء ذاتي وسليم من التقسيم والانقسام والتناحر وسيلان الدم ؛ أن رائحة البارود وسحبه تخيم على سماء الوطن والأحقاد تزداد وتتسع مساحتها في الوجدان والذاكرة مع كل طلعة شمس ؛ وثقافة الكراهية هي الخطاب السائد والبضاعة الرائجة في الوسط الاجتماعي والمستقبل الوطني لا وجود له في ذاكرة الجميع والماضي حاضر بكل أحداثه وموبقاته من أحداث ( سقيفة بني ساعدة ) حتى ( غزوة منهاتن ) وما بينهما من أحداث وصولا إلى حروب فلسطين والخليج وأفغانستان وحرب أمريكا على الإرهاب ..؟!!
ليبقى المجهول هو خيارنا والمصير ورحلة التيه هي قدر لا نعرف له نهاية طالما ونخبنا نقدس ذاتها ومصالحها وأن على حساب الوطن والشعب الذي يتحمل جزءا كبيرا مما هو عليه وما قد يصيبه في قادم الأيام والأحداث . |