ريمان برس - خاص -
يبدو أن عملية استهداف (جسر القرم) من قبل النظام الأوكراني، كان بمثابة جس نبض أمريكا والغرب لقياس رد الفعل الروسي وبالون اختبار للمدي الذي قد يذهب إليه رد فعل موسكو على جريمة استهداف الجسر وهو منشأ مدني وليس هدفا عسكريا يمكن تبرير استهدافه، غير أن عملية استهدافه ووفقا للديماغوجية الغربية _الأمريكية وتعاملها مع العملية العسكرية الروسية، اعتبرت الاستهداف إنجازا عسكريا وحدثا يعكس قدرة أوكرانيا وجيشها في القيام بعمل يؤلم روسيا ويقلل من قدرتها العسكرية والأمنية، خاصة بعد تصريحات القيادات الروسية وتحذيراتها وإعلانها الاستعداد التام للرد على أي استهداف قد يطال أراضيها وخاصة الجغرافية التي أعلن مؤخرا وبموجب استفتاء شعبي انظمامها للاتحاد الروسي وسط غضب وإدانة وتنديد غربي _أمريكي..
قوبلت جريمة( جسر القرم) بترحيب غربي _أمريكي صامت، وبصخب أوكراني تفاخرا بالقيام بالحدث _الجريمة لم يمنع قادة أوكرانيا وعلى مختلف المستويات من إطلاق التصريحات النارية عقب وقوع الجريمة، بما في ذلك تصريحات منسوبة للرئاسة الأوكرانية مفادها (أن هذا الجسر عمل غير شرعي وسيتم تدمير كل ما هو غير شرعي)..؟!
وسائل الإعلام الأمريكية والغربية وحلفائهما تناولت الخبر بطريقة لا تخلوا من الشماته بروسيا وقدراتها، دون الإجهار بالتفاخر والترحيب الصريح بالجريمة، ليأتي الرد الروسي سريعا ومعبرا عن ثقة وقدرة واقتدار وحكمة، وعاكسا قدرات تدحض ما ذهب إليه الإعلام الغربي _الأمريكي في تحليلاته وتقديراته لمسار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كنا أن الرد جاء بمثابة الصاعقة التي نزلت على القيادة الأوكرانية التي بدت مرتبكة في التعاطي مع الرد الروسي وفي حالة من التناقض والتخبط تجسدا في إطلاق سيلا من التصريحات للقادة الأوكرانيين عسكريين وسياسيين ينفون فيها نفيا قاطعا علاقتهم باستهداف (جسر القرم)..؟!!
داحضين تصريحاتهم السابقة ومكذبين أنفسهم متبرئين من تصريحاتهم التفاخرية التي أطلقوها بعد حادثة استهداف الجسر الروسي..!!
فيما التصريحات الغربية _الأمريكية جاءت خجولة ومتدنية النبرات وان أكدت جميعها إدانة روسيا والتعهد بمزيدا من الدعم لأوكرانيا..!!
لكن يبقى الأهم في المشهد أن الرد الروسي جاء ليدشن مرحلة جديدة في مسار العملية العسكرية، مرحلة تبدو وكان روسيا فتحت من خلالها آفاقا جديدة في الصراع الجيوسياسي الذي تخوضه في أوكرانيا وفي مواجهة (واشنطن) وقدراتها و (حلف الناتو) وإمكانياته، ورغم المناشدات العنترية التي أطلقها الرئيس الأوكراني وطالب تحديدا من فرنسا وألمانيا ممارسة المزيد من الضغط على روسيا والتصدي لعملياتها، ولم يطلب من امريكا ولا من بريطانيا وهما عرابان هذه الحرب ومن خطط لها ودفع بالرئيس الأوكراني وعصابته لخوض غمارها نيابة عنهم..؟!
لكنه طلب من فرنسا والمانيا لإدراكه أن ثمة قنوات دبلوماسية مفتوحة بين موسكو وهاتين الدولتين، فكان الطلب بمثابة استجداء واضح، لياتيه الرد سريعا من واشنطن ولندن بالمزيد من الدعم وتمكينه من الحديث أمام قمة (الدول السبع) الذي سيعقد قريبا بهدف التشاور حول أوكرانيا..؟!
بذات الوقت انطلقت ولأول مرة من العاصمة الأمريكية واشنطن ومن مسؤولين عسكريين وسياسيين كبار عبارات (السلام) وإيجاد حلا دبلوماسيا للأزمة الأوكرانية..؟!
ماذا يعني كل هذا؟ وما هي الخيارات المتاحة لدى الغرب وأمريكا؟ ولدي القيادة الأوكرانية تحديدا..؟!
غربيا قدمت الدول الغربية كل ما يمكن تقديمه لأوكرانيا ليس حبا برئيسها وقيادتها ولكن رغبة في كسر إرادة روسيا الاتحادية والحيلولة دون تمكينها من فرض خياراتها الاستراتيجية في تحقيق عالم متعدد الأقطاب الذي تخشاه واشنطن لأنه يتناقض مع رغبتها في إبقاء هيمنتها وتسلطها على العالم، وتقف معها مجبرة أوروبا التي ضحت بمصالحها القومية من أجل مصلحة أمريكا الجيوسياسية وفي سبيل إبقاء العالم عبيدا لها..؟!
واعتقد جازما أن ليس بالإمكان أبدع مما كان وما هو كائن، وبالتالي لم يعد بإمكان أوروبا تقديم أكثر ما قدمته لأوكرانيا منذ بداية العملية العسكرية الروسية، ناهيكم أن كل دول أوروبا الغربية خاضت معركة الأوكران ضد روسيا الاتحادية ليس منذ بدء العملية العسكرية الروسية قبل أشهر، بل ومنذ عام 2014 م حين قادت أمريكا والغرب انقلابا على نظام أوكرانيا الشرعي واتو بنظام انقلابي آخر موال لهم وضد روسيا وضد رغبة وإرادة الشعب الأوكراني ذاته..!
أجزم بأن رد روسيا على جريمة استهداف (جسر القرم) جاء مزلزلا ليس للقيادة الأوكرانية بل لمن يدير ويتحكم بها وهم واشنطن والغرب، ورغم التصريحات التي أطلقت بعد الرد الروسي غربيا وأمريكيا، والتي جاءت مجبولة بقدر من خجل ومجردة من الوضوح بما في ذاك رد فعل واشنطن، فإن رد فعل المستشار النمساوي حمل في طياته ما لم تحمله تصريحات أقرانه وهي الدعوة لحل سلمي للأزمة..؟!
متماهيا بذلك مع موقف تركيا والصين وبقية دول العالم التي تؤكد على أن العالم ليس أمريكا والغرب، وان الحوار والتفاوض هما السبيل لإنهاء الأزمة.
المثير أن كل هذا يأتي بعد سعار سياسي وإعلامي عن انهيار الجيش الروسي وضعف قدراته، وزرعوا في عقول مواطنيهم وعقول الرأي العام أن أوكرانيا بقيادتها ودعم أمريكا والغرب قادرين على (هزيمة روسيا)؟!
وطرح هلامي زائف كهذا يفقد أصحابه ومن يسوقه المصداقية واحترام المتلقي والمتابع، ورغم أن هذا الخطاب يندرج في سياق الحرب النفسية التي ابتكرته استراتيجية (الصدمة والرعب، والفوضى الخلاقة) التي صممها البنتاجون وسوقتها ماكينة الإعلام الأمريكية والغربية وفقا لمخططاتهم الاستعمارية المنافية لكل القيم والأخلاقيات الحضارية والإنسانية، وقد مورست هذه الاستراتيجية في الكثير من قارات العالم على مدى ثلاثة عقود لتحط رحالها مؤخرا على روسيا الاتحادية الدولة العظمى التي عادت للواجهة من العدم لتواجه الغطرسة الإمبريالية من جديد بعد أن توهم المتغطرسون أن الكون قد صفي لهم واصبح مسرحا لعربدتهم الاستعمارية..
أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كشفت كل مستور كانت تخفيه أمريكا وحلفائها في أوكرانيا التي كانت بمثابة عاصمة لعملياتها القذرة التي إدارتها ليس ضد روسيا الاتحادية بل ضد دول العالم مجتمعه، عمليات قذرة تمت برعاية المخابرات الأمريكية والبنتاجون وفي الجانب المادي والاقتصادي تولى إدارتها (هنتر بايدن) نجل الرئيس الأمريكي الحالي ولهذا نرى حماس الرئيس الأمريكي ومحاولته إما قهر روسيا واستيئنزافها أو مساومتها أن ضاقت به السبل وفشلت كل كل محاولته، ومن هناء نجد التهويل الأمريكي تجاه العملية من العقوبات الغير معقولة إلى الحصار والدعم الغير معقول، وجر أوروبا خلفه في هذا المستنقع وعلى حساب مصالحها، ودون اكتراث أمريكي يذكر لا بأوكرانيا وشعبها وقيادتها ولا بأوروبا ومصالحها..!
خلاصة القول إن الرد الروسي الذي جاء عقب استهداف (جسر القرم) بعملية إرهابية خططت لها المخابرات الأوكرانية، كشفت عن يقظة روسيا وقدرتها وتفوقها عسكريا وأمنيا واستخباريا، فيما العملية أوجدت فجوة كما يبدو بين القيادة الأوكرانية وأمريكا والغرب الذين لم يطلعوا على العملية مسبقا كما يبدو، لتأتي تصريحاتهم الباردة والخجولة انعكاسا لهذه الحقيقة.
للموضوع صلة
[email protected]