ريمان برس - خاص -
افرزت الأزمة التي تعيشها البلاد بأهلها وقدراتها منذ قرابة عقد من الزمن عن ثقافة سلوكية دخيلة آخذة بالاتساع يمارسها أولئك الذين شأت الأقدار أن يتسيدوا واجهة المشهد الوطني بتعدد أطيافه السلوكية حيث توارت ثقافة المواطنة وغاب دور الدولة وكل القيم التي كانت تعزز فكرة الدولة وواحدية المواطنة، لتطغي على إثر ذلك ثقافة استهدافية ممنهجة من قبل هؤلاء المتنفذين الذين لا يكترثون بالوطن والمواطن وليس لهم من هم سوئ الانتصار لرغباتهم الذاتية ومشاريعهم العصبوية الفئوية والمذهبية، الأمر الذي أوجد نا داخل جغرافية وطنية واحدة، غير أن وحدة الهوية والجغرافية لم تشفع لمواطني هذا البلد التمتع بالوحدة الوجدانية التي تكرس وتعزز وحدة الهوية والانتماء بل تم إخضاع الظواهر الطبيعية لكل ما هو غير طبيعي، ويمكن أن تكون _مثلا محافظة تعز _نموذج للحالة الغير طبيعية إذا تأملنا في حالها اليوم وحال أبنائها الذين يعيشون تحت تأثير (ثلاثية الانشطار _ المتمثلة في تعز الحوبان وما يعتمل فيها، وتعز المدينة وما يجري عليها، وتعز الساحل الغربي وما يدور فيه) هذا النموذج المختصر لحالة الأغتراب الوطني القى بظلاله على النشاط الاقتصادي ووجدت المؤسسات الاقتصادية الوطنية نفسها بحاجة الاقتباس قوانين وتشريعات (منظمة التجارة الدولية) كي تحافظ على نشاطها داخل وطنها، الذي تتنازع جغرافيته أطراف النفوذ والمتمثلين في (سلطة امر واقع في صنعاء) و(شرعية في عدن) وبينهما أطراف لا تقل عنهما حضورا وفعالية نموذج (الانتقالي) وحلفائه و(الإخوان) وارتباطاتهم والي جانب هؤلاء كيانات قبلية متعصبة، واحزاب سياسية تعيش في دائرة الهلامية مستسلمة بالمطلق لتداعيات اللحظة عاجزة عن الانعتاق منها أو تمييز نفسها عن ما يجري انطلاقا من المؤروث السياسي والفكري والوطني لهذه الأحزاب التي تخلت عن كل قيمها لقاء كفالة هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع لهذه الأحزاب بالبقاء وان على هامش المشهد الدرامي الراهن..
هذا الواقع المزري أوجد ثقافة سلوكية مجبولة بكل قيم التجهيل المناهضة لكل ما هو وطني ولكل ما هو دولة بل إن وظيفة ومهمة الدولة توزعت بين المتصارعين ليصبح الضحايا هم الناس ومصالحهم والقطاع الاقتصادي الذي يفترض رعايته وتسهيل مهامه كي يؤدي دوره الخدمي، هذا القطاع الذي ظل خلال العقد المنصرم يعمل بجد ومثابرة في سبيل تخفيف معاناة الناس، للأسف وجد نفسه في دئرة استهداف أطراف الصراع الذين يتعاملوا مع هذا القطاع ورموزه وكأنهم أعداء يجب التخلص منهم وتقليص أنشطتهم، موظفين لهذه المؤامرة الكثير من الاكاذيب التي يغذي بها المتصارعين الذاكرة الجمعية الوطنية على امل شرعنة ثقافة استهداف هذا القطاع وتبرير جرائم المتصارعين بحقه وحق رموزه..!
سابقا كان الاستهداف السياسي للقطاع الاقتصادي مغلف بأوراق (ستر العورة) مثل أن يفتح ابن وزير الأشغال مكتب مقاولات، وان يفتح ابن وزير النفط شركة خدمات نفطية، وابن وزير الإعلام يفتح وكالة لاستيراد الأجهزة، وابن وزير البلدية تؤسس له شركة نظافة، وابن وزير الداخلية ينشيء شركة أمنية خاصة، وهكذا دواليك، غير أن ما هو حاصل اليوم، هو أن النافذين تخلوا عن أوراق (ستر العورة) وراح كل طرف منهم يخضع المنشآت الاقتصادية الخاصة ويجعلها تحت سيطرته، فيما حواجز ونقط الجبايات تنتشر على الطرقات الطويلة وما بين المحافظات والمدن، وفي الأحياء والازقة، ويطلق كل طرف زبانيته داخل المدن وشوارعها واحيائها بمهمة جمع الجبايات وابتزاز الناس ومضاعفة همومهم، وياليت أن هذا الانتشار العبثي وضع القائمين عليه اعتبارا لحياة المواطن وسلامته، بل بلغت بهم الوقاحة حد التركيز على ما في جيب المواطن وخزانة التاجر لينهبوها وليذهب المواطن والتاجر للجحيم..؟!
هناء أصبحت التجارة الوطنية جهاد ورموز الاقتصاد صاروا وكأنهم يقتفون إثر الناصر صلاح الدين في مواجهة الحملات الصليبية في ظل غياب وتنكر كاملين لقيم وأخلاقيات الدولة ومهامها، ودون اكتراث بحقوق وقيم المواطنة.
يتبع
الجمعة 11اغسطس2023م |