ريمان برس - خاص -
في مفاصل الثورة اليمنية كان هناك تباين في فهم وإدراك البعد الجيوسياسي للثورة باستثناء قلة من رموزها الذين لم يتمكنوا من إسماع أصواتهم وسط ضجيج الحسابات الخاطئة وأنتهازية المواقف وذهاب البعض الي إثبات وجوده لدوافع حزبية وذاتية مجبولة بكل السلوكيات الانتهازية، لكن وقبل الخوض في هذه التفاصيل دعونا نقف أمام القوي المشاركة بالثورة ودوافع أطرافها ورؤية كل طرف منهم للثورة وأهدافها وتحولاتها ومتغيراتها بقدر من الموضوعية وكثير من الشفافية والصراحة وأن كانت جارحة.
بداية أقول أن الثورة اليمنية كانت حصيلة واقع اجتماعي غير متجانس ونخب ووجاهات سياسية وأجتماعية وقبلية متعددة الروئ، نعم كانت طليعة ثورية عملت بجد وجهد وتفاني في سبيل الثورة والتغير، طليعة خاطرت بحياتها وكان أملها الانتصار للارادة الوطنية والتغير وإخراج البلاد والعباد من كهف العبودية والجهل والتخلف الذي وضعتهم فيه أسرة حميد الدين، فيما هناك من كانت الثورة بنظره تختزل في إسقاط الأمام ومستعد للتفاوض أن تطلب الأمر لاستبدال الإمام بأخر وهذا كانت مشكلته تنحصر في شخص الإمام أحمد وأسرته لا في إحداث تغير وطني يخرج البلاد من براثن الجهل والتخلف والفقر والجهل والمرض ..!
بتوضيح أدق كانت ( تعز) بكل رموزها مع الثورة والتغير ومع إحداث تحولات وطنية وفق مشروع ثوري وطني جامع يؤسس لقيام دولة وطنية تتساوي فيها الحقوق والواجبات وواحدية المواطنة، دولة يحكمها النظام والقانون وعقد إجتماعي يكفل لجميع أبناء اليمن حقوقهم وواجباتهم، وكان إلي جانبهم رموزا وطنية وشخصيات إجتماعية وسياسية وثقافية وعسكرية من صنعاء وإب وذمار والحديدة وريمة ومن الشطر الجنوبي، وهولاء مجتمعين كانوا مع الثورة والتغير الجذري وإعادة هيكلة الوعي الاجتماعي،وترسيخ قيم وثقافة وطنية تناسب الحدث والتحولات، في المقابل كانت هناك وجاهات قبلية وسياسية وعسكرية، لها رؤىة أخري للثورة والتغير، تقتصر في إزاحة الإمام ثم التعامل وفق مبدأ ( ما بدأ بدينا عليه) وعلي رأس هولاء كانت ( قبيلة حاشد وعبدالله بن حسين) الذي كانت رغبته ليس بالثورة بل الإطاحة بأسرة حميد الدين إنتقاما منهم لمقتل والده وشقيقه .!
طرف أخر كان يريد ( أسلمة الثورة والجمهورية) إتساقا مع قناعته السياسية والفكرية وكان ( الزبيري) علي رأس هذه المجموعة، إلي جانب هولاء كان هناك رموزا حزبية رأت في الثورة والمشاركة فيها فرصة للتعبير عن ذاتها وتسجيل حضورها في مفاصل الثورة والجمهورية والسلطة الجديدة ومن هولاء كان حزب البعث الذي كان في حالة خلاف مع عبد الناصر والناصرين، وكان هناك التيار الماركسي وهو الاخر كان يخوض معركة ضد عبد الناصر تضامنا مع عبد الكريم قاسم والماركسيين العرب..!
كانت هذه التباينات من أهم الاسباب التي ساعدت القوي المعادية للثورة من إفراغها وتحويل مسارها الوطني، مع آطالة أمد الصراع الذي أدي بدوره إلي نقل الصراع من مواجهة بين ( الملكيين) والجمهوريين، إلي مواجهة داخل الصف الجمهوري، في ذات الوقت الذي كانت فيه المواجهة مستمرة مع الملكيين، وقد أستأنست أجهزة الغرب الاستخبارية بهذا الصراع في أوساط الجمهورين فعملت علي تغذيته وأستقطاب بعض رموز القوي القبلية الذين كانوا أسميا مع الجمهورية لكنهم فعليا كانوامع مصالحهم الخاصة والقبلية فمثلوا في هذا أسواء النماذج الأنتهازية التي لم يتوقعها ( ميكافيللي) ذاته، وقد وجدت القوي المعادية في هولاء ضالتها فعملت علي تجنيدهم ليقوموا بدورهم التخريبي من داخل الصف الجمهوري..!
يتبع
4 أكتوبر 2023 |