ريمان برس- خاص -
كانت الإرادة الثورية للنخبة الثورية التي خططت وصنعت فجر 26 سبتمبر 1962م والذين لم يذكروا ولم يصدروا مذكرات خاصة يستعرضون فيها بطولات وهمية، أولئك الاحرار المجهولين غالبيتهم ومن برزا منهم وعرفه الوطن والشعب والثورة والجمهورية، رحلوا صامتين إلا من بعض الاحرف التي حملت وصاياهم لابناء وطنهم بأهمية الحفاظ علي الثورة والجمهورية والتمسك بهما وتصحيح مسارهما ومعالجة التحديات التي تواجههما، ولم يدعوا البطولات مع أنهم كانوا أبطالها فعلا لا قولا..!
كان هروب ( الإمام البدر) وأركان أسرته من صنعاء أولي الخيانات القبلية وأولي خطوات الارتزاق المسكون بالولاء للرموز الإمامية، الأمر الاخر بدء الصراع علي السلطة بين ( الشوافع) و ( الزيود) علي قاعدة عقائدية راسخة وثابته في وجدان وذاكرة أخواننا من أتباع ( المذهب الزيدي) الذين يؤمنون إيمانا يقينا بأن السلطة والحكم من حقهم وبالتالي علي الاخرين التسليم بهذا المنطق والإيمان به وعدم معارضته وإلا فدونه الحرب وهذا المنطق ذاته كان سبب تفجر الاحداث الراهنة وسيظل هو مصدر عدم الاستقرار إلا ما يشاء الله..
إذا وإلي جانب كل التحديات التي تفجرت في أوساط الثوار والجمهوريين لدوافع حزبية وأجتماعية كانت السلطة بمثابة التحدي الاكثر خطورة، ولأن مصر وجيشها كانوا الرعاة الداعمين للثورة والجمهورية، فقد وصل الخلاف علي السلطة إلي القوات المصرية والقيادة العليا في مصر وحين كان رد فعل مصر في هذا الجانب تحديدا يحمل في طياته ما يمكن وصفه بموقف يكرس الوحدة الوطنية، وهو موقف لم يقبله رموز ووجهاء صنعاء، وقد جاء ردهم عن طريق عبد الله بن حسين الأحمر حين قال ( لن يحكمنا أبن ساعي البريد) وذهب ليقبل أيادي ( بن سعود) ؟!
والمؤسف أن قبائل الطوق أوغالبيتهم شكلوا معا سدا معيقا أمام أي تحول إجتماعي علي أسس وطنية، ورغم حديثهم عن معاركهم ضد القوي الملكية إلا أن قتالهم لتلك القوي لا يختلف عن ( قتال النظام السابق) لجماعة ( الحوثي)، بل الأخطر من هذا أن ألآف الضحايا من خارج نطاق القبيلة ومن القوات العربية ذهبوا نتاج مؤمرات نسجتها ضدهم قوي قبلية كانت تتظاهر أنها مع الثورة والجمهورية بهدف استئنزاف القدرات البشرية والمادية لقوي الثورة والجمهورية، تماما كما كانت حروب صعده بمثابة حرب استنزاف لكوادر الجيش من أبناء المناطق الواقعة خارج النطاق القبلي..؟!
كان المشير السلال رحمة الله عليه رجل بحجم الوطن وأحلام مواطنيه، لكنه للأسف عجز عن إخماد الانتهازية القبلية، ولم تساعده مرونته وسعة أفقه وأخلاصه لكبح الانتهازية لرموز القبيلة ناهيكم أن الرجل لم يكن طائفيا ولا مذهبيا ولا يؤمن بهما، وحين ثبت علي مواقفه الوطنية والمبدئية تكالبت عليه قوي النفوذ القبلي وأطاحة به، ويؤمها لم تكن هذه القوي في موقف يمكنها التخلص من الرجل كما فعلت لاحقا مع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي عملت علي تصفيته نهارا جهارا دون خشية لأنه ببساطة كان وطنيا وغادر طوق القبيلة فأجتمع رموز القبيلة وقرروا التخلص منه رغم أنه منهم لكنه وطني يريد بناء دولة وهذا غير مسموح باليمن..!
أن جدلية الصراع الذي دشنته القبيلة تزامنا مع بزوغ فجر الثورة لايزل يعنون مسارنا الوطني ويتحكم بكل مناحي حياتنا، ونموذجه الشاهد هو ما نحن فيه اليوم من تداعيات وصراع يجسد حقيقة النزوع القبلي مع الاخذ في الاعتبار تطور وسائل الجدل وأدواته وخطاب رموزه الأكثر شفافية ووضوح من خطاب الرموز السابقة التي كان خطابها يتواري خلف مفردات مغلفة بالشعارات الوطنية ظاهريا فيما تمارس من السلوكيات كيفما تريد وبقدر من الحذر.
يتبع
5 أكتوبر 2023م |