ريمان برس -
يولد الإنسان معجون بكل برأة الكون لا يعلم من أمره شيئا، لايعرف أين سقط راسه، ولا لأي أرض ينتمي، ولا من أي بطن خرج، ولا جينات من من البشر يحمل.. يولد لا يعرف من أبوه، ولا من هي أمه، ولا أي اسم يحمل..
تتوالى الأيام والليالي ويبدأ يتكي على إحساس فطري يستشعر من خلاله عاطفة الأم وحنانها، ثم رويدا رويدا يبدأ يستوعب محيطه ويأتلف عليه، ويصبح ( حضن أمه) هو (الوطن) نظامه ودولته وقانونه يتمحور في (حضن والده)..!
تمر الأيام متواليات ك(جنازير الدبابة) ترسم بشفرات سلاسلها معالم على طريقها، كما يرسم الزمن أحداثه في ذاكرة المولود منذ تبدأ حواسه تستوعب محيطه وما يعتمل فيه..!
يؤغل الزمن في تحريك عجلاته، يغادر المولود مربع اللا وعي، يستوعب مساره.. يخوض معترك الحياة بحماس لا يخلوا من الشغف والشبق المتنامي.. يصل إلى ذروة الوعي، فيجد نفسه أمام تراجيديا حياتية حافلة بالتداعيات الدرامية.. تنتصب الأحلام كأعمدة (قوس قزح) في تجاويف وجدانه وذاكرته، يستوعب المزيد من علاقته بمحيطه والأسرة وبالزمان والمكان، وكلما زادت منظومة القيم المعرفية تزداد الأحلام والأماني حضورا في الوعي والذاكرة..
تدور عجلة الزمن، ومع كل دورة تزداد حالة الاغتراب بين الأحلام والأماني المسكونة في تجاويف الوعي والذاكرة، وبين الواقع المناهض بتداعياته لكل ما يعتمل في ذات الإنسان الذي يولد غريبا وما أن يبدأ في الاستيعاب والتعرف على ذاته، حتى تبدأ مرحلة اغتراب جديدة تخيم على فضاءات الروح..!
تبدأ مرحلة التوحش حين تصطدم الأحلام بمثاليتها على جدران الزمن الملبد بسحب القهر والغدر ومرارة المسار..!
مرحلة حياتية تنمو فيها ازهار الحنين لحضن (الأم) ولدولة (الأب) ونظامه، حين يدرك أن (الوطن) الهوية والجغرافية أغلق أمامه نوافذ الانتماء، وان سلطة القانون والنظام ليس لها وجود إلا في ( كنف والده)..!
نعم هناك وطن ولكنه غريب عنه وهناك دولة تطبق نظامها عليه وتنتزع منه ومن غيره كل ما يتوجب عليهم لكنها لا تنظر لحقوقهم ولا تعترف بها لأنها ( حصريا مملوكة لقلة من النافذين) الذين امتلكوا الوطن والدولة والسلطة والنفوذ، قلة تتداول النفوذ فيما بينها سلما أو حربا بالغدر والحيلة ، بالمال والسلاح، أو بالتراضي الناجم عن ضعف يجبر من كان نافذ بالتراجع والتسليم للأقوي، ثم يتفرغ لامتلاك عوامل القوة، متحين الفرصة للإنقضاض على من جرده من زعامته وهكذا دواليك يختزل الوطن والدولة والسلطة بين أصحاب القوة والنفوذ وكأن الوطن هذا مجرد (كرة) يتقاذفها اللاعبون داخل ملعب اسمه (الوطن) فيما الشعب ليس أكثر من جمهور على المدرجات مهمته التصفيق لمن يكسب اللعبة ..؟!
5 يوليو 2024م |