ريمان برس -
أثناء تنقلي في أحد شوارع العاصمة لفت نظري لوحة بارزة كتب عليها عبارة ( الحرب الناعمة الخطر الذي يهدد قيمنا الإيمانية) أو هكذا تعني العبارة التي اخذت مساحة من تفكيري من لحظة قرأتها حتى كتابة هذه السطور، إذ قضيت ساعات طوال أفكر بجد في الأخطار التي تهدد قيمنا ومعتقداتنا ووحدتنا وصلابة جبهتنا الداخلية.. وقد وجدت أن هناك ما هو أخطر من (الحرب الناعمة) المهدد لقيمنا الإيمانية فالفقر والجوع والقهر والتهميش والإقصاء، ظواهر تهدد قيمنا الإيمانية، الفساد والمحسوبية والمجاملات والنفاق ظواهر تهدد قيمنا الإيمانية، غياب العدالة ودولة المواطنة المتساوية من الظواهر المهددة لقيمنا الإيمانية، تفشي الفوضى الحياتية وطغيان القيم المادية في المجتمع من أخطر الظواهر المهدد لقيمنا الإيمانية في وطن كل شيء فيه خاضع لقانون العرض والطلب، بلد كل شيء فيه خاضع للقيم المادية، وكل شيء فيه بثمن، بلد شعاره الذي (ممعوش ما يلزموش) من ( شهادة الميلاد إلى شهادة الوفاة) يدفع المواطن القيمة، وكما يدفع ثمن الوجبة وشربة الماء يدفع أيضا ثمن مخلفاتهما..؟!
أن ما يهدد قيمنا الإيمانية مصدره الداخل بكل ما يعتمل فيه من ظواهر حياتية خاضعة للمادة، لقد ناضل أبائنا من أجل الثورة والتغير، وما حدث هو أن ابائنا ونحن بعدهم دفعنا ثمن رغبتنا بالثورة والتغير..؟!
وقبل أن نشهد تداعيات اللحظة التاريخية، كنا قد دفعنا ثمن حبنا للوطن، وثمن إنتمائنا للشعب، وثمن حلمنا بالحرية للوطن من الهيمنة والاستعمار، وحرية المواطن من الاستغلال، كما دفعنا ثمن حلمنا بالعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، ودفعنا ثمن حلمنا بالوحدة الوطنية ووحدة الأمة..؟!
أن الخطر لا يأتي من الخارج، بل أكثر الأخطار خطرا ما تسببه تصرفات النافذين في الداخل، أولئك الذين يقدسون السلطة ويعتبرونها (مغنما) لا (مغرما)، كما يعتبرون الوصول إلى السلطة وسيلة لتصفية حسابات مع خصوم كانوا قبلهم مسيطرين عليها، وعلى مدى ستة عقود ظل الوطن مسرحا للمتصارعين على السلطة والوطن والشعب يدفعان ثمن صراعهم الدامي والمدمر للقدرات الوطنية المكتسبة، كما دفع الوطنيين الثمن الأكبر، ثمن حبهم لوطنهم وشعبهم، وثمن ولائهم لهما ورغبتهم في تقدمهما واستقرارهما وسلامة نسيجهما الجغرافي والاجتماعي ووحدة هويتهما والمصير..!
لقد حاكم ( الخونة) الوطنيين بتهمة (الخيانة) وحاكم ( الفاسدين) الشرفاء بتهمة (الفساد)، وحاكم (الجهلاء) المتعلمين بتهمة إنهم متعلمين وأن التعليم سيدمر قيم وأخلاقيات المجتمع..؟!
لهذا اقول ان الله سبحانه وتعالى لم يطلب من عباده طاعته واتباع رسله والالتزام بما انزله على الرسل إلا بعد أن وفر لعباده الطعام والامن ولهذا قال سبحانه وتعالى ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وأمنهم من خوف) صدق الله العظيم..
إذا لا ( إيمان) إلا بعد ( التحرر من الجوع) ، ولا ( إيمان) إلا بعد تأمين الناس من الخوف..!
إذا حين لا يجد المر قوت يومه، وحين يعجز عن علاج مريضه، وحين يصبح مطاردا من المؤجر، وأولاده وبناته مطرودين من المدارس، وعاجزا عن مواجهات متطلبات الحياة في وطن كل شيء فيه بمقابل مادي، وطن يعيش فيه مواطن مطارد بالخوف، الخوف من كل شيء، الخوف من الحياة، والخوف من ألموت على حد سواء، حين يصبح الأمر بهذه الصورة القاتمة والماساوية، أليس في هذا خطرا يتجاوز خطر (الحرب الناعمة) أن الحرب الناعمة في الداخل هي أخطر من الحرب الناعمة القادمة من الخارج..؟!
أن الحرب أيا كانت والقادمة من الخارج يمكن مقاومتها والتصدي لها والانتصار فيها وعليها، في حالة يكون فيها المواطن في الداخل أمنا من الجوع وامنا من الخوف ويعيش حياة حتى وان كانت شبه أمنة، فإن مواجهة الخطر القادم من الخارج تصبح ممكنة، لكن من الصعب مواجهة اخطار الخارج، ان كانت اخطار الداخل أكثر قساوة على حياة ووجود الناس..؟!
نعم أعزائي أن فاقد الشيء لا يعطيه، والذي يعيش يصارع الجوع ويطوقه الخوف من كل مناحي حياته، ويقضي نهاره وليله ( يتسول) مقومات الحياة، عاجزا عن إطعام ذويه من الجوع أو تأمينهم من الخوف في وطن تتقاسم خيراته ترويكا النفوذ والفساد وطوابير (العملاء والخونة) ونخاسي الأوطان وسماسرة السياسية، وطن لا كرامة فيه لمواطنيه، ولا حقوق ولا عدالة حتى في معنى المواطنة..؟!
قد يكون طرحي غريب وربما غير مسبوق، لكني وبكل صدق اعبر عن مشاعر صادقة، وانا الذي قضيت قرابة نصف قرن ولا ازل عاشقا لوطني بأرضه وانسانه ولأمتي مخلصا لديني ومتمسكا بقيمي الإسلامية وبسنة نبي المصطفى سيدنا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، وخلال مسيرتي الحياتية أعطيت وطني وامتي كل ما استطعت عليه، لم احلم بالمجد والثراء ولم افكر فيهما وكنت اقدر أن أحقق لحياتي على الأقل ما يعينني على العيش في نمط حياتي كريم، لكني لم افكر يوما بأني قد اصل إلى ما وصلت إليه اليوم من بؤس وشقاء ونكد وخوف، خوف من كل شيء، من اليوم حتى يكتمل، ومن الغد الذي لم يأتي، ومن مرض قد يداهم أيا من افراد اسرتي، فيما مرضى لم يعد يحضي بأهمية عندي حيث وصلت لقناعة أن (الداء) أرحم من طلب (الدواء)..؟!
إذا كنت انا وهذه حالتي وانا الكاتب الصحفي والحاضر إلى حد ماء على المشهد واقول ما أقول، فكيف الحال بالملايين من العامة من أبناء الشعب..؟!
يتبع
صنعاء في 21 ينائر 2025م |