ريمان برس - خاص -
ما يجري في أوكرانيا ويمتد إلى خارطة الوطن العربي التي تشهد صراعات أهلية دامية وعدوان وحشي وإبادة جماعية يقوم بها الكيان الصهيوني بحق الشعب العربي في فلسطين، أحداث وجرائم وصراعات تندرج في سياق صراع جيوسياسي قطبي أطرافه كل من روسيا والصين ودول البريكس من ناحية، وأمريكا وبريطانيا وحلفائهما من ناحية أخرى..!
حروب متوحشة وأحداث دامية وصراعات تشمل مختلف الجوانب الحياتية والحضارية للشعوب، عسكرية هي واقتصادية وأمنية واستخبارية وثقافية وفكربة وسياسية وإعلامية، وجميعها تندرج في سياق معركة جيوسياسية تعبر عن بداية ( أفول أقطاب) وميلاد أخرى، وصعود قوي دولية جديدة وتراجع أخرى، ويمكن وصف ما يجري بأنه يعبر عن حالة مخاض لميلاد عالم متعدد الأقطاب رسمت كل من روسيا والصين مساره في مواجهة كل من أمريكا وبريطانيا والعالم الغربي، والمؤسف إنه وكما كان الوطن العربي مسرحا وضحية لإتفاقية (سايكس _بيكو) في حرب العالم الأولى، كان أيضا ضحية الأطراف المنتصرة في حرب العالم الثانية التي جعل المنتصرون فيها الوطن العربي بمثابة (كعكة) تناولوها مع (شائي الساعة خمسة الأنجليزي) خلال استراحتهم في غابات (يالطا) دون أن يبخلوا ب( قطم قطعة) من ( الكعكة) وتقديمها (للصهاينة) المغلوبين على أمرهم ليسدو بها رمقهم في (وطن) يعوضهم عما لحقهم من جوع وقهر وعطش على يد ( النازيين الألمان)..؟
اليوم يدفع الوطن العربي وتدفع فلسطين فاتورة إستبدال المواقع والمواقف القطبية، وعلى جغرافيته ودماء أبنائه تتشكل اطياف العالم الجديد وكأن قدر هذا الوطن العربي وقدر فلسطين وأبنائها أن يدفعوا دوما ثمن المتغيرات الجيوسياسية القطبية من دمائهم وأرواحهم.. نعم ندرك جيدا أن أي محور قطبي لايمكنه أن يكون بدون الجغرافية العربية التي من يسيطر عليه يحكم العالم ومن يخسره يخسر نفوذه ومكانته الدولية ولهذا الهدف كانت (سايكس _بيكو) وكان زرع (الكيان الصهيوني) في قلب هذا الوطن..؟!
اليوم فلسطين واليمن وسوريا ولبنان والسودان وليبيا والعراق يدفعون ثمن التحول الجيوسياسي وثمن ميلاد النظام الدولي الجديد _المتعدد الأقطاب _الذي تتطلع إليه وتحلم به كل من (روسيا الاتحادية) و (جمهورية الصين الشعبية) ومعهما عددا من الاقتصاديات الناشئة المنظوية في إطار دول (البريكس)، لكن السؤال أين تقف (روسيا والصين) من حرب الإبادة الصهيونية في فلسطين وحرب الغطرسة الإمبريالية الأمريكية البريطانية المساندة والداعمة للصهاينة ونيابة عنهم تحارب أمريكا وبريطانيا في اليمن وتشنان عدوانهما على بقية أقطار الأمة وتشجعان المؤامرات والصراعات البينية داخل المجتمعات العربية ..؟!
أمريكا وكيانها اللقيط يخوضان ( معركة الربع الساعة الأخيرة) رفضا للتراجع والانكسار والنزول من عرش الهيمنة لصالح أطراف أخرى صاعدة، ولهذا نرى أمريكا وحلفائها يستميتون دفاعا عن مصالحهم الجيوسياسية فيما نرى موسكو _بكين متشوقين ومترقبين الهزيمة الكبرى لأمريكا على أيدي الأخرين وأن كان هؤلاء الأخرين لحم ودماء أبناء فلسطين والوطن العربي..؟!
موسكو _بكين، يتعاملان مع درامية المشهد ب(إنتهازية) وفيما تتخندق موسكو في مواجهة الناتو في أوكرانيا، تتعامل بكين بضبابية مكتفية بالقيام بدور (المحسن) و(الحكيم) الذي يكتفي بتقديم النصائح دون أن تتقدم خطوة إيجابية تعبر عن حقيقة ما تطمح إليه، بل هي تريد أن تقطف (ثمرة جاهزة يانعة) دون أن تكلف نفسها رأي الشجرة التي تحمل الثمرة وأن ( بسطل من المياه) لكنها مستعدة لقطف الثمار وأن كانت مروية بدماء الأخرين..؟!
أن حرب إبادة الشعب العربي في فلسطين، وكل الحروب والصراعات التي تشهدها المنطقة هي عبارة عن حروب أمريكا وبريطانيا من جهة، وحرب روسيا والصين ومنظومة البريكس من جهة أخرى وفيما أمريكا تخوض حربها مع حلفائها بصورة مباشرة، تكتفي روسيا والصين بمن يحارب عنهما من أبناء فلسطين والمنطقة..؟!
أن كل هذه الحروب التي تشهدها الخارطة العربية أشعلتها واشنطن ولندن والصهاينة ومن يقف خلفهم والهدف قطع الطريق أمام روسيا والصين والحيلولة دون ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب الذي لا تريده واشنطن، هذا من ناحية، من الأخرى هناك ثمة حقيقة قد تكون غائبة عن البعض وهي أن تراجع واشنطن عن زعامة العالم والهيمنة عليه وبكل الطرق ومنها الحرب، يعني تراجعها وانكسارها، وهذا معناه نهاية الكيان الصهيوني المرتبط وجوده بديمومة هيمنة واشنطن ولندن والغرب..؟!
أن ميلاد عالم متعدد الأقطاب، تعني إعادة الاعتبار للقانون الدولي وهذا يعني إجبار الكيان على احترام هذا القانون وهذا ما لا ترغب به أمريكا ولا الكيان الصهيوني الذي يحاول فرض امر واقع على الخارطة العربية قبل أن تخفت أصوات مدافع الحرب الروسية _الأوكرانية..!
فالاستراتيجية الروسية التي أنتزعت فتيل الأزمة بين موسكو _واشنطن، بالتخلي عن سوريا لصالح أمريكا ووكلائها في الوطن العربي مقابل الحفاظ على حليفها الإيراني يمكن اعتبارها _خطوة تكتيكية _في سياق مناورة جيوسياسية تهدف إلى فرض موسكو خياراتها في أوكرانيا، وهذا يعطيها حينها القدرة على إعادة ترتيب خارطة المنطقة والعالم الي جانب (الصين) ودول البريكس، وربما جاءت صرعة التعرفة الجمركية التي ابتدعها (ترمب) لصالح موسكو وبكين غير أن لا بكين ولا موسكو اقدمتا على خطوة إيجابية خاصة تجاه القضية الفلسطينية وتلك خطيئة جيوسياسية ارتكبتها العاصمتين اللتان تحاولان اعتماد دبلوماسية استئنزاف الخصم ودفعه لنقطة تهور إنتحارية تجعله يسقط ذاتيا وكأنهما يستعيدان طريقة المرحوم (محمد علي كلاي) في حلبة الملاكمة حيث كان يجعل خصمه يدور ويجهد نفسه قبل أن يوجه له اللكمة القاضية بعد أن يستنزف خصمه كل قدراته،لكن ما يحدث في فلسطين اخلاقيا يفرض على كل من موسكو وبكين أن يكون لهما موقفا حازما وحاسما وأكثر وضوحا وشفافية وخاصة من قبل (بكين) التي تصنف أمريكيا كعدو لدود وبالتالي فأن ضبابية مواقفها لن تشفع لها تاريخيا، خاصة في ظل صمت عربي رسمي وشعبي خوفا من غضب أمريكا التي هي اليوم أشبه بالأسد الجريح ..! |