ريمان برس - متابعات - في أول جنازة من نوعها على مستوى الوطن العربي ، شيع المثقفون والشعراء والفنانون اليمنيون، المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية ، إلى أكبر مقبرة يمنية"خزيمة" وسط صنعاء. جنازة غريبة، لاجثمان، لا أكفان ،لادموع! فمن هنا ومن جوار ضريح شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني ، أعلنوا وفاة المؤسسات الثقافية وحفروا لها قبراً ، مطلقين صيحة مدوية سمعها الموتى وعجز عن سماعها الاحياء. فمنذ الصباح الباكر بدأت" مقبرة خزيمة" في استقبال العشرات من الشعراء والأدباء والفنانيين من الجنسين. دخلوا المقبرة بصمت . البعض التزم بلبس الأسود، فيما اكتفى الآخرون بتعزية بعضهم البعض "عظم الله لكم الأجر"! وعلى صوت القرآن الكريم بدأت مراسم التشييع ، لجنازة غريبة تعب زوَار المقبرة العاديين في انتظار ظهورها ، وعندما يأسوا غادروا ومعهم حيرتهم ، ولكن بعد أن قدموا واجب العزاء.
وكالة أنباء الشعر حضرت مراسم الدفن وسجلت وصايا الشعراء والشاعرات بكل أمانة ومصداقية(صوتاً وصوره) وهاكم التفاصيل.
الفنانة آمنة النصيري: اهدي أعمالي المشاركة إلى كل الضمائر الميته !
الشعراء ينتشرون في المقبرة
أما الفنانة التشكيلية الدكتورة آمنة النصيري: فترى أن مثل، هذه الفعاليات يُطلق عليها في الغرب الإتجاه الحدوثي في الثقافة، بمعنى العمل المُمسرح، وهي تعد شكل من أشكال الإعتراضات على طبيعة التعامل مع المنظومة الثقافية. وأوضحت بأن هناك سخط كبير وعدم رضا من قبل الشباب على موت المؤسسات الثقافية سواءً الرسمية أو الخاصة . وقالت بأن مشاركتها في هذا المعرض جاء كإهداء إلى كل أرواح المبدعين التي تم التواطؤ على اهمالها. وأضافت ( لهذا أهدي عملي هذا إلى مجموعة كبيرة من الراحلين ، وأهديه في نفس الوقت إلى كل الضمائر الميته من المسؤولين وتجار السلاح ورجال التهريب. ومشاركتي اليوم تأتي من خلال مجموعة من اللوحات الاعتراضية والغاضبة والساخطة. فعندما تُعرض في منطقة الأموات ، كأنك تريد أن تقول ربما تجد إصغاء من الأموات اليك، أكثر من الأحياء).
يحيى الحمادي: نتعرض للتهميش والإقصاء!
الوقوف على الأطلال
ويعتبر الشاعر يحيى الحمادي، لجؤ المثقفون إلى مقبرة خزيمة، تعبير عن انعدام الحيلة والوسيلة لديهم. بفعل التهميش والإقصاء الذي تمارسه الجهات الثقافية بحقهم . ويقول( هذا أوصلنا إلى درجة أننا لجأنا إلى الموتى لإيصال صوتنا اليهم، بعد أن لم يسمعنا الأحياء).
الشاعر زين العابدين: على القائمين على الثقافة اعادة حساباتهم مالم..!
ابتسم..الصورة تطلع حلوة
بدوره يعلق الشاعر زين العابدين الضبيبي، على هذا الحدث بقوله: بصراحة، نحن قد تجاوزنا مرحلة الإحباط إلى مرحلة اليأس، وأصبحنا نعيش حالة من الخيبة ومن التشظي الإنساني داخل هذا الوطن. فالقائمين على الثقافة في بلادنا وادارة البلاد بشكل عام، لم تعد أرواحهم تتكئ على الثقافة، وإنما للعنف والسياسة ولخصومات السياسيين. ففي الوقت الذي تتفرغ فيه الصحف لكتابات السياسيين ومسعري الحروب وصناع الازمات ، نرى هذه الصحف تُغلق ابوابها في وجه الأدباء والمثقفين الذين يهذبون النفوس. فإلى متى سيظل هذا الوضع؟ ! فاتحاد الأدباء والكتاب مقفل، وبعض المؤسسات الثقافية أغلقت وبعض المنتديات الثقافية تحولت إلى كائنات وهمية ولم يعد لها أي وجود حقيقي، ووزارة الثقافة غائبة تماماً. فهل هذا هو الربيع العربي؟! على المعنيين في البلاد والقائمين على الشأن الثقافي أن يعيدوا حساباتهم، مالم فسوف تكون هناك طرق أخرى للتعبير بها عن واقعنا، نكشفها في وقتها المناسب.
الدكتورة ابتسام المتوكل: المؤسسات الرسمية أدخلت الثقافة في "ثلاجة الموتى"!
حتى زرتم المقابر
وعن هذا الحدث والتظاهرة ، تقول الشاعرة الدكتورة ابتسام المتوكل( لا تُذكر مقبرة خزيمة إلا ويذكر معها الموت، فهي في المخيل الشعبي العام لليمنيين، دلالة على مكان الموت. فعندما تذهب إلى أي مقبرة فهي( خزيمة) يعني تذهب إلى الموت). وتضيف( اليوم نحن ننبش ضريح الثقافة اليمنية التي أُصيبت بأكثر من مرض، من جلطات وذبحات وسكتات قلبية واغتيالات . لذا فالثقافة تعرضت لكل أنواع الموت وتراجعت كثيراً، فقد أصبح المشهد اليمني حافلاً بالقتل والإغتيالات. فلا تسمع عن اليمن إلا السؤ. فنادراً ما يظهر عن البلاد وجه ثقافي حي يفوز بجائزة هنا أو هناك، بجهود فردية ليس إلا، غير ذلك فالمؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، هي من تكفلت بشراء الكفن لهذا المشهد الثقافي وهي من تكفلت بإخفاء موته واغتياله ووضعه في ثلاجة الموتى. وفعاليتنا اليوم تُخرج هذا المشهد من ثلاجة الموتى وتعلن وفاته على الملأ. لذا نقول من على هذه المقبرة، بأن الشاعر البردوني العظيم وكل الموتى هنا، هم الأحياء الحقيقيون، وما نحن إلا موتى مؤجلين)!
الناقد علوان الجيلاني: الموتى هم أفضل منا حالاً!
حضور الكاريكاتير
ويرى الشاعر والناقد علوان الجيلاني امين الحقوق والحريات باتحاد الأدباء والكتاب، بأن مقبرة خزيمة، هي اليوم رمز لحالة الموت التي تعيشها الثقافة والابداع في البلاد. ويقول (لم يعد هناك شيئ حي لدينا كمثقفين وشعراء، والموتى هم أفضل حال منا ، ليس هناك اهتمام بالثقافة ولا بالإبداع على الاطلاق. لاطباعة كتب ، لامجلات ،لا صحف ثقافية، لافعاليات ولامهرجانات، كل شيئ يموت، والمثقف يُهمل ويمرض ويموت ولا يعالج ولا أحد يلتفت اليه. نحن نعاني الأمرين، سؤ الحال وسؤ الإهمال! لذلك أتينا اليوم إلى هنا لنرفض هذا الواقع المتردي.
عبد الرحمن مراد: ما يحدث في البلاد لايسرنا!
الفنان الغبسي ..محتار ليه!
وقال الشاعر عبد الرحمن مراد: هذه رسالة من الموتى إلى الأحياء ، ولكنها حركة تعبيريه دالة على أن ما يحدث في البلاد، لايسرنا كمثقفين وشعراء ونحن من خلال هذه الخطوة ، نهدف إلى القول، بأن المثقف الذي أستطاع السياسي أن يوصله إلى المقبرة، هو قادر على أن يستعيد ذاته، حتى ولو كان بالمقبرة . فالذي يحدث اليوم على المستوى السياسي والاجتماعي ، هو اقصاء متعمد من قبل السياسي للمثقف ولدوره في تفاعلات الحياة وتفاعلات السياسة التي تُدمر بهذا البد أكثر مما تبني.
سهير السمان: اليوم نعلن موت المؤسسات الثقافية
صورة للذكرى
وحول الرسالة المرجوة من هذه الخطوة تقول الأديبة سهير السمان:رسالتنا اليوم، هي اعلان موت المؤسسات الثقافية، وعدم تفعيل دور المثقف وتعرضهم المتعمد للتهميش والإقصاء. فلايوجد أي صدى أو حراك للمثقف اليمني على الساحة المحلية والعربية، سوى جهود ومبادرات ذاتية فقط.
سبأ عباد: حضورنا بالمقبرة ليشعر بنا الأموات بعد فقدان الأمل بالأحياء
لوحات فنية ساخطة
وتؤكد الشاعرة سبأ عباد، بدورها على أن الوضع محبط جداً. لكنها تشدد بالقول" رغم احباط الواقع، إلا أننا سوف نناضل ونستمر في التحدي والعطاء والابداع" وتضيف ، من هذه المقبرة نقول" نؤكد للجميع بأننا مازلنا هنا أحياء ، نقيم فعاليتنا ليسمعنا ويشعر بنا الأموات، بعد ان فقدنا الأمل في الأحياء، خارج المقبرة، الذين يعدون هم الأموات الحقيقيون".
الشاعرة خالده النسيري: فكرة "مجنونه" أنتظرناها من زمان!
رياحين الطيب..حضرت أيضاً
الشاعرة المتميزة خالده النسيري، وصفت هذه الخطوة بـ" الفكرة المجنونة" التي طالما انتظرتها طويلاً! وتضيف" فكرة المقابر وزيارتها والقراءة للموتى، تجد انصات وقبول من الموتى أكثر من الأحياء. لذا اليوم نوجه أصواتنا إلى الأموات . المبدع اليمني مظلوم ومهضوم.
وجه المقابر أخضر والريح تعتصره التراب
فيغادرون صوامعي وانا وقنديلي بأرض الغيب نفترش الطريق
وكالة انباء الشعر |