ريمان برس - متابعات - يبدو وكأنه لوحة فنية باذخة التفاصيل أبدعتها مخيلة فنان ماهر ظل لسنوات طوال يحيك فيها إبداعاته، قبل أن تتركها أنامله مقطوعة فنية معمارية، تاركا المجال أمام البنائين ليتفننوا في تشييده حجرا حجرا، حتى أضحى شخصية معمارية تختزل الصفات والسمات النادرة للعمارة اليمنية وتزاوج بين مختلف رموز التاريخ اليمني القديم.
في ميدان السبعين العريق بذكرياته التاريخية الثورية ينتصب جامع الصالح شامخا في إطلالة بهيّة كأكبر صرح إسلامي ومعماري عرفه تاريخ اليمن المعاصر، وكتحفة معمارية وهندسية فريدة، وواحد من أكبر الصروح الدينية والعلمية المهمة على مستوى العالمين العربي والإسلامي.
هذا الصرح الباذخ في هيئته ومكوناته لا يمكن أن تتحاشاه أو تخطئه العين، كمنشأة معمارية وحضارية جمع بين وظيفته الدينية وشكله الجمالي بدقة متناهية، فهو من ناحيةٍ مكانٌ متميز لأداء الصلوات والشعائر الدينية، ومن ناحية أخرى إنجاز معماري وهندسي وفني فريد، يختزل فنون العمارة العربية والإسلامية، ويعيد صياغتها وفقا لأسس وقيم فنية وجمالية معاصرة.
وقد تعدى جامع الصالح وظيفته كدار للعبادة ليحتل حيزا هاما في البعد السياحي، إذ غدى محطّ أنظار السياح العرب والمسلمين، ومُدرَج على قائمة المعالم السياحية التي يروج لها على نطاق واسع، كما أنه إحدى محطات الوفود العربية والإسلامية الزائرة لليمن، لأداء الصلوات والتمتع بمزاياه الفنية والهندسية المدهشة.
وتدرس وزارة السياحة اليمنية حاليا إمكانية إيجاد مسارات خاصة داخل الجامع، تتيح للزوار من غير المسلمين فرصة زيارة هذا المعلم المعماري والهندسي الفريد.
يشغل جامع الصالح الذي استغرق بناؤه ثمانية أعوام وتجاوزت تكلفته المائة مليون دولار، مساحة قدرها 224 ألف و821 مترا مربعا ويتسع لنحو 20 ألف مصلٍّ في الداخل والخارج، ويستوعب موقف السيارات الخاص به 1900 سيارة، إلى جانب مساحات واسعة من الحدائق والممرات والأحزمة الخضراء.
وللجامع الذي جاء اسمه نسبة إلى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وتم افتتاحه رسميا يوم الجمعة 23 من ذي القعدة 1429 هـ، الموافق 21 من نوفمبر 2008م، ست مناراتٍ فريدة ذات تصميمٍ خاصٍ، ارتفاع أربعٍ منها يبلغ 106 أمتار مع الهلال وأثنتان بطول 80 مترا وهي بذلك تعتبر من أرفع المنارات في منطقة الشرق الأوسط ، التي استخدمت فيها أساسات خاصة تصل إلى عمق 35 متراً، وبقطر 70 سنتيمتراً لكل مئذنة، ما سيساعد في تقوية المبنى على مقاومة الزلازل.
وتعد هذه المآذن استخلاصا هندسيا وفنيا راقيا لتاريخ القباب في عمارة المسجد باعتبارها أحد الرموز المهمة في تاريخ فن العمارة والتي شهدت منذ عهد الدولة الأموية وما زالت تطورا مستمرا على المستويين الفني والهندسي.
ويحتوي الجامع على 23 قبة مختلفة الأحجام والارتفاعات، موزعة على مختلف الزوايا، وتبلغ مساحة قاعة الصلاة الرئيسية في الجامع 12883 مترا مربعا وتتسع لنحو 20 ألف مصلٍّ ويكسو أرضيتها الرخامية سجاد باللون الأزرق مصنوع من الصوف النيوزيلندي عالي الجودة، جرى تصنيعه في تركيا بمواصفات خاصة بالجامع.
أما سقف هذا الجامع الذي يتراوح ارتفاعه بين 21 و24 مترا، فيعد لوحة فنية بديعة قوامها خشب السنديان الأحمر المنقوش والمزخرف بالأشكال الهندسية المستوحاة من سقف الجامع الكبير بصنعاء (أقدم المساجد اليمنية)، وتتألف هذه الأسقف الخشبية من عدة طبقات متدرجة إلى أعلى، وتم تجليد الجسور الفاصلة بينها بوحدات طويلة من نفس الخشب، روعي في تصنيعها وتركيبها الدقة العالية واستخدام أحدث المعدات وبإشراف أمهر الحرفيين والصناع.
وتتوسط سقف الجامع نماذج بديعة ونادرة من التيجان والأقواس المجصصة، والثريات المتدلية من السقف والقباب بأحجامها وأشكالها المختلفة صُنعت من الكريستال الخالص والنحاس المطعَّم بالبلاتينيوم للحفاظ على رونقه ولمعانه، بحيث توحي هذه الثريات بأشكالها وتصاميمها بنوع من التوافق والانسجام مع النقوش والزخارف الخشبية ذات الطابع الإسلامي، وتزن أكبر نجفة بالجامع وتتدلى من القبة الكبرى 4.5 طن وتحتوي على 81 فانوسا، حفر على كل منها بفراغ فضائي ساحر اسم من أسماء الله الحسنى، ضمن الحيز الدائري المحيط بكل فانوس.
كما يحتوي جامع الصالح ضمن جنباته 15 بابا، خمسة منها شرقية، وخمسة جنوبية، بارتفاع 5.6 متر وعرض 2.4 متر، وهي مصنوعة من خشب التيك على هيئة مصراعين لكل باب، تحوي نقوشا وزخارف خشبية مطعمة بالقطع النحاسية، ويعلو كل باب نقش حجري بخط الثلُث لآيات من القرآن الكريم، فيما يبلغ عدد النوافذ 24 نافذة بنفس ارتفاع الأبواب، عليها زخارف إسلامية وغُطيت النوافذ بزجاج واقٍ لضمان أمن وسلامة المصلين.
ويضم الجامع مرافق أخرى أضفت عليه أبعادا علمية وتعليمية، لا تقل أهمية عنه، أهمها كلية الصالح لعلوم القرآن وتتكون من ثلاث طبقات بمساحة 7.8 ألف متر مربع، ومصلى النساء بمساحة 1288 مترا مربعا، وصالة تشريفات، ومكتبة تزخر بكنوز المعرفة وأمهات الكتب والمخطوطات الأثرية والتاريخية النادرة في مختلف المجالات العلمية والمعرفية.
الجديدة |