الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
الجمعة, 18-أغسطس-2017
ريمان برس - خاص -

( إهداء إلى الأستاذ الدكتور / حمود العودي _ مع كل محبتي )

... إتساقا مع ما سلف من القول  في ( حلقة الأمس ) أواصل القول هناء .. أن بعض النظريات الاجتماعية أكدت على وجود هذا التأثير،_ البئية والتضاريس والمكان والثقافة المكتسبة _ حيث انتبه علماء الاجتماع منذ فترة مبكرة إلى أن سكان البادية والمناطق الجبلية يتأثرون بقسوة الطبيعة وخشونة الطعام الذي يأكلون والمركب الذي يركبون مما يكسبهم قسوة في الطباع وخشونة وجلدا وشدة لا يتصف به سكان الحضر الذين يميلون – غالبا - إلى النعومة والدعة والرقة واللين.. تبعا لتأثير المكان والمسكن والمأكل والمركب وهذا ما يسمى بالتأثير البيئي، وهو أمر ملحوظ ومشاهد؛ فبالتأكيد نرى سهولة طبع أهل السهول وصعوبة وحرارة طبع أهل الجبال ، فالإنسان يتأثر بما حوله وهو بطبعه يكتسب – من حيث يدري أو لا يدري – من الأجواء المحيطة به.
من كل هذا نستنتج أن مسؤولية الإنسان عن أفعاله وتصرفاته في الشرع الحنيف لم تأتي  من فراغ فهو لا محالة لديه كامل الحرية في اختيار بيئته ومكانه وأصحابه،  ومن ثم فمن المنطقي أيضا أن يتحمل عواقب ما ينتج عن ذلك من تأثيرات ونتائج، ومنه أيضا نتوصل إلى أن الإنسان عليه أن يختار البيئة الصالحة والرفاق المستقيمين حتى يضمن لنفسه الاستقرار على طريق الهداية وحتى يأخذوا بيده كل ما ضعف ويقووا عزيمته كل ما هانت؛ ونلاحظ أن التعبير القرآني عن الخير والشر غالبا ما يستخدم عبارات: (الطريق)، والسبيل)، و(النجدين) وكلها من مفردات المكان ربما للفت الانتباه إلى ضرورة تهيئة جميع الظروف المناسبة للهداية والتنويه على أن منهج الحق شبكة متكاملة لا يمكن أن يستقيم فيها الفرد أو يصلح دون صلاح بيئته ككل ..

* اليمن بين : إشكالية المكان وعقدة الحاكمية ..

بعد ملحمة كربلاء لم يجد  (يحي ابن الحسين الرسي) ملاذا يأويه واتباعه إلا اليمن فغادر دياره ليقدم إلى مدينة ( صعده ) ولأن اليمنيين قبائل فقد بايعوا الرجل واتخذوا منه رمزا دينيا وسياسيا وهكذا أصبح الوافد من جبال الرس بنجد إماما ومعلما ومرشدا ومرجعية لقبائل همدان في البداية ، ثم توسع وامتد نفوذه ليكرس قيم ومفاهيم نعيشها حتى اللحظة ، ويمكن عمل مقارنة بين اثنين من ضحايا الصراعات السياسية والسلطة والحكم وهما ( الإمام يحي الهادي )  في (اليمن) و (عبد الرحمن الداخل )  في ( الأندلس )، فالأول لم يقيم دولة ولم يسعى لتكريس قيم الدولة والمواطنة ، بل ذهب يكرس نفوذه الديني ويكرس قيم رأى إنها القيم التي يجب ان تسود ويلتزم بها جموع المسلمين .. فيما الثاني أسس أعظم دولة في الأندلس ، نعم سقطت بعد سبعمائة وخمسون عاما هي عمرها قبل ان تتحالف أوروباء المسيحية  لإسقاطها وإحراق المسلمين في محارق جماعية ، وماكان هذا ليحدث لدولة عبد الرحمن الداخل لو كان الخلفاء العباسيون في دمشق وبغداد اصطفوا لجانبها ولم يتأمروا عليها ويحرضوا على إزالتها بعد كل هذه السنوات وبعد حياة الاستقرار والتقدم الذي شمل مختلف الجوانب الحضارية والتطور المذهل الذي اقلق أوروباء ( المسيحية ) ، وأقلق (خلفاء بني العباس) ايضا فقرروا معا التحالف لإسقاط الأندلس وإزالة أمجادها ..تلكم نموذجين لسيرة رجلين الاول طار شرقا والثاني غربا فأبدع الثاني وأخفق الأول في إرساء مداميك لدولة قابلة للحياة والديمومة ولا لمجتمع قابل للتعايش والنمو بين مكوناته المتعددة القيم والقناعات والتضاريس والعادات والتقاليد ..

      * القيم المتوارثة ودورها في إجترار مسببات الصراع المجتمعي .

قبل أن نبدأ بتشخيص الحاضر الوطني والإجتماعي ، علينا أولا إستعراض وأن عابر لدور الفرد في المجتمع إتساقا مما هو ماثل أمامنا من سلوكيات وأدوار كارزمية لم تتمكن من مغادرة القيم المكتسبة والتراث التقليدي المتوارث ، إذا لا يزل الماضي يشكل تداعيات الحاضر ويتطلع نحو المستقبل ، دون إعتبار لقوانين التحولات والمتغيرات الإجتماعية والحضارية ، ناهيكم عن بعض الكارزميات الفاعلة تسعى لإسقاط تراثها وفهمها المكتسب والمتوارث على الحاضر والمستقبل ، عبر إستحظار كل نوازع الماضي ومفاهيمه وقيمه وحتى أنماطه السلوكية ، ولذا نجد أنفسنا خارج دائرة التفاعل الحضاري والتقدم الإنساني لإن من أفرزتهم تداعيات الأحداث ليكونوا في دائرة الفعل المباشر حملوا في وعيهم وقناعتهم الشخصية والسلوكية وثقافتهم المجتمعية موروث ماضوي ينظرون إليه كموروث (مقدس) التخلي عنه يعني حسب قناعتهم التخلي عن ( الدين) وعن رسالته وعن القبيلة والرجولة والتراث المكتسب الذي استنبطه من البيئة ومن العادات والتقاليد الموروثة وهي عادات وتقاليد تحظى بمرتبة مقدسة تتماهى مع مقدسات الدين ذاته ..
يجزم علماء النفس وعلماء الطب الوراثي أن شخصية الفرد أي فرد تجسد في سلوكياتها سلوكيات مندثرة تجاوزها الزمن تطورا لكنها تبقى حاضرة في الوعي العصبوي ذو الحاضنة المجتمعية ، في هذا السياق ومن باب الاستدلال وحسب ، قد نجد مثلا السيد (حسين بدر الدين الحوثي) أكثر وعيا وعلما وفهما ومعرفة من الإمام (يحي بن الحسين الرسي) والذي ينسب إليه المذهب او التيار ( الهادوي ) ، لكن مقتضيات ( الولاء العصبوي) لا تسمح ولا تبيح لقوانين المعرفة أن تثبت فلسفة تطورها وأن حدثت بهدف الإبقاء والتأصيل للموروث القديم الذي تجاوزه العقل والمنطق ، وتجاوزته قوانين العلوم المعرفية والتحولات الحضارية ، ومع ذلك تبقى فكرة الإمام ( الهادي ) مقدسة وأن كانت تتناقض مع كل قوانين الحياة والتطور ، مثلها مثل طالب قضى حياته يدرس في ارقى بلدان العالم _ فرنسا_ مثلا وتزوج من بناتها وأنجب ، وذات يوم جاءات ظروف اجبرته أن يعود لبلاده واهله فوصل ووجد( قبيلته) التي ينتمى إليها في حالة حرب وثار مع القبيلة المجاورة ، ليجد هذا الدكتور والمثقف والمتعلم نفسه ملزما بخلع بدلة  (الأسموكنج) وأرتداء (الزي التقليدي) وحمل (البندقية) ليخوض معركته مع أبناء قبيلته وفي أي أتجاه ، وأن لم يقوم بهذا الفعل الاجتماعي المتوارث ، قد يجد نفسه مطلوبا من قبيلته ومن خصومها فالكل يريد ان يستهدفه فهوا (عار ) بنظر اهله لأنه لم يشاركهم طقوسهم المتوارثة والمكتسبة وهو ( صيد ثمين ) بنظر خصوم أهله كونه دكتور ومتعلم وله مكانة وبالتالي هو أهم من شيخ القبيلة والثار منه سيكسر شوكة قبيلته  ..؟!!
إذا العادات والتقاليد والإرث الماضوي بكل قيم التخلف التي يحملها ، إظافة للبيئة وتضاريسها والثقافة المكتسبة كل هذه العوامل تشكل شخصية الفرد ولهذا دعونا نعرف شخصية من يحكمونا ومن يتحكموا بمصيرنا ومصير الوطن ..
يتبع

*

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)