ريمان برس -

ذات يوم مؤغل من أيامنا العربية كتب المفكر والكاتب العربي محمد الماغوط كتابه الشهير (سأخونك يا وطني) وقد ظهر هذا العنوان الإبداعي تزامنا مع ظهور مجموعة المفكر عبد الرحمن منيف _مدن الملح _ وشرق المتوسط _ وتلقاهما الطيب صالح بحكاية (موسم الهجرة إلى الشمال) وسياسيا كان (السادات) قد أجزم بأن 99٪من أوراق الحل لقضايا المنطقة ومعاناة سكانها بيد أمريكا فقرر التوجه غربا نحو واحة الرأسمالية والانفتاح رافعا شعاره الشهير (افتحو الأحزمة)..؟!
شعار تلقفه نجيب محفوظ وانيس منصور وصنعوا منه ملحمة مبشرين بالجنة القادمة التي ستعيد تساقط (المن والسلوى) ومائدة (يسوع) بلحومها وفواكهها وملذاته المصنوعة على أيدي ملائكة بررة..؟!
بيد أن الهرولة نحو الجنة الموعودة أخرجت القطار العربي عن مساره وارتدت المسارات مجتمعه نحو التيه الذي لا نهاية له..!
احتار العقل العربي وراح يبحث عن ذاته الفردية في أزقة قصور أصحاب الجلالة والفخامة والسمؤ..!
(انفتحت الأمة) وفتحت( عوراتها) و(فتحت الأحزمة) وظهرت (عورات الجميع) من المحيط الي الخليج دون إستثناء..!
مرحلة افقدت (ناجي العلي) مكانا فوق أرض الأمة وتحت شمسها ومن المحيط الي الخليج لم يجد الرجل غرفة تحتضنه وأسرته فكانت لندن هي الملاذ..؟!
أنزوي( عصمت سيف الدولة) بافكاره بعيدا عن الاضواء، واغلقت الصحف أمام (هيكل) والمطابع..!
ذات يوم انطلقت حافلة من موقف باصات الزرقاء الاردنية متجهة الي جغرافية الحجاز كان على متنها مجموعة ركاب أحدهم كان يحمل حقيبة يد بداخلها أكثر من ( 2 كيلوا حشيش) وبضعة جرامات من ( الكيف الأبيض) والآخر يحمل بيده كتاب (السلام المستحيل) منهمك في قرأة سطوره حين وصلت الحافلة لنقطة الحدود صعد ضابط النقطة الي الحافلة وسرعان ما هجم على قارىء الكتاب وجرجره نحو إدارة النقطة وإعطاء إشارة المرور للحافلة بالانطلاق فيما كان صوت (عدوية) يصدح من داخلها بملحمته الغنائية المعبرة عن انحطاط المرحلة   (حبة تحت وحبة فوق)..؟!
متواليات وإحداث دفعت (الماغوط) إلى أن  يعكسها في صفحات كتيب (سأخونك يا وطني) معتبرا الخيانة ليس وجهة نظر وحسب بل صناعة أنظمة وعنوان مرحلة من تاريخ الأمة ببعدها الجغرافي الوطني والقومي..!
قبل أن يتحفنا وزمليه دريد لحام بمسرحية (كاسك يا وطن) التي استدعا عرضها لتدخل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بعد أن حمل إليه النص الاديب على عقلة عرسان..؟!
أن خيانة الوطن ظاهرة شاذة لكنها لم تأتي دون أسباب ودوافع بل هي حصيلة لخيانة (الوعي) العربي قطريا وقوميا..!
أن القانون بلا ضمير أن تم تطبيقه هو الخيانة بذاتها لأن المجرم لم يولد مجرما ولكن المجتمع هو من يحوله الي مجرم والدولة غير العادلة هي مزرعة الإجرام تتناسل فيها وتولد كل صنوف الجرائم واشكالها..؟!
أن خيانة الوطن لم تبرز إلا حين تفشت الخيانة في مفاصل الدولة وأجهزتها ولذا فأن مكافحة الخيانة الوطنية لا تكون  بضبط ومحاكمة ضحاياها بل بمحاكمة النظام الذي يحكم بدون أن تتوفر فيه وفي رموزه شروط العدالة الاجتماعية  وحقوق المواطنة المتساوية فالحكم بدون تطبيق العدالة هو مصدر ( الخيانة الحقيقية) بأبشع صورها..!
5 يونيو 2024م