ريمان برس -
أجد كثيرا من النخب الثقافية والفكرية العربية يتغزلون بقيم الثورة الفرنسية باعتبارها ثورة الحرية والعدالة والمساواة، وأنها الثورة التي ارست مداميك الحرية والتحولات في أوروبا ومنها انتقلت للعالم، وتم تسويق هذه الفكرة عن الثورة الفرنسية ونالت حضورا في الوعي الجمعي النخبوي على مستوى العالم و في عالمنا العربي وجدنا نخب عربية كثيرا ما تستشهد بالثورة الفرنسية وتتغزل بقيمها ومبادئها، مع انها جاءت مجردة من القيم والأخلاقيات وهي الثورة التي اكلت أبنائها واعدم نطاقها (روبسبير) بالمقصلة داخل الجمعية الوطنية _البرلمان _!
نعم هي أسقطت ( سجن الباستيل) الرهيب، لكنها أنشأت سجون أكثر فضاعة ونصبت بديلا عن الملك ( لويس السادس عشر) الذي اعدمته الثورة (إمبراطورا) هو (نابليون بونابرت) الذي داس على قيم الثورة وأهدافها وقيم الحرية والعدالة والمساواة وانطلق بجيوشه لإخضاع شعوب العالم واستعبادها تكريسا للثقافة الاستعمارية من وسط أوروبا الي قارتي اسيا وأفريقيا، ويكفي أن ما قامت به فرنسا الاستعمارية بعد ثورتها من فضائع وجرائم بحق شعوب العالم ما يسقط عنها كل القيم والأخلاقيات ويفقدها صفة الثورة واحتلال مصر والشام والجزائر ودول أفريقيا ودول اسيوية وما مارست فرنسا في هذه النطاقات كاف لتجريدها من كل القيم النبيلة التي راحت تسوقها زورا وهي مجرد أكاذيب ومع ذلك هناك من لايزل يستشهد بهذه الثورة الكذبة..؟!
في ذات الوقت الذي نجد هؤلاء ينكرون ويتنكرون لثورة مثل ثورة 23 يوليو في مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر فنجد منهم من يصفها ب (الانقلاب) وآخرين يصفونها ب(العسكريتاريا الديكتاتورية) وآخرين يصفونها بإنقلاب المغامرين الخ التوصيفات مع ان ثورة يوليو رغم كل ما قيل فيها ورغم الأخطاء التي يمكن تكون قد وقعت فيها قدمت رؤية اجتماعية للتغير رفضها العرب وحاربوها واخذا بها بعض قادة أفريقيا وامريكا اللاتينية، فيما الذين راهنوا على فلسفة الثورة الفرنسية والقيم الليبرالية هزمتهم أفكارهم أمام جرائم من أتخذوهم قدوة لهم بدءا من الثورة الفرنسية الي القيم الليبرالية وصولا الي الثورة الاشتراكية السوفيتية، مدارس فكرية سقطت بسبب التناقض بين الأفكار التي رفعتها والممارسات الواقعية..؟!
ترى بعض النخب السياسية والفكرية العربية المبهورة بالتحولات الحضارية الغربية _بطابعها الليبرالي أو الاشتراكي لرؤية ناصر ومشروعه القومي رؤية انتقاصية بدافع من ندية وإنتقاص، غير أن المراقب الحصيف والناقد المحايد المجرد من نزعات الذات سيجد أن ما حملته رؤية وفلسفة عبد الناصر المنحازة للغالبية الشعبية حملت من الأهداف الحضارية ببعدها الاجتماعي والإنساني ما لم تحمله أيا من الفلسفات التي تغزل بها بعض المثقفين العرب قبل أن يدركوا فداحة اختيارهم لنجد اليساري قد تحول إلى يميني واليميني أصبح متطرف (إسلاميا)..؟!
فيما الثائر الريديكالي الذي تدثر ردحا من الزمن بالدثار القومي أصبح مجرد (عرضحلجي) عند أصحاب ( الجلالة والسمؤ)..؟!
فإذا تابعنا أسباب ودوافع هذه (الأركسة الفكرية) علينا العودة إلى (نابليون) الذي ارتدي قبعة الأمبراطور وكان اول من اطلق شعار ( يا يهود العالم استيقضوا) واضعا أسس لفكرة (الوطن القومي لليهود في فلسطين)..؟!
فكرة اخذا بها (هرتزل) في مؤتمر بال الأول الذي جمع عتاولة الصهاينة حلفاء الاستعمار ليضعوا مبادئي ( الصندوق اليهودي والمنظمة اليهودية العالمية) التي كانت بمثابة مجلس إدارة لهذا الصندوق، غير أن شعار نابليون لم تتوفر له الفرصة عند احتلال نابليون لمصر فتم تأجيل إمكانية تطبيقه إلا ما بعد تقاسم مروثات الإمبراطورية العثمانية الممتدة حينها من شواطي بحر قزوين حتى شواطي الأطلسي وشمال أفريقيا، لتبدأ الرحلة نحو (سايكس _بيكو) الذين أتفقوا على تقاسم ميراث الإمبراطورية قبل أنهيارها، محددين فيما بينهم مناطق نفوذهم بعد مرحلة من تنافس فرنسي _بريطاني دامي، ومع إنقشاع غبار الحرب العالمية الأولى، تم توزيع ميراث ( رجل أوروبا المريض) وتم إقصاء ألمانيا، فيما كانت فلسطين هدف وغاية أبطال هذه الأحداث الذين وجدوا في فلسطين حلا لمشكلة يهود أوروبا الشرقية والغرب وامريكا أيضا حيث كانت أوروبا تزدري يهود الشرق المهاجرين إليها، فيما يهود أوروبا بدورهم كانوا يخجلون من يهود الشرق فكان شعار (نابليون) خيار وحل للمعضلة، كانت ألمانيا تسير في طريق الثأر لذاتها من خصومها في لندن وباريس حين اكتشفت خيانة اللوبي اليهودي النافذ في أوروبا وامريكا.
ذات يوم من أيام الثورة الفرنسية أطلت الملكة (ماري انطوانيت) من شرفة قصرها لمشاهدة ثورة الجياع في شوارع فرنسا، فتسالت من حولها :ماذا يريد هؤلاء؟ فقيل لها إنهم يريدون الخبز، فردت عليهم طيب اعطوهم بسكويت؟! فاقتيدت إلى المقصلة الثورية وهي ذات المقصلة التي جزت لاحقا راس (روبسبير) خطيب الثورة وفيلسوفها..!
بعد أكثر من قرنين كانت فلسطين هي المحطة التي التقي فيها المستعمرين الغربين وعندها توحدة مواقفهم الاستعمارية والتقت مصالحهم التي كفلت لهم التخلص من نزق يهود أوروبا وكانت لهم سياجا يحول بينهم وبين يهود الشرق المتخلفين، ناهيكم أن الغرب اتخذ من فلسطين مسرحا لتطبيق أساطير هم الدينية لمنح كيانهم اللقيط شرعية دينية وتاريخية وقدسية أسطورية بهدف إعطاء هذا الكيان صبغة وشرعية تاربخية ودينية وتكريس هذه المزاعم كحقائق في ذاكرة العالم في واحدة من أكبر الاكاذيب التي تبناها الغرب وامريكا ليس حبا في اليهود وكثيرا من اليهود واحبارهم يعارضون الكيان الصهيوني ولا يعترفون به ويتحدثون صراحة أن هذا الكيان هو كيان صهيوني اخترعه الاستعمار للسيطرة على المنطقة والتحكم بمصيرها معتبرين الكيان مجرد قاعدة عسكرية للاستعمار وجدت لحماية مصالحه الجيوسياسية والاستراتيجية.
لذا كانت مشكلتهم مع عبد الناصر ليس في التحولات الثورية، ولا في مشروعه السياسي والفكري، بل مشكلتهم مع الرجل تتمحور في فلسطين وموقفه منها وعلاقته بها وإدراكه لحقيقة زراعة الكيان وأهدافهم جراء ذلك وإدراكهم أن مشروعه يرتكز على فلسطين وبدونها يقف المشروع القومي عند تخوم الاماني، الموقف الاستعماري الرجعي من الزعيم عبد الناصر ومشروعه القومي، هو ذاته الموقف الاستعماري من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومشروعها الحضاري، فالموقف من ناصر هو ذاته يتجدد اليوم مع إيران وبذات الأدوات..؟
أي أن ( القدسية الصهيونية) و ( العداء للسامية) كل هذا عبارة عن خداع استعمارية ما انزل الله بها من سلطان..؟!
واعتقد ان معركة طوفان الأقصى استطاعت أن تنسف كل هذه الأساطير وتكشف زيفها ولكن هل ثمة من يستوعب هذه الحقائق من العرب؟ أشك في هذا
1 يوليو 2024م |