ريمان برس -

نعيش في اليمن منذ الأف السنين مواطنين أخوة نتباين ونختلف، وقد نتقاتل على (السلطة والنفوذ والثروة) ثم نتحاور ونتفق وتعود السكينة للوطن والمواطن، يشعر بعضنا بالغبن وربما بالقهر من غطرسة بعضنا ومحاولة بعضنا السيطرة والتحكم، نعترض نعارض، يتمرد بعضنا على الحاكم يتدخل العقلاء فتعود الأمور لمسارها الصحيح..
في اليمن لا يوجد تعدد ديني ولا توجد أقليات عرقية واثنية كما هو الحال في بعض الاقطار العربية الأخرى..
في اليمن هناك ( مذهبان) يهيمنان على الساحة هما (المذهب الشافعي) و (المذهب الزيدي) وهناك (اقلية يهودية) كانت، وهناك أقليات مسلمة تنتمي (للإسماعلية) و تيارات إسلامية أخرى مثل (الصوفية) و(السادة الهاشميين) وكل هؤلاء عاشوا قرون من الود والأخوة  والمحبة فإذا تسلط عليهم حاكم ظالم شكاء الجميع منه، ولم يستثنى حكام اليمن المتعاقبين من الأف السنين أحدا من  ظلمهم أيا كان ( شافعيا كان أو زيديا،) فظلم الإئمة _مثلا _لم يستثنى لا ( الزيود) ولا ( الشوافع) ولا (يهودي) ولا مسلم سلم من ظلمهم..؟!
لكن في المحصلة لم يتمكن فصيل من إلغاء الفصيل الأخر ولم يتمكن حاكم من تجريد محكوم من هويته ومواطنته، ولا حتى الشعب حين ثار ضد حكامه جرد من كان يحكمه من هويته وحقه في المواطنة..!
تنقسم اليمن اجتماعيا أيضا وقبليا لثلاث قُبل هي (حاشد، وبكيل، ومدحج) قُبل تحمل أسماء ثلاثة اشقاء من اولاد حمير ومن اصلابهم جاء (حضرموت، وأبين،) و إليهم تنتمي باقي الأسرة اليمنية الحميرية من ( يافع) الي  ( همدان) و( عمران) وما بينهم..؟!
خلال مراحل تاريخية بفعل الانتماء الإسلامي والعلاقات الاجتماعية تلقح المجتمع اليمني بالعديد من الوافدين بفعل الغزوات تارة وبفعل الحاكمية الإسلامية تارة أخرى واخرى بفعل الأنتماء الايدلوجي والعقائدي، وقد اكتسب كل هؤلاء الهوية الوطنية وأصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي إليمني وتعايشوا.. تعايش أطرته  ( حرية الرأي) وجسدته حقيقة احترام اسلافنا الحرية وقوانينها  والتزامهم بها وتسليمهم بحق الآخر في التعبير عن حريته واختيار طريقة تفكيره، وفي هذا جميعنا يدرك أن لا (الإمام الشافعي ولدا في سوق الشينيني بتعز) ولا (الإمام زيد ولدا في سوق الملح بصنعاء) واتباعهما هو حصيلة قناعة فكرية وحرية فكرية، فالإنتساب لمذهب ( الإمام زيد بن علي) رضي الله عنه جاء بعد قرون من وفاة ( الإمام زيد) وعلى يد (الناصر الأطروشي) القادم من ( بلاد الديلم في فارس) والحال كذلك مع من انتسبوا ( للإمام الشافعي) وهو انتساب فكري لا يقلل من الهوية الوطنية والأنتماء الوطني ولهذا اقول واعيد وأترجي من رموز البلاد ومن بيدهم إمكانية صلاحها وخرابها أن يعودوا لرشدهم ويحكموا عقولهم ويعودوا لطاولة الحوار ليحاوروا بعضهم ويجنبوا البلاد والعباد شرور التعصب والمغامرة بمصيرهم وبحاضرهم ومستقبلهم.. التاريخ لن يرحم المكابرين والمغامرين والحاقدين في أفعالهم، والصراع لن تحسمه القوة وأن احتلت البلاد بكاملها وقد حدث وان احتلت اليمن من قبل الاحباش والفرس والبرتغاليين والروم والعثمانيين والبريطانيين، ورحل المحتلين وبقت اليمن بنسيجها الاجتماعي كما رحل اتباع ومعاوني المحتلين تلاحقهم لعنات الشعب والتاريخ، لكن الشعب بقي بكل اطيافه وسوف يستمر وسيرحل أطراف الصراع اليوم وسيبقى الشعب وستبقى أحكامه التي سيطلقها الشعب بحرية على أطراف الصراع.. إذا رحمة بالتاريخ والوطن والشعب عودوا أيها المتصارعين إلى طاولة الحوار من أجل اليمن الأرض والإنسان، الأرض التي احتظنتكم والإنسان الذي وثق بكم وسار خلفكم، إلا يكفي أنكم بصراعكم ازهقتم أرواح أكثر من نصف مليون يمني ومثلهم وربما أكثر معاقين وجرحي، وملايين تشردوا بسبب هذا الصراع..؟!
ألا يكفي انه كان عندنا قبل ازمتكم (ثلاثة مليون فقير) كنا نشحت لهم من الدول المانحة واليوم عندنا قرابة ( ثلاثين مليون) فقير معدم..؟!
هل يتوهم أيا منكم مهما كانت الوعود له بالدعم من أطراف خارجية سخية أن بإمكانه حسم الصراع لصالحه؟!
من يفكر بهذه العقلية، ويمني نفسه بهذا الفعل هو وأهم وحالم وقراره ليس بيده بل بيد من يزرع الأوهام بعقليته المستلبة؟!
لأن من يزرع مثل هذه الأوهام بعقلية هذا الطرف أو ذاك ليس حريصا على هذه الأطراف بل حريصا على مصالحه ويخضع علاقته بهذه الأطراف انطلاقا من مصالحه الجيوسياسية والاقتصادية..؟!
ألا تشاهدون الصومال، وليبيا، والعراق، والسودان، واخيرا سوريا ولبنان..؟!
ألا تتابعون ما يجري بين روسيا والغرب في أوكرانيا، وما يجري بين أمريكا والصين، وما تقوم به (إسرائيل) في فلسطين وجوارها؟!
ألا تشاهدون ما يحاك للهند وباكستان؟!
أن لم تربطوا أحداثكم وازمتكم الوطنية بهذه الأحداث فأنتم أغبياء واغبي من (حمار جحا) للأسف الشديد..؟!
أن 15 عاما من الفتنة والأزمة و10 سنوات من الحرب والعدوان كافية كما اعتقد لتعودوا الي رشدكم وان تحاوروا بعظكم وتعترفوا بحق بعظكم وانكم جميعا تنتمون لهذا الوطن وان من المستحيل لأي طرف أن يلغي بقية الأطراف، ومستحيل لأي طرف أن يفرض خياراته بالقوة على بقية الأطراف، وأن اليمن لا تحكم إلا بالتراضي والتوافق وعن طريق الحوار، وأن القوة أن أصبحت خياركم فلن تحصدوا منها سوي مزيدا من الضحايا والتمزق والعاهات وتزرعوا مزيدا من الأحقاد في النفوس، والحصيلة تمزيق  الجغرافية وتفتيت القدرات وخسران مبين يطال الجميع.
لذا أقول لكم صادقا، لستم إلا جزءا من سيناريوا جيوسياسي إما أن تسارعوا لمحاورة بعضكم وتقبلوا ببعضكم وتحلوا خلافاكم بقدراتكم الذاتية، أو فلتتحملوا مسؤلية اغراق البلاد وأهلها في آتون فوضى مدمرة لكل مقومات الحياة والسكينة والأنتماء،ولا تحصدوا في النهاية سوي لعنات التاريخ والشعب..
اللهم أني بلغت اللهم فأشهد..