ريمان برس - خاص -
عقدين من الزمن تمتد من عام 1990_ حتى عام 2010م كانت كفيلة لإحداث حالة إنقلاب في الوعي الجمعي العربي، إنقلاب فكري، وثقافي، وسياسي، واقتصادي، واجتماعي، وسلوكي، وتربوي، طال الوعي العربي على الصعيدين القطري والقومي، وغير كل المفاهيم والقيم المكتسبة، عبر منظومة من أدوات ووسائل الاستهداف المباشر التي غاصت في مفاصل المجتمعات العربية بتوجيه ورعاية وتمويل من أجهزة إستخبارية شاركت فيها ثلاثة من أكثر الأجهزة الاستخبارية قدرة ونفوذ وإمكانية وهي جهاز " mi6" البريطاني، وجهاز المخابرات الأمريكية "cia" وجهاز الموساد "musad" الصهيوني "..!
كثيرة هي الشعارات التي نشطت تحتها هذه الأجهزة ومكنتها من اختراق المجتمعات العربية بطريقة أوصلتها إلى أحداث عام 2011م وصولا إلى المرحلة الراهنة التي تعيشها الأقطار العربية وحالة الفوضى والارتهان والاستلاب الفكري والثقافي..؟!
كانت البداية مع إشاعة المناخ الديمقراطي، وحريات الرأي والتعبير، والتعددية السياسية والحزبية، والأنفتاح الحضاري، والعولمة، وحقوق الإنسان، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الشفافية الدولية ومكافحة الفساد..؟!
ظواهر شرعنت بدورها لبروز منظمات المجتمع الدولي التي كانت بمثابة رأس حربة لإختراق المجتمعات العربية، تزامنا مع ربط علاقة الدول والأنظمة بسياسة اقتصادية يشكل ملامحها ويرسم مسارها كل من " البنك والصندوق الدوليين" إظافة إلى دور تأثيري في الاقتصاديات المحلية العربية لعبته ما اطلق عليه ب "الدول المانحة" التي وظفت دورها لتفتيت المجتمعات العربية بطريقة تؤحي لمن تابعها بأنها تهدف إلى مساعدة الدول والأنظمة والمجتمعات المستهدفة في تحقيق معدلات تنموية واقتصادية، ومساعدة هذه المجتمعات في مكافحة الفساد..؟!
في المقابل كانت هناك " سياسة الاحتوي المزدوج "تطبق داخل هذه المجتمعات أطرافها " الأنظمة الحاكمة" وقوي " المعارضة"، إظافة الي حالة الانفتاح التجاري والاقتصادي التي اخذت طريقها تعبيرا عن إستراتيجية "العولمة" وتجسيدا لقوانين وشروط "منظمة التجارة العالمية" التي جلبت الخراب والدمار للاقتصاديات الوطنية والرأسمالية الوطنية، التي وجدت نفسها تكابد مشقة الظاهرة وتبعاتها دون حماية من قبل الأنظمة التي اوغلت بدورها في ممارسة المزيد من الاستهداف للرأسمالية الوطنية، التي التزمت بكل واجباتها تجاه الدولة والنظام، فيما لا الدولة ولا النظام قدموا بدورهم مظلة حماية لهذا القطاع، بل تركوه ينافس " طواحين الهواء" في مواجهة غير عادلة، أمام عدو يغرق الأسواق بمنتجاته الاستهلاكية، متحررا من كل الألتزامات المادية والقانونية التي تفرض على القطاع الخاص الوطني الذي وجدا نفسه بين "سندان الإنفتاح" و"مطرقة الأنظمة"..؟!
أسفرا كل هذا عن بروز أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية وفكربة وثقافية، أزمات مركبة تم إنجازها خلال عقدين من الزمن، رافقتها إجراءات عقابية فرضت على هذا النظام العربي أو ذاك، أدت إلى حالة انهيار اقتصادي، أدى بدوره لبروز حالة تفكك اجتماعي..!
تفكك كانت مؤشراته مع بداية والأنفتاح، حيث تم تقسيم المجتمعات الي " ترويكات طبقية" متعددة الشرائح وبما يحقق حالة إستلاب الوعي الاجتماعي والوطني..!
أوجدت الأزمات الاقتصادية نوافذ للأختراق المجتمعي، الأمر الذي سهل ولادة المشهد العبثي الذي تعيشه الأمة قطريا وقوميا..!
إذ تم ضرب الهوية الوطنية، وتفكيك روابط النسيج الاجتماعي، وإنهاك اقتصادي ومعيشي وأمني، ولم يعد بالتالي هناك ثمة جامع يجمع أبناء المجتمع الواحد، وهذا إنجاز إستراتيجي للأجهزة الاستخبارية سالفة الذكر التي عملت على تحقيقه وبأيدي عربية للأسف..؟!
إذ غدت " الهوية الوطنية" عبارة عن " هويات متعددة"، و لم هناك بالتالي ثمة هوية وطنية جامعة يمكن أن يجتمع عليها أبناء الوطن الواحد، الذين تم تمزيقهم وتمزيق هوياتهم وروابط انتمائهم، كما تم إستلاب وعيهم من خلال " إنقلاب" حقيقي حدث وطال كل القيم الوطنية والقومية، ولم يعد هناك روابط لا دينية ولا وطنية ولا اجتماعية يمكنها أن تعيد من سلبت عقولهم الي حالتهم الطبيعية، لأن الأمور أصبحت مرتبطة بالمصالح الخاصة التي حلت بديلا عن المصالح العامة..؟!
يمكن مشاهدتها بوضوح في العراق، وسوريا، وليبيا، وتونس، والصومال، والسودان، واليمن، ولبنان، وحتي داخل فلسطين التي يعيش مواطنيها تحت نير الاحتلال الصهيوني الذي رغم كل الجرائم البشعة التي ارتكبها بقطاع غزة، ومع ذلك أوجد له " ترويكا خائنة من أبناء فلسطين" يقاتلوا الي جانبه " المقاومين " من أبناء وطنهم، بدلا من قتال العدو الذي يحتلهم ويحتل وطنهم ..؟!
نعم تعرضت الأمة باقطارها وعلى الصعيدين الوطني والقومي لحالة إنقلاب كارثي في الوعي، إنقلاب أدى إلى إستلاب الوعي وطغيان الأنانية الفردية، أنانية طالت الفرد والجماعة والغالية الجماهيرية، فيما العلاقة بين من في " الحكم" ومن في " المعارضة" تحولت إلى علاقة ثأرية وإنتقامية، ورغبة متبادلة في الكيد لبعضهما وإلغاء بعضهما والثأر من بعضهما، وأصبحت فكرة " الإستعانة بالشيطان" خيارات ممكنه ومقبوله من قبل من في "الحكم" ضد " معارضيهم" ومن قبل من في "المعارضة" ضد من هم في "الحكم "..؟!
هذه الأوضاع أدت إلى تجاهل الغالبية الشعبية وتركها في حالة " تيه" تعاني من كل الظواهر والأزمات، وعاجزة عن توحيد مواقفها أو الدفاع عن حقوقها، لأن المواقف تمزقت والآراء تعددت، وهذا ما تريده النخب الفاعلة في السلطة والمعارضة..!
وأصبح المشهد العربي وطنيا وقوميا يتشكل حسب رغبة الأجهزة السالفة الذكر التي ناظلت كثيرا حتى تصل بالأمة وأنظمتها وجماهيرها ابي هذا المستوى الذي نحن عليه اليوم..؟!
أن السقوط عن طريق إنقلاب الوعي، هو أخطر بكثير من السقوط عن طريق العمل العسكري والفوضى والاحتلال..! |