ريمان برس - متابعات - هذا البلد ليس موطناً للأنين فحسب.. يعج بالدهشة كثيراً.
مضى ثلاثة شبان فاقدو البصر بلا مضض، يتلمسون بحدسهم الطريق في أحد شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، للاهتداء إلى طريق جمعية تعنى بشؤونهم، وهم متكاتفون بلا فكاك.
كنت حينها أحتسي الشاي بصحبة زميلي معتصم عبدالسلام، فيما توقف الناس مشدوهين يرقبون مرور الشبان، وهم يلوحون بعصاهم، ويسير كل منهم برفقة الآخر، ويخطون في الرصيف بهمة فرسان، وسط الزحمة والذهول.
لم تمنعهم إعاقتهم من ممارسة حياتهم، إذ تتوهج بصيرتهم المتقدة، ويحملون آمالاً تجابه العجز، وصعوبات وجودية أصابتهم منذ زمن، دون أن تكبلهم - كما البعض – الأوهام، بالرغم من امتلاكهم حواس متيقظة وحية.
ترك مجاهد وعبدالعزيز ومحمد قراهم المشتتة على خريطة الوطن، والتقوا في العاصمة، حيث الدراسة والأحلام، وآمال رسم المستقبل المشرق.
بدأت قصة مجاهد الصريمي ومحمد العربة وعبدالعزيز القدمي يوم التقوا في سكن خيري بصنعاء، حينها تشاطروا الآمال والتعب والمشاوير اليومية المرهقة إلى الجامعة بمفردهم.
يقول عبدالعزيز القدمي لـ«المصدر»: «قدمت من قرية بمحافظة حجة إلى العاصمة، لأدرس في علم الاجتماع، وهأَنَا في سنتي الأولى في قسم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة صنعاء، وأتطلع لخدمة بلدي ومجتمعي كثيراً».
«لكنني – حقيقةً – أطمح لتحضير الماجستير والدكتوراه كجزء من واجبي تجاه وطني»، يضيف القدمي.
وأثناء إطلاقي لأسئلة مبعثرة وغير منتظمة، شعرت بروح كما لو أنها لمحارب في حديثه: « لم تمنعني إعاقتي من ممارسة نشاطاتي ودراستي، وبالرغم مما نعانيه يمكننا التغلب عليها بالإصرار والاستمرار».
وأردف: «أشعر أنني تجاوزت البحث عمن يقودني إلى البحث عن الكيفية التي سأخدم بها مجتمعي، لأن الأخير هو العين التي أرى بها ما أنجزه وما لم أنجزه».
سألته: ما الذي دفعه إلى اختيار تخصص علم الاجتماع، فقال: قرأت كثيراً عن تخصص علم الاجتماع ماذا يريده، وما يحتويه، لأكون أكثر قرباً من المجتمع، ولأفكك كثيراً من المشاكل الاجتماعية، التي ما تزال عالقة.
وقال: «أتطلع لأن أكون أحد القيادات البارزة في اليمن».
وعن نشاطه الحقوقي والسياسي، تحدث عن تحركاته وتطوعه في عدة منظمات مجتمع مدني منذ طفولته: «كنت أمين عام شبكة نداء للطفولة ، لكن لم يحالفها الحظ للعمل بأمد طويل»، وأكد أنه تحدث كثيراً مع قيادات سياسية عدة، عن رؤيته فيما يحتاجه ذوو الاحتياجات الخاصة بشأن ذلك.
ولم ينسَ تذكيري بنشاطه في الثورة الشبابية، حيث قال: «كنت أحد أعضاء ائتلاف شبابي في ساحة التغيير بصنعاء».
وشدّد القدمي على أنهم لا يريدون من المجتمع أن ينظر إليهم بعين الشفقة، داعياً الجميع إلى محاسبتهم على تقصيرهم إذا ما حصلوا على حقوقهم كاملةً.
وقال، وهو يحرك يديه كمتحدث بارع: «هذا المجتمع يشوبه الكثير من السلبيات منها في المجال السياسي، وأرى ضرورة تغييرها وأؤمن بأننا نستطيع ذلك».
استأذنني بعدها ليستعد للصلاة، وتركني بعد أن عرفني بزميله مجاهد يحيى الصريمي وهو من مديرية يريم بمحافظة إب.
وقال مجاهد، وهو شاعر وأديب، تلهمه قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني: أمتلك أهدافاً كثيرة، وسأجاهد لتحقيقها، واستطعت أن أواصل دراستي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة صنعاء.
وأشار إلى أنه كان مخططاً لذلك، ليس لفهم النصوص فقط بل لمعرفة الأبعاد التاريخية للغة العربية، وليطور مهاراته الأدبية التي يحلم أن يتقدم فيها.
وقال: «ما ميزنا أننا كنا ثنائيين ونتنافس أنا وزميلي عبدالعزيز القدمي واستطعنا أن نتجاوز الصعاب ونتفوق أحياناً على المبصرين، وشعرنا أن الواقع يخبرنا بأننا موجودون، وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا يتوقف بعض الناس إذا ما واجهتهم صعوبات».
أما محمد علي العربه القادم من مديرية الشاهل، محافظة حجة، فقال: أحببت اللغة العربية حتى الثمالة، لهذا أنا أدرس بكلية الآداب بجامعة صنعاء قسم اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن، ولأعلم الأجيال هذه اللغة الجميلة.
وقال: «طموحي أن أكمل البكالوريوس، وأبدأ تحضير الماجستير والدكتوراة، لأصير معلماً فذاً وأرد جميل المجتمع الذي علمني».
وأشار إلى أن بعض الطلبة يوم التسجيل سخروا منهم وقالوا لهم: لماذا تريدون أن تدرسوا، روحوا احفظوا قرآن، لكنه رد عليهم، بالإصرار وتمكن من التسجيل، والبدء بالدراسة بجدية، واستعداد تام.
وذكر أنه سيواصل تعليمه رغم المشاق التي تجابههم.
وحين ودعتهم، كانوا يساعدون بعضهم في تخطي السلالم، للوصول إلى المصلى لأداء صلاة العصر، ولم تفارقهم الابتسامة البتة.
*المصدر اون لاين |