ريمان برس - متابعات - مرت ما يقارب الثلاثة أسابيع على إغلاق المدارس والثانويات العامة في حضرموت أبوابها معلنة بذلك انتهاء الفصل الدراسي للعام 2012-2013م. ليجد الآلاف من الأطفال والشباب أنفسهم تائهين في معمعة الإجازة الصيفية دون أن يكون هنالك في انتظارهم أي نشاط صيفي يحتضنهم ويحميهم من خطورة الاستغلال السيئ للفراغ القاتل الذي يسيطر عليهم والذي قد يجرهم إلى الانحراف ورفقة السوء.
فلا ستغرب عزيزي القارئ إن أخبرتك أن مدينة المكلا حاضرة محافظة حضرموت التي ترفد خزينة البلاد بما يزيد عن 70% من احتياطياتها من العملة الصعبة لا يوجد بها أي أندية رياضية شبابية أو حتى عسكرية أو تابعة للشرطة مثلما هو موجود في العاصمة اليمنية صنعاء، ولا تتعجب كذلك إن عرفت أن المدينة نفسها لا توجد بها حدائق عامة أو متنزهات أو مكتبة عامة أو صالة سينما يمكن للشباب والأطفال أن يقضوا وقت فراغهم الطويلة فيها. ليذهب هؤلاء للبحث عن وسائل أخرى تسهم في إشغال ذلك الوقت مثل قضاء الوقت في تناول ورق القات أو اللجوء لبعض الوسائل غير القانونية مثل تعاطي المخدرات التي أصبحت حضرموت في الآونة الأخيرة أحد أهم أسواق تجارتها في البلاد.
فبحسب ما ذكره العقيد / سمير يوسف باحميد مدير إدارة مكافحة المخدرات بأمن ساحل حضرموت فإن حضرموت أصبحت تستحوذ على 60% من حجم تجارة المخدرات والحشيش في اليمن. نسبة مهولة ومخيفة للغاية خصوصاً في ظل أن المجتمع الحضرمي لا يزال يوصف من قبل الكثيرين بأنه مجتمع تقليدي محافظ.
وهو ما قد يجعل الكثيرين يتسائلون عن الكيفية التي أصبحت فيها حضرموت تعاني من هذه النسبة المرتفعة مقارنة ببقية مناطق للبلاد، وكيف أصبحت المخدرات والحشيش في متناول الأطفال بمدينة المكلا..؟
الإجابة هنا بسيطة للغاية ، فالمعلوم أن حضرموت تمتلك شريط ساحلي يقدر نحو 193,032 كم مربع وتستقبل هذه السواحل الطويلة سنوياً عشرات الأطنان من المخدرات القادمة من دول مثال إيران وباكستان وأفغانستان وبعض دول جنوب شرق آسيا في ظل شبه انعدام لدور خفر السواحل في مراقبة هذه السواحل نتيجة لقلة الإمكانيات تارة ، وتارة أخرى بسبب تورط شخصيات نافذة في البلاد في عمليات التهريب.
في الماضي كانت هذه الكميات الضخمة من المخدرات لا تستهدف بشكل كامل السوق المحلي في حضرموت واليمن بشكل عام، خصوصاً في ظل الفقر وتدني دخل الفرد فيها، بل هي تستهدف الجوار الثري لليمن والمتمثل في دول الخليج العربي ،وما اليمن وحضرموت إلا بوابة عبور (ترانزيت) لتلك الدول. حيث يعمل بعض الصيادين المحليين ونتيجة لتدني مستوى الدخل على نقل هذه المخدرات إلى الساحل مقابل مبالغة مالية باهظة تصل في النقلة الواحدة إلى (50 ألف ريال سعودي) في عملية تستغرق ساعات قليلة، ومثل هذا المبلغ أو أكثر يعطى لمن يقوم بنقلها من الساحل إلى المناطق الحدودية مع دول الخليج العربي الثرية.
غير أن هذا الوضع تغير كثيراً فمنذ عام 2009 شددت المملكة العربية السعودية وهي أكثر الأسواق الخليجية المستهدفة من عمليات الرقابة والسيطرة على الحدود لمكافحة المهربين الذين كانوا يحملون الموت إليها ، هذه الإجراءات المتشددة ساهمت بشكل كبير في عمليات الحد من دخول المخدرات إلى البلاد، وهو ما أنعكس على قدرة المهربين على الدفع النقدي الفوري لمن يتعامل معهم، فيعملون على سرقة مئات الكيلوات من الحشيش والمخدرات كضمان لحقوقهم التي يتأخر دفعها، وفي بعض الأوقات يعمل المهرب نفسه على إعطاء الناقل كمية من المخدرات مقابل جزء من أجره مقدماً لعدم وجود سيولة مالية كافية لدية.
هذه الكميات بالطبع أصبحت تباع وبأرخص الأثمان في السوق المحلية ولتصبح كذلك في متناول الجميع وعلى رأسهم الأطفال.
جدول يوضح عدد القضايا والكميات المضبوطة خلال الفترة الماضية بساحل حضرموت :
انتشار المخدرات بين الأطفال في المكلا...
لم تعد مسألة انتشار الحشيش والحبوب المخدرة بين صفوف الأطفال في المكلا ظاهرة غريبة أو جديدة، رغم أن الكثيرون في المدينة لا يحبون الحديث عنها، ولا يحبون الاعتراف بها، بل أنهم وفي بعض الأوقات قد يتهمون من يحاول فتح ملفها بأنه يسعى لتشويه صورة أبناء هذه المدينة الحالمة.
بالتأكيد هم لا يفعلون هذا الأمر لأنهم يؤيدون هذا الانتشار ولكنهم بنفس الوقت لا يريدون أن يعمل أحدهم على تكوين صورة سيئة عن سكان المدينة وأبنائها.
في المكلا أصبحت الحشيش والحبوب المخدرة في متناول الكثير من الأطفال، وأصبح الوضع مقلقا ومخيفا للكثير من أولياء الأمور خصوصاً مع انتشار العديد من القصص والحكايات التي تُسرد في المقاهي الشعبية الكثيرة التي تتميز بها مدينة المكلا عن شباب في مقتبل العمر سقطوا في شباك المخدرات وعصاباتها الإجرامية.
في الماضي كانت أماكن تعاطي وبيع الحشيش والمخدرات تقتصر على أماكن معينة ، بيد أن الوضع الآن تغير كثيراً وتوسعت الدائرة بشكل أكبر، فهنالك العديد من المناطق والأحياء في المكلا التي أصبحت أوكاراً لتجارة وتعاطي الحشيش والحبوب المخدرة.
حيث يقول العاملين في إدارة مكافحة المخدرات أنه تم القبض مؤخراً على الكثير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم مابين (15- 16) من العمر وهم من المتعاطين والمروجين للمخدرات والحشيش في مناطق مختلفة ومتنوعة في المدينة وتحديداً في مناطق( الكود – باعبود – باجعمان- فوة – الغليلة – وأحياء المكلا القديمة وضواحيها وخصوصاً التي تكون أكثر فقراً)، وليس بالضرورة أن يكون الطفل متعاطي أو مروج للحبوب المخدرة، فقد يعمل بعض المروجين أو أولياء الأمور المدمنين أنفسهم على استخدام الأطفال كأداة للتمويه من أجل توصيل البضاعة.
وليت الأمر توقف على هذا النحو بل أن الأخطر أن الحبوب المخدرة أصبحت تباع وتوزع بداخل بعض المدارس الحكومية الابتدائية في المدينة، كما أن بعض وسائل الإعلام المحلية كانت قد نشرت في وقت سابق عن القبض على أحد أبناء مدير إحدى المدارس الأهلية الخاصة بالمدينة وهو يعمل على بيع الحبوب المخدرة للطلاب والذين هم في الغالب من أبناء الأثرياء. كل هذه يحدث في ظل غياب تام لدور مكتب التربية والتعليم في المدينة.
لا يوجد مصحة لعلاج الإدمان ..
بهذه العبارة أجاب علينا القائمون على مكافحة المخدرات بساحل حضرموت عندما سألناهم لماذا تودعوا المتعاطي السجن بدلاً من أن تعالجوه. إذا فحضرموت تفتقر لوجود مصحات مختصة بعلاج إدمان المخدرات، ومن يتم اعتقاله من المدمنين يتم وضعه في السجن وهذا الأمر له العديد من المخاطر ليس فقط على حياة المدمن بل أيضاً على حياة زملائه من النزلاء.
كما أن المدمن سيكون معرض بصورة كبيرة لإعادة تناول المخدرات داخل السجن نفسه، وفي ظل أتساع دائرة الحديث من قبل بعض السجناء عن تمكن المهربين من إدخال بضائعهم إلى السجون بواسطة بعض عناصر الأمن الفاسدة. كما أنه في السجن لا تتم عملية إصلاح حقيقية للنزلاء.
وبالنسبة للأطفال المتورطين في قضايا تعاطي أو توزيع المخدرات والحشيش فلا يتم سجنهم في الكثير من القضايا، بل يكتفي المحققون باستدعاء ولي الأمر وكتابة تعهد عليه وعلى طفله، غير أنه وفي بعض القضايا يتم إيداعهم في أماكن احتجاز ليست مخصصة لمثل هذه الحالات، حيث لا توجد بها رعاية طبيبة متخصصة، وهذا الوضع سيكون له تأثير سلبي على نفسية الطفل وشخصيته مستقبلاً.
غياب تشريع صريح ..
يشتكي العاملون في إدارة مكافحة المخدرات في ساحل حضرموت من عدم وجود تشريع قانوني ينظم عمليات بيع وتوزيع بعض أصناف الأدوية والتي تصنف على أنها حبوب مخدرة، رغم أن تأثيرها وتخديرها ونتائجها المدمرة أكبر بكثير مما يمكن للحشيش أن يتسبب به، لأن متعاطي هذه الحبوب يفقد السيطرة على نفسه وعلى تصرفاته وقد يقدم على فعل أشياء رهيبة دون أن يعي ما لذي يفعله، والأمر المحزن أن هذه الحبوب تباع بشكل علني وصريح في الصيدليات وبشكل قانوني أيضاً بحجة أنه دواء مصرح به.
حيث يقول هؤلاء العاملون أنهم دائماً ما يضبطون كميات كبيرة من الحبوب المخدرة القادمة من صنعاء إلى حضرموت، ولكن للأسف الشديد ونتيجة لعدم وجود نص قانوني واضح ينظم عملية بيع وتداول هذه الحبوب المخدرة، يتم فقط الاكتفاء بفرض عقوبات مالية على ملاك هذه الكميات (وهم طبعاً ليس لهم علاقة بالطب، فقط يتاجرون بها) وائتلافها، وهذا الأمر لا يعد بمثابة رادع كافي لمثل هؤلاء.
فراغ قاتل وغياب التعاون بين مكاتب الدولة ..
حينما سألنا مدير إدارة مكافحة المخدرات بساحل حضرموت العقيد / سمير باحميد عن وجود أي نوع من أنواع التواصل والتعاون بين إدارته ومكاتب وزارات الدولة المهتمة بالشباب مثل وزارة الشباب والرياضة ووزارة التربية والتعليم، تفاجئنا حينما أخبرنا أنه لا تواصل يجري بأي شكل من الأشكال. والسبب حد قوله يعود لعدم وجود أي إمكانيات للقيام بعمل مشترك، متسائلاً لماذا لا تقوم هذه الجهات بتنفيذ منتديات أو ملتقيات أو مخيمات صيفية تعمل على استقطاب الشباب لقضاء أوقاتهم بشكل مفيد بعيداً عن تلك الشباك التي تريد أن تصيد أطفالنا وتسلمهم إلى براثن الموت ألبطي نتيجة لتعاطي القات والمخدرات.
بدورنا قمنا بالتوجه إلى مكتب وزارة التربية والتعليم بساحل حضرموت من أجل معرفة ما هي برامجهم الحاضنة للشباب في إجازتهم الصيفية لمنع انزلاقهم في ذلك الفراق القاتل وتلك الشبكة المتربصة بهم، وهنالك أخبرنا العاملون أن المكتب ليس له أي نشاطات في فترة الإجازة الصيفية وأن كل الأنشطة والمتمثلة في المخيمات الصيفية تكون من اختصاص وزارة الشباب والرياضة.
ذهبت لمكتب وزارة الشباب والرياضة بساحل حضرموت والمسئول عن إقامة المخيمات الصيفية لمعرفة ما هي خطواتهم الآن وقد بدأت الإجازة الصيفية وكيف ستتم عملية استقطاب الشباب ، ولكني انصدمت حينما وجدت بأن المكتب خالي على عرشه من الموظفين رغم أن اليوم لم يكن إجازة رسمية من غير موظف واحد لا يعرف أي شي عن أي شي.
حاولت الاتصال الهاتفي أكثر من مرة بالمدير العام للمكتب الأستاذ / محسن علي العطاس غير أن هاتفه كان مغلق والعذر بحسب ما قاله لي ذلك الموظف أن المدير يقضي هذه الأيام وقته في العاصمة صنعاء ...ولا أعرف هنا هل من طقوس زيارة صنعاء إغلاق الهاتف الجوال على الدوم للسيد العطاس !
غير أن الكثير من المهتمين لا يرون في المخيمات الصيفية التي تقيمها وزارة الشباب والرياضة أي فائدة تذكر، سوى تكبيد الخزينة العامة للدولة عشرات الملايين من الريالات، بين الرحلات الترفيهية لعدد معين من الشباب وتنفيذ برامج ليس لها أي تأثير. وحتى هذه الرحلات وهذه الأنشطة لا ينالها إلا من كان لديه الواسطة أو من أنصار وأتباع الحزب الذي ينتمي له معالي الوزير.
في المكلا أصبحت الحشيش والحبوب المخدرة في متناول الكثير من الأطفال، وأصبح الوضع مقلقا ومخيفا للكثير من أولياء الأمور خصوصاً مع انتشار العديد من القصص والحكايات التي تُسرد في المقاهي الشعبية الكثيرة التي تتميز بها مدينة المكلا عن شباب في مقتبل العمر سقطوا في شباك المخدرات وعصاباتها الإجرامية.
ضعف الإمكانيات :
تعاني الأجهزة الأمنية في حضرموت بشكل عام وجهاز المكافحة بشكل خاص من عجز كبير ونقص حاد في توفير الدعم والإمكانيات التي تساعدهم في القيام بعملهم بأكمل وجه ، خصوصاً وأنهم يتعرضون لضغوط نفسيه وجسدية كبيرة أثناء القيام بعملهم التي تحفه الكثير من المخاطر التي ربما تفقدهم حياتهم.
هذا الضعف لا يساعد رجال المكافحة على القيام بدورهم، وينعكس في الكميات المضبوطة والمتورطين في إغراق بلادنا بهذه القنابل المؤقتة.
بصيص أمل :
مؤسسة العون للتنمية إحدى أهم المؤسسات الداعمة والمنفذة للمشاريع التعليمية ليس فقط في حضرموت بل واليمن عموما ، تسعى هذه المؤسسة خلال الفترة الوجيزة المقبلة لافتتاح مركز (شباب توداي) والتابع لمنظمة شباب توداي بتمويل من قبل العون.
هذا المركز الشبابي يحتوي على قاعات تدريب وصالات رياضية لبناء كمال الأجسام ولعب التنس وغيرها من الألعاب الشبابية المفيدة، بالإضافة لوجود الساحات الخضراء وتوفير خدمة الإنترنت للشباب في المركز مقابل اشتراكات سنوية منخفضة بشكل كبير للغاية.
حيث تسعى المؤسسة إلى إيجاد أماكن يمكن للشباب قضاء وقت فراغهم بشكل يسهم في بناء بيئة حاضنة للشباب و لتنمية قدراتهم وتحفيزهم للانخراط في الأعمال التطوعية وخدمة المجتمع، وكذلك الابتعاد عن رفقة السوء وتعاطي القات الذي يعد بوابة لعالم المخدرات.
قد يكون هذا المركز الشبابي والذي يتسع لقرابة الــ400 شباب صغير للغاية مقارنة بالآلاف من الشباب المنطويين تحت لواء البطالة والمهددين بالانحراف ، غير أننا جميعاً نأمل أن يكون هذا المركز بصيص أمل ونقطة إحراج للسلطات علها تبدأ بالقيام بواجبها تجاه هؤلاء الشباب الذين يمكن لهم أن يكونوا أداة بناء أو هدم بنفس الوقت لهذا المجتمع وهذا البلد الغالي على قلوبنا.
عدن الغد
|