ريمان برس- خاص -
في حوار جمعني بأحد الزملاء دار حول ما جرى ويجري في بلادنا ، حاضرا وماضيا ، وجدت نفسي أستمع إليه وإلى طروحاته ، قبل أن يفجر ( قنبلة ) بوجهي ويؤكد ان الشعب اليمني لم يعد ( شعب ) واحد بل عدة ( شعوب ) مؤكدا بأن تأثير الجغرافية لعب دورا في أن نصبح ( شعوبا ) وقد ساعد على تكريس هذه الحقيقة المؤلمة غياب الدولة والهوية ، وأكد زميلي بأن ( الهوية الوطنية ) الجامعة لم يعد لها مكانا إلا في كتب التاريخ وفي أذهان أولئك الحالمين من أمثالي وأمثاله ، لكن واقعيا اليمن غدت مجموعة ( شعوب ) متناحرة لا تجمعهما هوية وطنية ولا تربطهما عقيدة جمعية وليس هناك جامع يوحدهما ،بعد أن أوغل رموز ووجهاء واعيان النطاقات الجغرافية على تكريس ثقافة إستلاب الإنتماء ، فيما تجاهلت السلطات المتعاقبة منذ قيام الثورة اليمنية وحتى اليوم على تكريس او إيجاد مقومات الدولة والهوية وهي المعادلة التي فشلنا في وضع حلولا لها منذ ألف عام وليس من اليوم أو منذ قيام الثورة ..؟
كلام زميلي وضعنا امام روزنامة من التساؤلات الباحثة عن إجابات ، وهي تساؤلات أرى مشروعيتها في الحال الذي وصلنا إليه والبلاد ، وفي تداعيات الراهن الوطني الذي اخفقنا في حل معظلاته عبر الحوار فيما بيننا ، فكان ان ذهبنا نستجدي ( الأطراف الخارجية ) ونحرضها ضد بعضنا بطريقة تؤكد حقيقة ماذهب إليه زميلي الذي وصلت قناعته لتأكيد بل ولتبني الفكرة التي في سياقها العام تأتي تجسيدا لتداعيات راهنا الوطني وما يعتمل فيه من صراعات دموية بشعة ، صراعات ليست جديدة إلا في تبني أطرافها ثقافة ( إنعزالية ) طاردة لوحدة الهوية والإنتماء ،بل وكافرة بفكرة واحدية الهوية والإنتماء ، وكافرين بفكرة ( الدولة ) الجامعة ، بل هناك نهم وتطلع لتكريس فكرة ( الخصوصية الجغرافية ) والتحرر من فكرة الدولة الوطنية إلى كانتونات معبرة عن نطاقاتها ، يحدث هذا في زمن العالم يتشكل بطريقة مناقضة لمساراتنا الوطنية والقومية ، ويبدو ان ( العراق ) فعلا يمثل النموذج الذي منه تبدأ رحلة القهقري والتراجع وأنتشار هوية الكانتونات ( الطائفية ، والمذهبية ، والقبلية ، والمناطقية ) وان كنا نواجه خطر التقسيم والتوصيف ( المذهبي ) فان هذا التوصيف لن يتمكن أن يكون هو الحاضن للمعادلة المزاجبة والمعبر عن رغبات أبطال المرحلة الذين نسفوا كل مقومات الإرتباط الوطني بل ورهنوها بشروط ومقومات يتصدي لها الاخر ،وهذا يجعلنا أمام مؤشرات تمزيقية يمكن ان نطلق عليها بمرحلة من ( اليمننة ) تتخذ ذات المسار الذي اتخذ ذات يوم مؤغل في التاريخ حين قالوا ( ربنا باعد بين اسفارنا فظلموا انفسهم فمزقناهم شر ممزق ) اليوم يعاد إجترار الحكاية ولكن بطريقة اكثر ( تحضرا ) ..؟!!
إذ نجد أن الصراع الدائر أفرز ثقافة ( الصدمة والرعب ) والسلوك الراهن أوجد ثقافة ( الفوضى ) المدمرة لكل الروابط الوطنية والإجتماعية ، فنرى أن غباء وتسلط السلطة السياسية على مدار عقود اوجدت حالة إحتقانات سياسية وإجتماعية وكرست ثقافة إنتقامية تنافرية حد الإنتقام ولعبت إنتهازية الحكام والرموز والوجهاء وأيضا ثقافة العمالة والإرتهان والإرتزاق دورا في إيصال الناس إلى مرحلة رفض الاخر الوطني والسخرية ،وزادت من هذه الظواهر غباء أطراف الصراع وغياب المشروع الوطني الجامع لديهم فلا دعاة ( الشرعية ) يمتلكون مشروعهم الوطني الجامع ، ولا لدى ( سلطة الإنقلاب ) كما يقال أو سلطة الامر الواقع مشروعا وطنيا ، فكل اطراف الصراع حملوا مشاريع الحقد والتدمير والإلغاء وبالتالي وجدنا صاحب ( تعز ) يرفض ليس القادم من صنعاء بصفته ( الإنقلابية ) بل يرفض أخيه أبن ( تعز ) ..؟
وصاحب عدن لا يقبل صاحب تعز ولا يريد صاحب صنعاء ، وصاحب تهامة له مشروعه ، وصاحب مارب ايضا لا يقبل بالكل ومثله صاحب حضرموت ،ومثلهم صاحب أبين ..؟!!
وبالتالي لم يعد هناك نطاق جغرافي محتفظ بهويته الوطنية ويراقب المشهد بألم وحسرة سوى محافظة إب وابنائها الذين فعلا اثبتوا إنهم أكثر عقلانية واكثر إعتزازا بهويتهم الوطنية ..
ماعدا ( إب ) وأبنائها فأن لكل نطاق مشروعه الخاص ، إما من خلال تبعيتهم لأطراف الصراع وهم من تسببوا بشرعنة هذه العاهات الوطنية ، أو من خلال البحث عن فرص إنتصار لمشاريعهم الخاصة كحال أخواننا في المحافظات الجنوبية وكذا اخواننا في محافظات شمال الشمال ( الحوثة ) الذين يسعون للانتصار لمشروعهم الخاص وهو مشروع مركب يتمثل في حكم ( الجمهورية العربية اليمنية ) ولا تعنيهم الوحدة مع الجنوب ، في ذات الوقت يريدون إجترار هيمنة الماضي وفرض قيمه على نطاقات لم تعد قابلة بالوصاية والتبعية والغطرسة أيا كانت وايا كان مبرراتها او دوافعها ..تناقضات مؤلمة تطغى على العقل اليمني الذي يبدو مزعزع العقيدة سقيم الوجدان وتائه نتاج فشل السلطات في إنجاز تطلعاته بما في ذلك الفشل في تأكيد هويته الجمعية ناهيكم ان سياسة الهيمنة وفرض قيم التبعية ومحاولة فئة بذاتها الاستمرار في الوصاية تارة باسم (الوصاية) واخرى باسم (الولاية ) والتعامل مع الاخر الوطني بمنطق الإستعلاء والغطرسة معتمدين على فلسفة القوة وليس على شرعية القوة ..!!
بيد ان الصراعات الاخيرة فجرت كل حالة الاحتقانات الاجتماعية لنبدو فعلا وكاننا مجموعة شعوب تتوق للحرية والإنعتاق من بعضها ، شعوب تجمعها حقيقة واحدة هي ( الكفر بالأخر ) الوطني والرغبة بالتخلص منه ، وكل طرف يرى إن بتخلصه مما يتصور إنه ينافسه ويهمش وجوده ،سيجد نفسه اكثر حرية وسعادة وأستقرار وتقدم إجتماعي ، وهذه الرؤية هي شكل من اشكال الوهم الخرافي ،لكن يصعب في هذه اللحظة إقناع أطراف الازمة بانهم جميعا واهمون وأنهم جميعا مهزومون ، وان كل ما يسعون إليه هو عبث وفوضى وتدمير للقدرات ، بل إن كل ما يجري هو انتحار جماعي طوعي أطرافه يتوهمون إنه ذاهبون للنعيم فيما الحقيقة البائنة تؤكد أن الكل يتجه إلى ( الجحيم ) الكل دون إستثناء وان هذه الشعوب المتناحرة مصيرها كمصير فقراء اليهود الذين لا طالوا مرق الدنياء ولا خمر الاخرة ؟!!
ان اليمنيون ينتحرون بإرادتهم ويتوهمون إنهم يصنعون امجادا ، وعليه فأن حالهم لن يكون اسعد حالا ممن قالوا ( ربنا باعد بين اسفارنا )..؟
لكن ثمة حقيقة ستبقى راسخة وهي ان كل ( أبطال المرحلة دون إستثناء سيلعنهم التاريخ وستلعنهم الاجيال القادمة ) باعتبارهم اسوى العابثين بالوطن والشعب في زمن العلم والمعرفة والتطور الإنساني الخلاق ..
فيما ( العدوان ) الحاصل بكل جرائمه وبشاعته هو نتاج الغباء والفشل ، ولوا كان هناء حكما وعقلاء واصحاب مشروع وطني لما كان العدوان اصلا ولن يكون ، لكن الأغبياء والفاشلين هم من جلبوا العدوان ليستكمل ما عجزوا هم عن فعله ببعضهم ..تبا لها من نخب وفعاليات ،إذ لولاهم لما كان العدوان ولما كان هذا حال البلاد والعباد ..فكل ما يجري هو حصيلة غرور وغطرسة هذه النخب والمرجعيات والزعامات الحاقدة التي تقول للشعب والوطن صراحة وبالفم المليان إما ان نحكمكم أو نقتلكم وندمر وطنكم ..وهذا ما يحدث فعلا ..!!
للموضوع صلة |