ريمان برس- خاص -
من حق كل إنسان أن يحترم )رمزه الوطني أو قائده السياسي) او ( مرجعه الديني ) ، ومن حق كل مواطن أن يحترم ويعتز برموزه ( السيادية ) و ( بمرجعياته ) دينية كانت أو سياسية أو إجتماعية أو قبلية ، شريطة أن يكون كل هولاء عند مستوى إحترام وتقدير أتباعهم ، وأنهم فعلا يجسدون القدوة الحسنة والنموذج المثالي في افعالهم وسلوكياتهم ومواقفهم ، لكن بعيدا عن ( العصبية والتعصب ) على حق او باطل ، فالوطن هو من يستحق الولاء والتضحية ، والوطن هو من يفترض ان يكون أكبر من الأشخاص أيا كانت مكانتهم وكانت مواقفهم أو علاقتنا بهم فليس هناك من يستحق ولائنا اكثر من الوطن ، وليس هناك من يستحق تضحياتنا غير الوطن ، فالوطن اكبر من الاشخاص والرموز والمرجعيات مهما كانوا وكيفما كانوا ، علاقتنا بكل هولاء مقياسها مواقف كل هولاء من الوطن والمصلحة الوطنية ومن إنجازاتهم الوطنية التي يجب ان لاتكون عنوان للمزايدة والمتاجرة والمن ..!
في هذه البلاد مشكلتنا مركبة وازمتنا معقدة ولذا يصعب علينا بل يستحيل أن نبني وطن أو نوجد دولة المؤسسات أو نقيم سلطة عادلة ، يستحيل حدوث ذلك لأسباب ذاتية وموضوعية اهم هذه الاسباب إننا مجردين من كل قيم الإنتماء الوطني ؟ وأننا محكومين بالعصبيات القبلية والمذهبية والطائفية والمناطقية والحزبية والوجاهية ..؟
وتلكم هي عوامل التخلف ومقومات التجهيل وهي سائدة في بلادنا وطاغية بحظورها في وجدان _ الجيل الراهن _ تحديدا الذي تشرب هذه القيم خلال نصف قرن من الزمن ، نصف قرن قضيناه في معارك الصراع على السلطة والحكم والسلطة والمحاصصة والتقاسم وكم لك ؟ وكم لي ؟ وهذا حقك ؟ وذا حقي ؟!
منذ قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي أنتصر فيها التيار الرافض لحكم الإمامة ، بدأت الصراعات داخل هذا التيار على السلطة ، ومن يجب أن يكون هو القائد ؟ ومن يجب أن يكون هو الرئيس ؟ ومن هو الوزير ؟ وهذه الوزارة لمن ؟ وهذه القبيلة كم حصتها ؟ وهذا الحزب كم نصيبه من المناصب والمغانم ؟ لهذا وبسبب هذه التصرفات التي تسلح أطرافها بكل العصبيات القبلية والحزبية والطائفية والمناطقية والمذهبية ، فتبخرت الثقافة الوطنية وضاع الولاء الوطني ، وبعد مرور الزمن وإتساع حركة التنمية في المحيط ، أخذت الصراعات تأخذ مسارات بعيدة عن المسار الوطني الجامع وبمعزل عن الهوية الوطنية والولاء الوطني ، فأصبحت المرجعيات الرمزية حزبية كانت او مذهبية او مناطقية أو طائفية أو قبلية هي السائدة وأصبح الولاء لهذه المسميات الرمزية يحظى بأولوية عن الولاء الوطني الذي تم تهميشه كما تم تهميش وطمس قيم الهوية الوطنية ، هذه الثقافة التي حلت بديلة عن الثقافة الوطنية برزت منذ اللحظات الاولى لثورة سبتمبر بل من صبيحة يوم الثورة أي من صباح يوم 26 سبتمبر تحديدا ، وأستمرت تنموء وتتسع إلى عامي 77 / 78 م لتكرس كثقافة بديلة عن الثقافة الوطنية في عهد الرئيس السابق ( صالح ) الذي شيدا كل منجزاته على قاعدة المحاصصة والتقاسم ومساندة ( القبيلة ) ودعمها على حساب الدولة والسلطة والهوية الوطنية ، وأن حاول الرئيس السابق تلميع عهده بإبراز بعض الوجوه في سياق إيجاد صورة توازنية للسلطة وفي مفاصلها تعبر عن وجود صوري لوحدة وطنية كانت للأسف منخورة من داخلها وكانت أشبه ( بإعجاز نخل خاوية ) وهذا ما يمكن معايشته ومشاهدته واقعيا _ اليوم _ من خلال الصراع الدائر والدموي والذي ما كان لهذا الصراع ان يكون لوا كانت الهوية الوطنية وقيم الولاء والإنتماء الوطني قد ترسخت في الوجدان والذاكرة الوطنيتين ..؟!
اليوم نرى ونسمع ونتابع أحداث مفصلية عاصفة وغير مسبوقة ، ظاهرها ( التصدي للعدوان ) وباطنها ( صراع مصالح ) وصراع تسلط وإستبداد ، وياخذ هذا الصراع مسارات ( مذهبية وطائفية ومناطقية وقبلية ) أكثر من كونه صراعا ( سياسيا ) ذو دوافع ( حزبية ) ..إنه صراع يسعى أطرافه للإنتصار لرمزيات ومرجعيات أكثر من كونه صراعا غايته الإنتصار لوطن ولقيم الهوية الوطنية الجامعة التي تؤكد واحدية الهوية والإنتماء ..!!
قد يغضب البعض من ( كلامي ) هذا ، وقد يشتمتي البعض الاخر ، وقد اواجه تهم لا حصرا لها ، لكن تلك هي الحقيقة ، نحن نتصارع من أجل ( الزعيم ) و( السيد ) و ( الرئيس ) و ( الجنرال ) و ( الشيخ ) و ( الامين العام ) و ( النائب ) و ( الأستاذ ) ومن أجل ( الحزب ) و ( التنظيم ) ولا نرى في صراعنا هذا لغير هولاء ، ونتجاهل بالمطلق الوطن ومصلحته ، والشعب ومعاناته ..؟!
فما يجري ليس فيه مصلحة وطنية ولا مصلحة شعبية ، بل أين ؟ وكيف ؟ ستكون مصلحة الوطن والشعب مما يجري ؟!!
ها نحن نرى ونشاهد الوطن يتجزاء وجدانيا وجغرافيا ، والشعب يعاني ويتضور جوعا وخوفا ويفتقد لأبسط متطلبات الحياة بحدها الادنى حتى تلك التي كانت مكفولة في زمن النظامين ( الكهنوتي والاستعماري ) وهو ( الامن الاجتماعي ) الذي يتيح للمواطن البحث عن لقمة عيش وأن مغمسه بالذل ، هذا الأمن مفقود _ اليوم _ لدرجة أن كل مدينة لا تطيق بعضها ولا ترغب بوجود الوافدين فيها ، فيما بعض المدن يعيش قاطنيها حالة قلق وترقب ، والنضال لدعاة الوطنية لا يتعدي جروبات ( الواتس ) و ( الفيسبوك ) وشبكات التواصل الإجتماعي ، وليس لهم على الارض وجود لأنهم عاجزين عن ترجمة قناعتهم المعلنة فيسبوكيا او عبر الواتس وشبكات التواصل ..؟!
قطعا لست ضد ( عفاش ) بل كنت اكثر من دافع عن عهده ليس حبا ب ( عفاش ) كشخص ، لكن حبا بإستقرار الوطن والمجتمع ، كنت اعرف وأرصد وأراقب التجاوزات التي شهدها عهده ولكن كنت أمني نفسي بأن تصلح الاحوال بعيدا عن الصدامات والصراعات المجتمعية ، وحين جاءت عام 2011م وقفت مدافعا عن ( نظام ) لي عليه تحفظات لا حصرا لها ، لكني كنت أرى بوضوح ما يحدث اليوم ؟ لذا كنت اعبر عن مواقفي من قناعة وطنية شاملة تسعى للإصلاح التدريجي بعيدا عن الصراعات الدامية ، ولكن للأسف الجهل بتاريخنا الوطني والجهل تحديدا بأحداث الثورة وما رافقها من صراعات دفع البعض للتعصب والتمرد وها هي الحصيلة التي نعيشها وهذا ما كنت أخشاه منذ بداية احداث 2011م ..؟
أن التحولات الحضارية الوطنية لا تقاس بعدد الشوارع والمدارس والجامعات والمرافق الصحية ، ولا بتعمير وتوسيع المدن ، إنما التنمية الحقيقية هي تنمية الإنسان وربطه بهويته الوطنية وبقيم الولاء الوطني الذي يعد اساس التربية الوطنية .. أن عدد المدارس والجامعات ليست مقياس للتنمية إذ كانت مخرجاتها دون المستوى المطلوب في حده الادنى ..؟!
أن المستشفى كمبنى لا قيمة لها ان لم يكن كادرها ينتمي فعلا لشريحة ( ملائكة الرحمة ) ويقدمون خدماتهم لبسطاء الناس بأمانة وإخلاص ..؟!
أن الشوارع التي توجد هي طرق للموت أن لم نستوعب ونؤمن بتعليمات المرور وقواعد السلامة كثقافة مكتسبة ..؟!
نعم حقق ( صالح ) منجزات لكنه اخضع كل قيم الثورة والجمهورية واعاد تفصيلهما وفق مقاس ( عبد الله بن حسين ) وتلبية لرغبته ..؟ والوحدة حين تحققت لم تدوم لأكثر من ثلاث سنوات ثم تم إخضاعها وتطويعها حسب رغبة ( عبد الله بن حسين ) وحين اقول ( عبد الله بن حسين الاحمر ) فاني اقصد هيمنة وسيطرة ( القبيلة ) على ( السلطة ) وهذا ما تم فعلا ، ولولا ذلك لما كان هذا حالنا اليوم ..؟!
حين سلم ( صالح ) السلطة اعتبرنا الامر تقليد إستثنائي غير مسبوق وفعل حضاري متقدم ، واشدنا بالرئيس الذي فرض علينا إنتخابه قهرا وقسرا في إستفتاء لم ينافسه فيه أحد ..؟! وهو الإجراء الذي تخلينا بموجبه عن ( الديمقراطية ) كحق مكتسب بحسب الدستور ..!!
كنت ضد ( مؤتمر الحوار الوطني ) منذ اللحظة الاولى وقاطعت حتى كإعلامي كل فعالياته ، خاصة بعد ان قدمت الاحزاب كشوفات عن ممثليها ورفضهم بن عمر الذي طلب من هذه الاحزاب ممثلين عنهم من كل محافظة وحدد هذه المحافظات وكم يريد شباب وبنات من كل محافظة فاستجاب المشاركون بالزفة لطلباته فتخلوا بموجب هذا التجاوب عن سيادتهم وقرارهم ومواقفهم ..؟!
ومع ذلك دافعت عن ( شرعية هادي ) وطالبت بمنحه فرصة لإخراجنا من النفق المظلم ، ومع ذلك لم يخرجنا ( هادي ) من النفق بل ( أدخلنا جحر الحمار ) ..؟!
وقفت مع ( انصار الله ) وتحمست لطروحاتهم ( الثورية ) ونزلت لساحة ( عمران ) وتفاعلت مع ( مشروعهم الثوري ) وقدمت نصائح صادقة لهم وكنت ضيف دائم في ( قناة المسيرة ) ، وباركت لهم بنجاحهم يوم 21 سبتمبر وقلت لهم حرفيا ( الأن بإمكانكم تصحيح مسار ثورة سبتمبر والانتصار لمشروعها الأجتماعي للتغير والمواطنة المتساوية وتكريس قيم الهوية والإنتماء ) فقالوا حرفيا ( أيا ثورة سبتمبر كانت إنقلاب على نظام شرعي والبيعة لاتزل برقبة الشعب ) ..؟!
فآثرت السلامة والإنزواء وكسرت كل أقلامي لقرابة عام ونصف ، و( نقلت لتعز )واختفيت أراقب امر الله إلى أين سيقودنا ..؟!
صراعنا على السلطة والثروة قادنا للعدوان والإحتراب الداخلي ورغبة كل طرف بالإنتصار لمشروعه الخاص وليس هناك مشروع وطني لدى كل أطراف الصراع ..؟؛
نعم أقولها وبكل أسف ليس هناك مشروعا وطنيا لدى اطراف الصراع الدائر في اليمن ، بل هناء صراع مصالح ذاتية حزبية وقبلية ومذهبية ..تداخلت فيه واستغلته اطراف إقليمية ودولية ويدفع ثمن ذلك اليمن الأرض والإنسان والقدرات والقيم والإخلاقيات والروابط الاجتماعية ..ومع كل هذا لانزل نغير ونثور دفاعا عن رموز واشخاص ومرجعيات اوصلتنا ( نرجسيتهم وغرورهم واحقادهم ورغباتهم بالإنتقام ) إلى ما نحن عليه اليوم من تمزق وشتات وقهر وخوف ولا نعلم بعد إلى أين سنوصل أو ستقودنا ( نرجسية وغرور واحقاد ورغبات الانتقام ) التي جبل بها رموز نقدسهم بل نرى فيهم الوطن وكل الشعب ..؟!
وبالتالي فان واقعنا يصعب تجاوزه او الخروج من نفقه المعتم ما لم نفكر بوعي وطني ونؤمن ان الوطن اكبر واهم واغلى من الرموز مهما كانوا وكيفما كانوا ، ونحترم حق بعضنا بالمواطنة والمساوة والعدالة والحياة الكريمة الشريفة ..
أن مسارنا المتخلف لن يستقيم طالما ونحن نقدس الرمزيات ونجعلها تتجاوز قدسية عن قدسية الوطن ، ولن نتقدم ونغلق ملفات صراعاتنا الدامية ، طالما بقينا في دائرة الإستلاب نجتر مآسي الماضي بكل عفانته لنسقطها على واقعنا اليوم ..؟!
وختاما اقول أن من يعشقوا ( العبودية ) لا يمكنهم ان يكونوا ( احرارا ) أو يصنعوا الحرية وأن زعموا ..؟! |