ريمان برس- خاص -
يجزم كل ثوار واحرار اليمن أن ثورة سبتمبر 1962 م لم تنتهي مهمتها يوم 26 سبتمبر من ذلك العام وأيضا لم يكن ذلك اليوم الخالد نهاية لمعاناة الشعب ، أو فيه أنتهت مهمة الضباط الاحرار بل في ذلك اليوم بدأت مسيرة الثورة وبدأت رحلة ترجمة أهدافها التي حملت آمال وتطلعات الشعب اليمني ورغبته في الإنعتاق من شرنقة النظام الكهنوتي والمستعمر البريطاني في جنوب الوطن .
وقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن التباينات بدأت مع إذاعة البيان الأول للثورة الذي حمل أهداف الثورة وتفاجئ أعضاء تنظيم الضباط الأحرار بتعديلات برزت على صيغة الأهداف ومع ذلك قبل الضباط تلك التعديلات بعد أن أوكلوا المهمة للقاضي عبد الرحمن الإرياني والنعمان وعلي صبرة ، وانهمك الجناح العسكري في مهمة تثبيت العهد الثوري امنيا وعسكريا ، وقد حاول المشير السلال ترحيل أو تجميد تلك التباينات والإتجاهات إلى ما بعد ( التمكين والسيطرة ) الكاملة على مقدرات الامور وإستباب الامن والأستقرار ، غير أن هناك تحديات برزت لتضع الثورة وقادتها وابطالها امام تحديات خطيرة يصعب تجاوزها أو التقليل من مخاطرها ، وكانت ابرز تلك التحديات هي إعلان كل من ( السعودية _ الأردن _ إيران _ بريطانيا _ أمريكا _ ألمانيا ) رفضهما الاعتراف بالثورة والتمسك بشرعية النظام الكهنوتي ، فيما من رحب بالثورة وأعلن اعترافه بها في يومها الاول هما ( الجمهورية العربية المتحدة _ الاتحاد السوفييتي ) ..
صباح يوم 27 سبتمبر 1962م أتجه الملازم علي عبد المغني برفقة مجموعة من الضباط إلى مدينة حجة التي لم يجدوا فيها المخلوع ( البدر ) وتأكد الملازم علي عبد المغني ان المخلوع ( البدر ) قد غادر فعلا محافظة حجة وبالتالي دخل الحدود السعودية لاشك في ذلك ، فقفل عائدا إلى صنعاء لحظور إجتماعا موسعا وعاصفا بين القادة العسكريين والمدنيين ،عقد صباح يوم 28 سبتمبر حيث أستمع الجناح العسكري لكل المواقف التي تخندق عليها الثوار المدنيين بكل توجهاتهم ، وأنتهى اللقاء بتأجيل كل تلك التباينات والرؤى إلى ما بعد الإنتهاء من تأمين الثورة ، لكن مساء ذلك اليوم تلقت قيادة الثورة أول رسائل رد الفعل عبر ( إذاعة مكة المكرمة ) التي أذاعة بيان ادانتها لما اسمته ( الإنقلاب الشيوعي ) وأكد البيان على شرعية نظام الكهانة وعلي ان ( البدر ) هو الإمام الشرعي والشعب اليمني برقبته ( بيعة للإمامة ) وعليه أي على الشعب ان يتصدى ( للإنقلابيين الشيوعيين ) الذين تحركهم (أيادي خارجية) ..؟!
في اليوم التالي كان (الأمير الحسن) في مارب يحرض القبائل ويغدق عليها بالاموال لإستعادة حكم هم بايعوه على ( السمع والطاعة ) ..؟!
أتجه الملازم علي عبد المغني باتجاه مارب على رأس قوة عسكرية لمواجهة ( الحسن ) وجماعته ، واتجه مجموعة من الضباط إلى عدة مناطق حدودية ، كميدي وحرض لحماية الحدود والتصدي لأي محاولة إختراق ، وكان ضمن من توجه لميدي وحرض الملازم عثمان أبو ماهر المخلافي الذي كان قائدا ومسئولا عن تلك المناطق ..
كان تفكير الجميع في صنعاء عسكرين ومدنيين ينحصر في رد فعل معروف ومتعارف عليه في كل الثورات ، ولم يكن يخطر ببالهم أنهم فتحوا أبواب جهنم على أنفسهم وعلى وطنهم وعلى شعبهم بل وعلى الامة العربية بكل قدراتها ، ولهذا _ حمل أحد واهم كتب الدكتور عبد الرحمن البيضاني عنوان أزمة الامة العربية وثورة اليمن _ لأن الثورة اليمنية فعلا كانت أهم واخطر ثورة عربية على الإطلاق ، وتصدت للإرادة الشعبية اليمنية ثروات وقدرات النظام ( السعودي ) وخلف النظام السعودي وقفا داعما ومساندا ومؤازرا كل من الولايات المتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة البريطانية ، وألمانيا الغربية ، والمملكة الأردنية الهاشمية ، والإمبراطورية الإيرانية ، و ( الكيان الصهيوني ) بكل ادواته وقدراته وإمكانياته ..؟!!
كان مدير مكتب الملك فيصل قد دخل عليه لغرفة نومه وابلغه أن اليمن اعلنت الجمهورية ، فنهض فيصل من فراشه ليرد على مدير مكتب وهو في حالة ذهول ( الله يلعن الجمهورية ويلعن تعز ) ..؟!
كان فيصل يعلم جيدا بحكم خبرته وعلاقته ان الجمهورية والثورة لن تاتي ضد أسرة حميد الدين إلا من تعز التي تعد حاضنة التنوير الثقافي والفكري ومدينة العلم المتطلعة للتقدم والتطور والحرية والعدالة ، والرافضة لكل قيم الإرتهان والعبودية والتبعية وحياة الجهل والتخلف ، وكان أبناء تعز في بلدان المهجر وخاصة المهاجرين في قارة ( إفريقيا ) قد لعبوا دورا محوريا في دعم ومساندة حركة الاحرار وتقديم كل اشكال الدعم المادي والمعنوي للأحرار في سبيل التخلص من نظام آل حميد الدين وأستبدادهم وتخلفهم ، وكذا التخلص من الحليف الرئيسي والحارس الوفي لنظام الكهانة وهو النظام الإستعماري في جنوب الوطن ..
في 28 سبتمبر، أعلنت إذاعة صنعاء وفاة الإمام ( البدر ) بهدف إرباك أتباعه في الداخل كجزء من حرب نفسيه وكان هذا الخبر أكثر من موفق لأنه كان بالإساس موجه لإتباع وفلول النظام في الداخل ، كما أوجد الخبر حالة إرتباك بين القبائل الموالية للكهنة وكانت غالبية القبائل مع النظام الكهنوتي بإستثناء قبيلة ( الحداء ) التي كانت جمهورية وقدمت تضحيات كبيرة في سبيل الثورة والجمهورية ..
في 30 سبتمبر، وصل من القاهرة العميد / علي عبد الخبير على متن طائرة خاصة ،لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة ، والذي ما أن وصل حتى طلب من القاهرة إرسال كتيبة من قوات الصاعقة في الجمهورية العربية المتحدة لتكون مهمتها حراسة المنشأة السيادية في العاصمة صنعاء ، والعمل على تأمين وحراسة المشير عبد الله السلال، رئيس مجلس قيادة الثورة، لآن الوحدات العسكرية اليمنية الموجودة توزعت على المحاور الحدودية وبعض المحافظات لمواجهة أي رد فعل من أتباع ورموز النظام البائد ، وفعلا وصلت هذه الكتيبة إلى مدينة الحديدة في 5 أكتوبر 1962 م .
وهناء بدت معركة وطنية ببعدها الإقليمي والقومي وتداخلاتها الدولية ، في مشهد بدأ للثوار والاحرار ولكل عامة الشعب وحتى لعقلاء العالم ، مشهد بدأ غريبا وعجيبا وكأن هذا الشعب الذي قرر ان يتحرر من أنظمة القهر والاستبداد والغطرسة والكهانة والدجل ، أقول بدأت سياسة رد الفعل على الثورة وكان هذا الشعب أرتكب جريمة تفوق جرائم ( النازية ) ان كان ( النازيين ) فعلا أرتكبوا جرائم بحق العالم ..؟!!
المهم تكالبت كل القوة ضد الشعب اليمني وثورته ، واعتبر هذا العالم الشعب اليمني ( مجرم يستحق العقاب) على قيامه بالثورة ضد اعتى نظام كهنوتي متخلف ومستبد ..؟!
نعم لم تواجه ثورة في كل الدنياء ما وجهته ثورة 26 سبتمبر عام 1962م ..الثورة التي لم تعرف أجيالنا قيمتها ، ولم تعرف حقائقها ، ولم تعرف أبطالها ، الذين لم يكتبوا مذكراتهم ، ولم يعيشوا لعهد القنوات ليحتلوا مواقعهم في الاستديوهات ليكذبوا على الشعب وينسجوا لأنفسهم بطولات وهمية وحكايات أتحداهم أن يثبتوها ، فيما الابطال الحقيقيين إما أستشهدوا في سبيل الثورة والجمهورية ، أو لم يتحدثوا خجلا بعد ان شاهدوا ( اللصوص ) يتسابقون خلف الميكرفونات ليسوقوا قصص عن بطولات لم يقوموا بها ، لأنهم لو كانوا ابطالا فعلا لما عاشوا حتى اليوم _ لأن قرار تصفية وتهميش ثوار سبتمبر كان ضمن أهداف أعداء الثورة حتى بعد المصالحة المزعومة _ ولم تعرف أجيال اليوم بكل مشاربها الفكرية ومنطلقاتها الإيدلوجية ماذا جرى في سبتمبر ؟ وماذا جرى لسبتمبر ؟ وماذا يجري اليوم لسبتمبر واكتوبر ؟ ولماذا ؟!!
أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تعد أهم ثورة عالمية ، وأهم ثورة إقليمية وقومية ، وهي الثورة الكونية الوحيدة التي واجهت تحديات تفوق ما واجهته الثورة ( البلشفية ) في الإتحاد السوفييتي ، وما واجهته ثورة سبتمبر من المخاطر يفوق ما واجهته الثورة ( الفيتنامية ) بقيادة ( هوشي منه ) ..وليس هناك ثورة قامت على خارطة الكون واجهت تحديات ومخاطر كما هو حال الثورة اليمنية ولا تزل 26 سبتمبر مطلوب رأسها وقيمها واهدافها بل حتى أسمها مطلوب طمسه من الذاكرة الوطنية وهذا قطعا لن يحدث مهما جارت النوائب على شعبنا ..؟!!
يتبع |