ريمان برس -خاص -
حفلة مازوشية ... برأس مثقوب
كل هذا الجنون لا يكفي ..
حرب .. دمار .. فقر .. اوبئة .. جهل .. جوع .. موت يحيط بالأطفال في اليمن ...
ونحن بكل برود نتجاهل كل هذا، بل وكثير من الاطفال الضحايا في التهريب والاختطاف والعمالة والتجنيد القسري والاستغلال، حتى وصل الامر إلى التعذيب الوحشي للأطفال..
كأن الموت لم يعد كافياً لإشباع النزعة الجنونية للعنف، إننا يا سادة حين نتجاهل وضع الحلول لهذه الحالات نعد شركاء في الجريمة، شركاء في القضاء على الطفل والطفولة...
هناك طفلة فقيرة إسمها تيسير في الحادية عشرة من عمرها تجلس متجمدة من الخوف والألم، كتمثال منحوت على سرير المستشفى، ترتعش بقوة كأنه الشيء الوحيد الذي تستطيع فعله، تتنقل عينيها في كل الوجوه تحاول إشباع خوف لا يبرأ، ترتقب أن يأتي الموت مرتديا جسد احد منهم.. جالسة مستسلمة للمجهول...
كانت متسخة.. نحيلة.. وباردة..
وما كنا إعتقدنا أنه اتساخ، كان هو آثار التعذيب، حروق.. كدمات.. جروح حادة.. تنتشر في كل جسدها الصغير.. وثقب كبير في رأسها يصل إلى الدماغ..
لم يعرف أحد أن تيسير كانت قرباناً لنزوات ابيها وزوجته الوحشية،
أنها مذ توفت امها وتزوج ابوها بالثانية، أصبحت تتعرض لحفلات التعذيب اليومية، كان ابوها بطل هذا العرض، وزوجته هي المعدة لهذه الحفلات المازوشية، وحين انها محرومة من التعليم، أو اللعب أو حتى ممارسة طفولتها لم يلاحظ أحد أي شيء..
حتى أبلغ الجيران قسم الشرطة بالمركز بأن الأب يعتدي على ابنته الصغيرة بالضرب المبرح.. وتم استدعاء الأب واحتجازه.. وكما هي العادة.. أفرج عنه بكفالة، لأن جدها واخوالها فقراء جدا ولا يستطيعون كفالتها، اعادوا إليه الطفلة مقابل تعهد بعدم التكرار..
لم يجرؤ أحد على السؤال عن تيسير.. فالطفل في مجتمعنا يعد ملكية خاصة بوالديه، إلى الحد الذي تلام الضحية على كونها ضحية، ويعاد الضحايا إلى أحضان جلاديهم...
وبعد ستة عشر شهراً.. تم اسعافها إلى المستشفى، ووصل البلاغ إلى المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وبرزت القضية إلى السطح..
وحين حاور رئيس المنظمة الضحية تيسير .. تحدثت عن أنها تتعرض كل يوم لصنوف مروعة من التعذيب على يد ابيها وزوجته منها التقييد.. الحرق.. الضرب باليد وبالعصا، والتجويع حد الاغماء.. وثقب كبير في رأسها سببه أن زوجة ابيها تحب كشط رأس تيسير بالسكين حتى إزالة أجزاء من الجمجمة.. وهذا كان سبب اسعافها إلى المستشفى..
كان التعذيب ممتعا جدا لأبيها وزوجته حد الهوس.. انهم كانوا يغرقون في لذة تعذيب الطفلة بكل وحشية..
إن صوتها الشبه معدوم يجعلنا تتسائل.. ما هو الحد الأعلى الذي يمكن معاقبة طفل؟
ما الذي كان يدور في عقل الأب حين كان يعذب ابنته؟ أي إجرام هذا الذي يحملونه في صدورهم حتى تتجرد إنسانيتهم ويفعلوا كل هذا بطفلة لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها؟
تم إبلاغ الجهات المعنية، وتم احتجاز زوجة الأب، واستدراج الأب الهارب حتى تم ضبطه وإيداع هذين الوحشين النادرين إلى السجن المركزي في المحافظة..
الان تيسير تعيش مع اخوالها الذين لا يستطيعون التكفل بعلاجها، ولا حتى سد الرمق..
الان تيسير تعيش وضعا نفسيا وصحيا واجتماعيا صعبا.. وما يزيد الأمر صعوبة، انه لا توجد مراكز متخصصة لإيواء الأطفال الضحايا، تأهيلهم نفسيا، وإعادة دمجهم في المجتمع..
هذه الظاهرة تسببها عوامل عدة.. منها عدم وجود تشريعات تجرم العنف الأسري، وأيضا أن المجتمع ينظر للطفل على أنه ملكية خاصة بوالديه..
ولا نغفل عن أنه قد يكون الأب وزوجته قد تعرضوا في طفولتهم للتعذيب.. فأصبحت فيهم هذه العقد النفسية المعروفة بالمازوشية.
حين نغفل عن علاج هذه الحالات، فإنها تنتشر، ويتزايد عدد الضحايا بشكل مخيف..
المخيف هنا هو كمية الحالات التي لم تظهر إلى النور..!
والى متى سينتظر الأطفال الضحايا حتى تخرج إلى النور.. وهل إذا ظهرت هذه القضايا سيتم علاجها بالشكل الصحيح والجذري؟ ام سيعاد الأطفال مرة أخرى إلى جلاديهم؟
|