ريمان برس - خاص -
قبل وبعد قيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر قدم رجال أرواحهم رخيصة من أجل حرية وكرامة شعب وسيادة وطن ، رجال قدموا من أجل وطنهم الدم والعرق والجهد والوقت والتضحيات وسخروا حياتهم من أجل قضية شعب وتقدمه وفي سبيل عزة وطن وتطوره وسيادته ومن أجل تكريس قيم ومبادئي وطنية جامعة تطمس تلك القيم ( الثيوقراطية ) التي سعت أأئمة الاستبداد والنظام الاستعماري لتكريسها وفرضها كموجبات يأخذ بها شعبنا قهرا وقسرا وعنوة ..!!
تضحيات جسام ودماء غزيرة نزفت من أجل عزة وكرامة وطن وحرية واستقلال وتقدم شعب ، تضحيات قدمها رجال مجهولون ، رجال لم يدونوا مذكراتهم ولم يصدروا كتبهم وسيرهم من كبرى المطابع البيروتية وبأوراق فاخرة ، ولكنهم كتبوا سيرهم بدمائهم على هضاب وسهول وجبال الوطن وعلى شوارعه المدن واحيائها وازقتها ورحل غالبيتهم حتى دون أن يذكروا ..!!
كثيرون هم الذين ضحوا من أجل ثورة سبتمبر وأكتوبر ، ولكن لم نعرف منهم إلا القليل ، لكن الكثير من ( الانتهازيين ) تحدثوا عن بطولاتهم الوهمية وعن قصص خيالية لم تحدث في الواقع ولكن بعضهم جعلها جزءا من الواقع بحكم النفوذ والمكانة التي استغلها لاحقا على حساب الثورة والثوار ، وكثيرا من ( الجبناء والخونة ) جعلوا من أنفسهم أبطالا ولكن عبر ( مذكرات ) زائفة تجند لصياغتها كتاب من خارج اليمن مقابل مئات الآلاف من الدولارات فقط لكي يغسل بهاء البعض تاريخه الملوث بالغدر والخيانة والعمالة والارتزاق والفساد ..؟!
والحقيقة أن قيم الوطنية والانتماء ظلت ديدن النضال الوطني لكوكبة من الوطنيين الذين استرخصوا حياتهم ودمائهم وأموالهم واوقاتهم من أجل اليمن وتقدمه والارتقاء بحياة أبنائه وتطورهم المادي والمعنوي ، هذه الكوكبة التي عاشت نضالها قبل الثورة وبعد الثورة وكانت لا ترى نفسها مجرد كوكبة تسكن في وطن اسمه - اليمن - بل كانت - اليمن - تستوطن وجدان وذاكرة تلك النخبة من الابطال المناضلين الذين ينتمون لشتى المدارس السياسية والحزبية ، نعم أولئك المجهولين وما أكثرهم الذين قضوا حياتهم من أجل اليمن الارض والإنسان ، فاستشهدوا في أقبية سجون و زنازين الإمامة والاستعمار - أولا - ثم بعد الثورة والاستقلال وما تعرض له المناضلين الوطنين من قمع وتنكيل وتهجير وتشريد واختفاء وقتل وتعذيب ومطاردات وما أكثر الوطنيين الذين قضوا قتلا وتعذيبا واخفاء قسري وفيهم من استشهد تحت التعذيب ومنهم من استشهد على مقاصل الحكام والأنظمة الشطرية المتعاقبة ، ومنهم من كتب عليه أن يعيش مشردا خارج وطنه لا لذنب أو جرم ارتكبه بل لأنه وطني حلم وعمل من أجل انتصار حلمه الوطني ، أبطال مغمورين ومهمشين كانوا وراء انتصار ثورة سبتمبر وأكتوبر ، ابطال صنعوا بعرقهم ملاحم الدفاع عن سبتمبر في ملحمة السبعين يوما وفي ملاحم أخرى غيرها ، وصنعوا ملاحم انتصار أكتوبر حتى رحيل آخر جندي بريطاني بغيض من جنوب الوطن ، ابطال صنعوا كل هذا المجد ، ثم دفعوا لاحقا ثمن وطنيتهم وانتمائهم لليمن الارض والإنسان ربما أكثر بكثير مما دفعوه في مواجهة أعداء الثورة ، ولمن لنخب انتهازية تسلقت الواجهة وتسيدت الصفوف الأولى وسعت للتخلص من كل الرجال الوطنيين إما بالقتل والتصفية أو بالتخوين وتلفيق التهم أو بالطرد والتنكر لكل المناضلين أو بالترغيب والتخويف وتكميم الأفواه ومنع من يعرف الحقائق من التحدث بها مقابل السلامة واجتناب غضب المتسلطين الانتهازيين ؟!!
حدث كل هذا ورغم ذلك ظلت الوطنية اليمنية تنافح عن ذاتها النضالية حتى العام 1990م ، في ذلك العام ووسط ضجيج الحدث بكل ( هلاميته ) وعلى إيقاع الصخب الوطني الأجوف انكفى أصحاب المبادئ والقيم والمثالية النضالية وتقدم قارعي الطبول الذين لم تكون اليمن يوما في وجدانهم بل كانت ولاتزال اليمن بالنسبة لهم خاضعة لجدلية الربح والخسارة وعلاقتهم بها بمقدار ما تحمل ( جيوبهم ) وبما لديهم من أرصدة في البنوك ؟!!
منذ عام 1990م صارت اليمن مجرد قطعة - جاتوه - تماما كتلك القطعة التي كانت تقطع بسيف الحاكم عند كل مناسبة ونرى تهافت الحظور كل يحمل ( طبقه ) ويزاحم لاخذ حصته من ( التورته - أو الكعكة ) الملونة بعلم الوطن ، ولم تكن تلك الكعكة إلا تعبيرا رمزيا لحقيقة العلاقة القائمة بين نخب الانفتاح والتحول الديمقراطي الزائف وبين الوطن الذي لم يعد له وجود في وجدان حملة الاطباق الباحثين عن حصصهم ، ومن يومها تحول الوطن الى مجرد قالب ( جاتوه) ونخب تبحث عن حصتها من القالب لا أكثر وبغض النظر عن كيفية الحصول على هذه الحصة حزبيا كان أو مناطقيا أو طائفيا أو مذهبيا ، لم يعد الوطن قضية مصيرية بل صارت المصالح هي أم القضايا ولدى الغالبية من الفعاليات النخبوية التي ترى مصالحها فوق مصلحة الوطن والشعب ..؟!
لكل ما سلف وصلنا إلا ما نحن فيه اليوم ، قتال ودمار ، ونهب وفساد وخوف وتجويع وقهر يومي منظم ومبرمج وفي كل الاتجاهات ولا احد يسمع لانيين الشعب ولا لصراخ الجوعى فيما أصحاب القرار يمارسون ما لم يمارسه نظامي الإمامة والاستعمار بحق اليمنيين ..؟!
نعم لم يمارس الاستعمار البريطاني ما تمارسه ( الشرعية ) اليوم بحق الشعب اليمني ، ولم يمارس النظام الامامي بحق الشعب اليمني ما تمارسه اليوم ( سلطة الأمر الواقع ) في صنعاء ، إذ كان النظام الامامي أكثر عدلا وكان الكل أمامه متساويين في القهر والجهل والظلم والجوع والفقر ولم تكن الوظائف في عهد الإمامة مخصصة لشرائح بذاتها ،بل كان المواطنيين يتساوون بالحقوق والواجبات حتى بالظلم ..
يتبع |