ريمان برس - خاص -
بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م خرجت مصر وقيادتها وثورتها بانتصار سياسي كبير ذو أبعاد استراتيجية الأمر الذي مكن الرئيس جمال عبد الناصر من البدء بإدارة التحولات الحضارية وعلى مختلف الجوانب تجسيدا لاحلامه وتطلعاته و رؤية أمته تحتل مكانها الطبيعي تحت الشمس وفوق الارض وتؤدي دورها ورسالتها الحضارية والتاريخية كخير أمة أخرجت للناس ، لكن كانت احلام وتطلعات الزعيم جمال عبد الناصر في اتجاه والواقع العربي في اتجاه آخر ، كان النفط العربي وكانت فلسطين أحد أهم السببين اللذين دفعا القوى الاستعمارية إلى احتوى التطلعات والأحلام القومية العربية ، وكان فشل العدوان الثلاثي الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني قد أقنع واشنطن كقوة استعمارية صاعدة تنادي بالليبرالية والحرية وحقوق الإنسان ،بعدم جدوى الاستعمار العسكري المباشر وبالتالي لا بد من اختلاق وسائل احتوى جديدة لضرب التطلعات القومية والتشكيك بجدوى وفعاليات الاهداف الوحدوية ، كانت مصر عبد الناصر تخطو خطواتها نحو تحقيق أهداف النضال العربي التي تبلورة بثلاثة أهداف استراتيجية هي ( الحرية _ الاشتراكية _ الوحدة ) وانطلقت القاهرة في دعم حركة التحرر العربية والإفريقية والأسيوية والعالمثالثية ، فيما داخليا راحت القاهرة في خططها التنموية والاقتصادية بخطى ثابته ومعدلات نمو غير مسبوقة في المنطقة حسب تقارير البنك الدولي _ حينها _ لتضع مصر نفسها في مواجهة القوى الاستعمارية في فلسطين و الجزائر واليمن وأفريقيا ناسجة تحالفاتها مع القوى الثورية المناهضة للاستعمار ومع الأنظمة الوطنية المستقلة والمناهضة للقوى الاستعمارية .
لكن ( الغباء ) والتعصب الحزبي لدى بعض النخب العربية ، والثقافة القطرية ذات البعد الانعزالي لدى النظام الرجعي العربي ظواهر كانت بمثابة أهم الأسلحة الفتاكة والفاعلة التي وظفتها القوى الاستعمارية لضرب التطلعات القومية بل وضرب المشروع القومي العربي بكل مقوماته وأدواته ورموزه ؟!
كانت القوى الاستعمارية وحلفائها من قوى الرجعية العربية والمكونات الاقطاعية والقبلية والدينية والحزبية قد أفزعتهم خطوات ومواقف القاهرة والزعيم جمال عبد الناصر الذي وجد نفسه في مواجهة القوى الاستعمارية وحلفائها وأدواتها في الوطن العربي ، في الوقت ذاته كانت القوى الاستعمارية قد أقنعت أنظمة الرجعية العربية النفطية بأن عبد الناصر وتياره القومي الداعين للوحدة إنما يريدون تحت شعار الوحدة والعروبة السيطرة على ارزاقكم والتحكم بنفطكم ومشاركتكم به وهو ( رزق منحه الله لكم وحدكم وانتم أحق به )؟!
في الاتجاه الآخر استطاع المستعمر بوسائله الخاصة إقناع بعض النخب الثقافية والسياسية العربية بأن ( الناصرية ) تعمل على إلغاء وجودكم وطمس نضالكم وهوياتكم وتاريخكم النضالي ، وأنها تتوسع وتنتشر على حساب وجودكم الاعتباري ماديا ومعنويا ، فيما الجماعات الدينية راحت تكرس كل أنشطتها بل وطوعت كل قيم الدين وتراثه الثقافي لمواجهة عبد الناصر ومشروعه القومي باعتبارهم أعداء الدين والقيم الإسلامية والشريعة الإسلامية ؟!!
وفي هذا الاتجاه نشطت جماعة من ( البعث ) _ ليس كل البعث بل بعض البعثين _ إضافة إلى التيار اليساري ( الماركسي ) وبرغم تنافر الأهداف والقناعات بين هولاء والنظام الرجعي العربي والجماعات الإسلامية ، إلا أنهم التقوا جميعا في خندق مواجهة عبد الناصر ومشروعه ، وقد ساعدهم في هذا التوجه بيروقراطية وأخطاء بعض رموز النظام الناصري للاسف الذين لم يكونوا بمستوى الوعي الفكري والسياسي الذي يتحلى به القائد كما لم يكونوا بمستوى نزاهته ومصداقيته ومثاليته وإخلاصه لأمته ..
كان عبد الناصر قائدا عربيا استثنائيا يحلم بمجد أمته ويسعى لتحقيق هذا المجد والانتصار لقيمه وأهدافه القومية ، ولكنه لم يجد حوله الا ترويكا بيروقراطية مكونة أما من رموز ( انتهازية ) أو من موظفين ينفذون ما تصدر إليهم من أوامر ، موظفين رغم اخلاصهم للقائد وتفانيهم في تنفيذ ما يطلبه منهم إلا أنهم كانوا موظفين يحملون عقول مجدية يسعون لإرضاء القائد أكثر مما يسعون للانتصار للقيم والمبادئي والأهداف التي يناضل القائد لتحقيقها والانتصار لها وبالتالي كان هولاء عالة على المرحلة وهم اخطر على القائد من خصومه .؟!
لقد حاول القائد ايجاد أداة سياسية تعينه في إدارة التحولات الحضارية فعمل منذ البداية على إيجاد (هيئة التحرير ) ثم ( الاتحاد القومي ) ثم ( الاتحاد الاشتراكي ) ثم حاول أن يوجد تنظيم سياسي عقائدي يستوعب التحولات ويعمل على تحقيق أهداف النضال العربي فكان ( التنظيم الطليعي ) ولكن للاسف الشديد ، لم يتحقق للقائد ما كان يأمل فيه ويتطلع إليه ، ناهيكم أن ضروف المرحلة _ حينها _ جعلت القائد يواجه كل التحديات الداخلية والخارجية ويخوض كل المعارك شبه منفردا فيما من كان يفترض بهم أن يكونوا عونا له لم يكونوا الا صناع أزمات إضافية للرجل نموذج عبد الحكيم عامر وشمس بدران وصلاح نصر ؟!
يتبع |