الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
الثلاثاء, 17-مارس-2020
ريمان برس - خاص -

شهدت بلادنا ومنذ قرون مؤغلة بالقدم احداث وتحولات وانهيارات لممالك وأنظمة وسلطات على خلفية غياب العدالة بكل مناحيها السياسية والاجتماعية والقضائية ، وإذا كانت العدالة والقضاء هما الركيزتان الاساسيتان اللتان عليهما تقام الدول والممالك والأنظمة وبهما تشيد حضارات المجتمعات ويتحقق ازدهارها فان غيابهما في أي دولة أو مجتمع يعد من الأسباب الرئيسية لانهيار هذه الدول وتلك المجتمعات ، وخلال تعاقب العصور على مساراتنا الوطنية والتاريخية وما شهدته البلاد من انهيارات وتمزق وفتن وتعاقب الممالك والأنظمة التي كانت تنهار وهي في ذروة قوتها ولكن لغياب العدل والقضاء العادل والنزيه كتب بنهاية تلك الامبراطوريات والممالك المتعاقبة ، وفي تاريخنا المعاصر ومنذ سقوط نظام ال حميد الدين وقيام الثورة والجمهورية لم تطال التحولات الجهات القضائية ولم تعطي العدالة أهمية أو أولوية في أجندات صناع القرار فكان أن توالت الانهيارات لسلطات تعاقبت على مدى أكثر من نصف قرن لم يحظى القضاء ولا مخرجاته باهتمام يجعله يحتل اولويات الفعل نظرا لدوره في تكريس قيم العدالة لأننا اخضعنا دور وسلطة القضاء لرغبات النظام السياسي وجعلناه خادما لهذا النظام أو ذاك لا خادما للعدالة والشريعة التي نص على اتباعها والالتزام بها ديننا الإسلامي الحنيف الذي جاء به نبينا الخاتم عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام .. الذي بعثه الله ليكرس قيم الحق والعدل والحرية والرحمة والمودة ومكارم الاخلاق .
خلال أربعة عقود من عمري ومنذ وعيت وتفتقت مداركي سمعت الكثير من المصطلحات والمفاهيم والشعارات عن القضاء ورسالته وسلطته وسطوته واستقلاله ولكن للاسف لم اجد في الواقع شيئا من هذه الشعارات يطبق بل كان القضاء ولايزال خاضعا لسطوة النظام السياسي الذي يتحكم بتوجهات القضاء وباحكامه ومفاصله بدءا من تعيين القضاة والموظفين وصولا للقضايا التي نظر بها القضاء ومنها ماتم البت فيها ومنها ما نزل معلقة حسب رغبة صناع القرار الذين يتحكمون بالقضايا والقضاء والقضاة ويديروهم عبر الهاتف ..؟!
أعرف أن هناك قضايا مجمدة في المحاكم منذ عام 65م و70م من القرن الماضي لم ينظر القضاء فيها ولا اكترث بمعاناة أصحابها ، واعرف أن هناك عشرات بل مئات من جرائم القتل تمت بسبب تقاعس القضاء وتجاهله لقضايا أصحابها الذين ما كان لهم أن يلجاوا لقتال بعضهم لو وجدوا العدالة من القضاء أو تفاعل القضاة مع قضاياهم ، واعرف أن هناك مئات من الأحكام السياسية الباطلة والغير عادلة صدرت بحق شخصيات ورموز سياسية بدون وجه حق بل صدرت إحقاقا لرغبات النظام السياسي المتنفذ بحق خصومه وهي الظاهرة التي يعمل بها كل نظام يحل على أنقاض نظام آخر بدءا من الأحكام التي أصدرتها الثورة بحق رموز العهد الإمامي مرورا بالاحكام الصادرة بحق بعض المنتسبين لعهد الثورة ، مرورا بالاحكام الصادرة من قبل كل نظام يستولي على السلطة ويخون من سبقه فيها دون أن نغفل الأحكام الصادرة عام 1978م والصادرة عام 1994م وآخرها الأحكام الصادرة قريبا بحق رموز النظام السابق ، ناهيكم عن تلك الصادرة من قبل النظام الشطري في جنوب الوطن بدءا من يوم الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م مرورا بعام 1968م و69م 72م و78م وصولا لعام 1986م وكل هذا الأحكام الصادرة في العهد الشطري لو في العهد الوحدوي لم تكن أحكام قضائية عادلة بل كانت احكام سياسية بامتياز ..؟!
أحكام أصدرتها السلطات السياسية ولكن باسم القضاء الذي كان في كل هذه القضايا مجرد ( محلل ) أو واجهة ديكورية وحسب ..؟!
ففي عام 1990م فوجئنا بعشرات الرموز يحتلون مناصب سيادية رغم صدور بحقهم أحكاما بالاعدام في أوقات سابقة ، فيما هناك بضعة رموز لا تزال الأحكام الصادرة بحقهم قائمة ..؟!
أيضا في 94م صدرت أحكام بالاعدام بحق عشرات من الرموز ثم فوجئنا لاحقا ببعض من هولاء المحكومين يعودون ويحتلون مناصب سيادية مدنية وعسكرية وأمنية ؟! دون أن نسمع أن هناك إعفاءات صدرت بحقهم من القضاء ، بل لمجرد تصالحهم مع رأس النظام وبطانته سقطت كل تلك الأحكام وهذه قمة أو ذروة السلوك الامتهاني للقضاء وسلطته ورسالته وقدسيته ..؟!
إذا أين استقلال القضاء ؟ وأين قدسيته ؟ وأين حصانته ؟!!
لكل ما سلف سوف نظل في دائرة الصراع العبثي وفي دائرة عدم الاستقرار المجتمعي طالما ونحن نوظف القضاء ورسالته لمزاجية الحاكم ورغباته ، وأن يبقى القضاء سيفا بيد النظام يهوي به على رقاب خصومه ومن يختلف معه فتلك هي الكارثة وبالتالي وقبل الحديث عن السيادة الوطنية والكرامة والاستقلال الوطني ، يفترض أن نمنح السيادة والاستقلال والكرامة للقضاء اولا وان لا نجعل استقلال القضاء استقلالا صوريا بل حقيقيا وان نرفده بقضاة يتحلون بالعدالة والنزاهة والحرية والكرامة ،وقبل هذا وذاك يتحلون بتقوى الله ،قضاة يسعون لتحقيق العدل في الوسط الاجتماعي لا أن يسعون لتحقيق الثروة والامتيازات الخاصة والشهرة والوجاهة على حساب العدالة وعلى حساب هيبة ومكانة وقدسية القضاء ورسالته ..
في بلاد (اليهود والنصارى _ ومن هم بلاء دين ) هناك سلطة القضاء اقوى من سلطة الرئيس أو الملك أو الامبراطور واكبر من سلطة قائد الجيوش أو مدير الأجهزة الاستخبارية ولهذا نجد العدالة راسخة والمجتمعات مستقرة وهم يحكمون بقوانين وضعية فما بالكم بحالنا ونحن نحكم بشريعة وبقوانين سماوية بعثها الله مع نبيه الخاتم محمد ابن عبد الله عليه وعلى آله الصلاة والتسليم .. ففي بلاد الكفار نجد القاضي ينتصر للعدالة من الرئيس ومن القائد ومن كبار المليارديرات ، بينما في بلاد المسلمين نجد القضاء في خدمة الملك أو الأمير أو الرئيس أو الزعيم أو هذا القائد أو ذاك الشيخ النافذ ؟ لماذا والله سبحانه وتعالى ربط ديمومة واستقرار اي حاكم بتحقيق العدالة ورسوخها في مجتمعه ، وربط انهيار الأنظمة والدول بغياب العدالة وقيمها في المجتمع .
ان الله لا يرحم الظالمين ولا يوئد الظالمين ولكنه سبحانه لا ينصر المظلومين أن هم قبلوا بالظلم على أنفسهم ولذا فإن هناك ثمة قول مأثور يقول ( كما تكونوا يولى عليكم ) والمجتمع الذي يقبل على نفسه الظلم ويخضع لسلطة وجبروت الظالمين لن ينجوا من فيه من غضب الله وسخطه ، بل يسلط الله على هكذا مجتمع ولاة ظالمين ويدفعهم ضد بعضهم حتى يعودوا إلى جادة الحق ويعرفوا فداحة الظلم والافدح منه القبول به .
لقد اهلك الظلم امم وامبراطوريات ولا يزل الله سبحانه وتعالى الذي لا يغفل سبحانه عما يفعله الظالمين ولا هو غافل عن استكانة المظلومين بل يدفعهم بعضهم ببعض وهذا ما نحن فيه اليوم وما نعيشه سواء كنا حكاما أو محكومين ، فالله لا يظلم عباده ولكن عباده هم من ظلموا أنفسهم بنفاقهم وخشيتهم من الحاكم أكثر من خشيتهم من الله ومجاملتهم للحكام على حساب قيم الدين واخلاقياته وتعاليمه ، لهذا نجد أنفسنا اليوم نتحدث بإسهاب عن الدين ولا نطبق نصوصه ، ونتحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا نقتدي به ، ونبكي على ( الحسين ) ولا نقتفي أثره ونتحدث عن الأئمة والعلماء والثوار ولا ناخذ بمبادئهم وكل هولاء خرجوا ودفعوا حياتهم ثمنا لقول كلمة الحق ومقاومة الظلم ورفض سلطة المستبدين والطغاة ..لكن لم نفعل ما عملوا هولاء الأئمة الأسلاف العظام لأننا ركنا على القضاء العادل ..؟! ولكن أين هذا القضاء ؟ وكيف نوصل إليه ..؟ هذا هو السئوال

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)