ريمان برس - خاص -
تواصلا مع ما سبق أقول أن نظرية المؤامرة ليست مجرد نظرية وهمية أو خيالية لا أثر لها في الواقع ولكنها نظرية حقيقية موجوده رغم محاولة البعض إنكارها بدافع من تقدم وتحظر ..؟!
ومع ذلك لا يرتبط وجودها بكل الأحداث بل بأخطر الأحداث
قبل أيام حمل توماس فريدمان وهو الصحفي الليبرالي القريب من مركز صناعة القرار الأمريكي ، كتب الرجل في الواشنطن بوست مقالا تحدث فيه صراحة عن فشل الإدارة الأمريكية بالتعاطي مع كورونا مؤكدا أن الصين تخطوا نحو أهدافها بخطى حثيثة وواثقة محذرا الإدارة في واشنطن من مغبة التخاذل في حسم ( المعركة المصيرية مع الصين )؟! وما قاله ( فريدمان ) يعكس بالمطلق طروحات ( نعوم تشومسكي ) الذي يرى أن ( نهاية الرأسمالية المتوحشة قد دنت وان ترمب هو جورباتشوف النظام الرأسمالي والليبرالية الجديدة التي اعتمدها المحافظين الجدد منذ جورج بوش الأب ).؟!
المتأمل في تداعيات الأحداث الراهنة وكيفية إدارتها والتعامل معها يجد نفسه يستعيد تداعيات مرحلة ما قبل انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي بدءا من كارثة مفاعل ( تشرنوبل ) وما تلاء الكارثة من تداعيات ترافقت مع طغيان غطرسة ثقافية ليبرالية تحدث العالم عن الجنة القادمة ، وهو ما تحاول الليبرالية الجديدة ان تعيده للاذهان في محاولة من رموز هذا النظام الديمومة والتجدد من خلال توظيف الأحداث وابتزاز الخصوم فامريكا التي لم تخوض ولم تعيش ولم تضحي خلال الحرب العالمية الثانية ولكنها تدخلت في اللحظات الأخيرة لتحصد المكاسب وتفرض شروطها على المنتصرين وعلى المهزومين في تلك الحرب وتمكنت من فرض شروطها على ألمانيا المهزومة واليابان وايطاليا وايضا على بريطانيا وحتى على الاتحاد السوفييتي الذي قدم 26 مليون إنسان من أبنائه غير القدرات المادية والعسكرية ولو لم يكن الجيش الأحمر السوفييتي ما كان الانتصار ولما سقطت النازية , ومع ذلك واستطاعت أمريكا أن تحصد مكاسب يؤمها ولاتزال تستغلها وتوظيفها ضد المجتمع الدولي حتى اللحظة ..!!
مع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك حلف وارسو قفزت واشنطن بذات الطريقة لتحصد مكاسب سياسية واقتصادية وتعلن نفسها قائدة العالم الحر وتمنح نفسها شهادة بالسمؤ الأخلاقي والحضاري مع انها تعرف جيدا ومن خلال مراكز الأبحاث التابعة لها أن ذلك الانهيار كان له أسبابه ودوافعه وأنها شريكة وجزءا من ذلك الانهيار وليست منتصرة ..؟!
لأن العالم كان مركب على نظاميين قطبيين والمنطقي أن سقوط أحدهما يعني سقوطهما معا لكن واشنطن لم تعترف بسقوطها حينها بل اعتبرت سقوط الاتحاد السوفييتي نصرا لها وهذه كانت أكبر كذبة وخديعة مارستها واشنطن ضد المجتمع الدولي ولاتزال ..!
اعتمدت واشنطن في خداعها هذا فلسفة المفكر الليبرالي الانجليزي ( مالتوس ) الذي ذاع صيته في القرن السابع عشر الذي سبق ( ميكافليلي ) في تفسير الغايات وفي بناء الدولة والمجتمع وقدسية النخب المنتجه ؟! ومن أبرز تلاميذ ( مالتوس ) في العصر الحديث هم ( طوني بلير ) و ( ويل ولفوز ) و( ديك تشيني ) هولاء شكلوا معا المرجعية لجماعة المحافظين الجدد الذين حكموا أمريكا منذ العام 1990م وحتى اليوم ، إذ يعد دونالد ترمب من تلك العصبة مع بعض التعديل الذي أسقط بموجبه النزعة الدينية في خطاباته وشعاراته السياسية وسلوكه واتخذ الجانب المادي عنوانا للإدارة تحت يافطة مصلحة أمريكا وان في نهب وابتزاز الآخرين ، فترامب يعد نسخة من المرابي اليهودي ( شايلوك ) في مسرحية ( تاجر البندقية ) للروائي الانجليزي وليم شكسبير ..
كورونا وايا كان المنشى تبعه ، سوى كان سلاح بيولوحي زرعه الجيش الأمريكي حين شارك بمنافسة عسكرية دولية أقيمت في مدينة ( يوهان الصينية ) في أكتوبر 2019م أو كان فيروسا عابرا من الطبيعة فإن وجوده مثل فرصة لواشنطن التي سعت لاستغلاله ضد الصين بطريقة جد همجية ووقحة وخالية من كل القيم والمشاعر والاخلاقيات الإنسانية ..
بيد أن المتابع للماكينة الإعلامية الليبرالية خلال الأشهر الثلاثة الماضية وطريقة تبنيها لخطاب إيحائي نستنتج منه إن هذا ( الفيروس ) يمثل نهاية لآخر القلاع والتحصينات ( الشيوعية ) وبالتالي فإن هذا الحدث يمثل محطة تجديد وانطلاق لعمر رأسمالي جديد كعادة النظام الرأسمالي في اهتبال الفرص وتجييرها لخدمة أهدافه ، غير أن ثمة تناقضات بدت في تعاطي هذه الماكينة التي بدت ولا تزل منهمكة حتى الهلع على الخسائر المادية والبورصات والأسواق غير مكترثة بالضحايا من البشر الذين حضوا بتناولات ثانوية عابرة فالصخب الإعلامي الليبرالي لم يكن همه البشر الذين تساقطوا او قد يتساقطوا جراء تفشي هذا الفيروس بقدر ما كان هم الاعلام الليبرالي هو انهيار وخسائر اسواق المال ثم الوجه الاخر لهذا الإعلام هو التبشير الإيحائي بقرب سقوط اخر قلاع ( الشيوعية ) ..؟!
طبعا تفاؤل رأسمالي لم يكن موفقا لسبب أن فلاسفة الليبرالية سبق لهم واعترفوا بفشل تنبؤاتهم السابقة التي اطلقوها مع سقوط الاتحاد السوفييتي ومن هولاء كان ( فوكاياما ) نفسه صاحب كتاب ( نهاية التاريخ ) الذي عاد واعترف باخطايه في عام 2014م من خلال سلسلة مقالات نشرتها له كبرى الصحف الليبرالية ..
الأمر الآخر أن المتابع لدراما الحدث يجد نفسه وهو يتابع تداعيات الفيروس وكأنه يتابع فيلم ( اقتل بيل ) الذي أنتجته هوليود وتدور احداثة حول أسطورة الكابوي والقتل بواسطة ( الطرق الخمس ) وهي الضغط بالخمس الاصابع على جسم الضحية فيؤدي ذلك إلى انفجار قلب الضحية من الداخل وهذا ما كانت ترغب به واشنطن من الفيروس لضرب الإمبراطورية الصينية من الداخل ولكن المهمة فشلت والانهيار لم يحدث فقد كانت ( بكين ) جاهزة لمواجهة أي طارئ وهي تخوض حرباً سرية غير معلنة مع واشنطن والقارة العجوز منذ 2005م وهي حرب شرسة ومكلفة ومدمرة وعلى مختلف الجوانب التقنية والاستخبارية والاقتصادية والعسكرية ويأخذ الجانب التقني والمعلوماتي الحيز الكبير من المواجهة وتعترف واشنطن ومسئوليها منذ عام 2014م بضرورة تطويق ( تقنية الصين ) والحيلولة دون تمكنها أيضا في المضي قدما بمشروعها العملاق ( الحزام والطريق ) رهانات راهنت عليها واشنطن لكن بكين تجاوزتها واسقطت كل الرهانات وآخرها ما يتصل بالفيروس الذي تضررت منه الصين واقتصادها لكنها وهي التي خصصت ( ثلاثة الف وخمسمائة مليار دولار ) أي ثلاثة ترليون ونصف الترليون دولار كرصيد احتياطي لمواجهة أي طارئ أو كارثة قد تعترض طريقها وقد أنفقت في مواجهة الفيروس وتداعياته ما يعادل ترليون دولار أو اقل وقد خصصت مؤخرا ما يوازي هذا المبلغ لمساعدة شعوب ودول العالم في مواجهة الفيروس فيما واشنطن قلعة الإمبريالية المتوحشة تسعى للسيطرة على اللقاحات واحتكارها لمصلحتها دون الاكتراث بحياة البشر بقدر ما تكترث بالفوائد والأرباح وما قد تجنيه من خلال احتكار اللقاح وابتزاز وتطويع شعوب وأنظمة العالم من خلال هذا اللقاح ..؟!
لكن للاسف أخفقت واشنطن في الوصول إلى أهدافها المرجوة بفضل ذكاء وعبقرية التنين الصيني واسهامات الدب الروسي وبين التنين والدب من اين ( للفيل والحمار ) أن يكون لهما رأي أو موقف ..؟!
يتبع |