ريمان برس - خاص -
ظهر أمس بتوقيت واشنطن وصباح اليوم بتوقيتنا ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مؤتمره الصحفي الثامن منذ أعلن عن ظهور حالة كورونا في ولاية نيويورك ومدينتي نيويورك وواشنطن وبعض الولايات والمقاطعات والمدن الأمريكية ، ترامب ظهر في المؤتمر برفقة نائبه والمدعي العام الأمريكي وبعض المسئولين الذين عينهم الرئيس الأمريكي كفريق لإدارة أزمة كورونا ، حقيقة أذهلني منظر رئيس أكبر دولة في العالم وموقفه من الأزمة ، وأذهلني أكثر حديثه عن الأزمة ولو لم تكن على يقين من أنني اتابع بث مباشر للمؤتمر من داخل البيت الأبيض لما صدقت ما رأيت وسمعت حتى خيل لي أن هذا الرئيس يستحيل أن يكون رئيس أمريكا الدولة العظمى التي ترعب العالم وتتحكم بمصيره وتحاصر هذه الدولة وتعفو عن تلك وغالبية دول العالم وحكامها وأنظمتها ومسئوليها يستجدون ويتوسلون رضاء أمريكا ورئيسها عنهم ..؟!
ترمب بدأ خلال المؤتمر وكأنه رئيسا لافقر دولة من دول العالم الثالث مهزوز ، مرتبك ، يحذر ويتوعد ويهدد من يحتكر السلع ويخزنها ويستغل الوباء لتحقيق مكاسب مادية كبيرة ، فيما المدعي العام بدوره جدد التحذيرات والتهديدات التي أطلقها الرئيس ، واكتفى نائب الرئيس بسرد المواقف والإجراءات التي اتخذها الرئيس والتعليمات التي أصدرها وعلى الشعب الأمريكي الالتزام بها ، ولم يغفل الرئيس في التباكي على الشركات العملاقة وأهمية دعمها وأهمية سرعة إعادة فتح البلاد وتنشيط المرافق الاقتصادية والمصانع لأن أمريكا لم تعتاد على الاغلاق وتوقيف عجلة الإنتاج ..؟!
ترامب ظهر في مؤتمره الصحفي مع فريق الأزمة بعد أقل من ساعة من تناقل وسائل الإعلام العالمية والأمريكية مناشدة واستغاثة عمدة مدينة نيويورك الذي تحدث عن نقص هائل في المعدات والأجهزة الطبية واللقاحات وأجهزة الأكسجين مؤكدا ان مشافي المدينة عاجزة عن التعامل مع الجائحة بعد أن وصل المصابين بالوباء في نيويورك المدينة وحدها إلى 17 ألف حالة وتجاوزت الوفيات مائة حالة خلال 24 ساعة ..؟!
واذا اعتبرنا أن كل ما سلف يعد فعل طبيعي قد يحدث أسوأ منه في أي بلد من بلدان العالم ، لكن الأمر يختلف قطعا إذا تعلق بامريكا أكبر وأعظم دولة في العالم ، أمريكا التي دمرت ثلث دول العالم وتحاصر الثلث الآخر فيما الثلث الاخير يعيشون في حالة رعب وخوف منها .. هذه أمريكا الإمبراطورية العظمى وعاصمة الليبرالية والحاضنة الرأسمالية لاقتصاديات العالم وتحتضن كل المنظمات الدولية والبنك والصندوق الدوليين ..؟!
أمريكا التي كان يفترض أن تكون فرقها الطبية تجوب الولايات بل والقارات بأجهزتها وأدواتها لإنقاذ البشر بحكم المسئولية الاعتبارية التي تحتلها كقوى عظمى ..؟!
لكن للاسف ظهر رئيسها وأركان حكمه في حالة تيه وارتباك يتباكون على الشركات المغلقة ويفكرون في وقف الإغلاق غير مكترثين بأولئك البشر من مواطنيهم الذين يصلون لمشافي تفتقد للتجهيزات والمعدات الطبية المطلوبة بل وحتى اسطوانات الأكسجين شكل انعدامها أزمة في مشافي نيويورك وواشنطن ..؟!
ظهر الرئيس يتحدث عن ( بوارج حربية ) رست على شواطئ نيويورك وتحدث عن ثالثة ( معطلة وخاضعة للإصلاح وسوف تجهز بعد ثلاثة أسابيع )؟!
نعم ظهر ترمب وطاقمه في إدارة الأزمة يحذرون ويتوعدون من استغلال التجار لحاجة الناس ومن احتكار المواد الأساسية والأجهزة والمعدات الطبية . ؟! اللعنة .
هل هذه هي أمريكا ؟! وهل فعلا هذا المتحدث هو الرئيس الأمريكي ؟ ام رئيس ( بوركينا فاسوا ) ؟!!
هل يعقل أن تكون هذه هي أمريكا ؟! للاسف نعم هذه هي أمريكا ، وهذه قلعة الرأسمالية وعاصمة الليبرالية ، التي لا تملك من عوامل القوة سوى ( بوارج مدججة ) تجوب البحار والمحيطات تخوف دول وأنظمة العالم التي لاتزال واهمة ومتوهمة بعظمة أمريكا وقوتها وأنها قائدة العالم والدولة الأعظم ؟! فيما واقع الحال يشير لعكس كل هذا ، واقع الحال يؤكد أن أمريكا لم تعد سوى ( نمر من ورق ) وأن القوة لم تعد مختزلة بعدد البوارج والمدمرات والأساطير ولا بعدد الطائرات والقواعد العسكرية ، بل القوة تكمن اليوم بنسبة وحجم الناتج القومي وبمقدار حجم الأرصدة والاحتياطات النقدية وهذه هي القوة الحقيقية التي تزحف اليوم لقيادات العالم .
لكن اجمل ما يمكن أن يكون قد قاله ترمب هو إصداره أوامر ( لبارجتين حربيتين ) لترسوا على شواطئ نيويورك , وهو عمل استعراضي لا يخلوا من التهديد المبطن حتى لمواطنيه ؟!
نعم يعرف ويدرك الكثير من المراقبين أن أمريكا تعاني الكثير من الازمات المعقدة والمركبة سياسيا واقتصاديا وبنويا ، بل زادت اليوم معاناتها في أزمة الاغتراب الحضاري والثقافي وتيه الهوية ، وهذه ازمات ربما هي أكثر تعقيدا من كل ازمات أمريكا ،لان حالة الاغتراب الحضاري والثقافي والتيه في تحديد الهوية عوامل بنيوية تتصل بالوجود المادي والمعنوي لدولة ومجتمع اعتادوا العيش على نمط الهيمنة والاستعلاء ضد بقية شعوب العالم ، مانحيين أنفسهم شرعيات ذاتية تستمد ديمومتها من عوامل القوة العسكرية بعيدا عن العوامل الحضارية والإنسانية والثقافية التي بها وليس بعامل القوة تبني الشعوب والأمم والدول والأنظمة أعمدة الديمومة ..؟!
بيد أن مؤتمر ترمب يوم أمس والذي جاء بعد أقل من ساعة من استغاثة حاكم مدينة نيويورك الذي لم يقل ما قاله ( عمدة طهران ) المحاصرة من قبل أمريكا الذي رفضت قيادته مساعدة أمريكا لها في مواجهة وباء ) كورونا ) وكان افضل ما ورد على لسان مسئول إيراني هو ( لاتحتاج مساعدة أمريكا والأجدر بإدارة أمريكا أن تمد يد المساعدة لشعبها )؟!
بغض النظر عن الدوافع والأسباب التي دفعت المسئول الإيراني لقول مثل هذا القول فإن ما قاله لا يجافي الحقيقة لمن تابع الوباء في امريكا ومن تابع تصريحات حاكمي مدينتي نيويورك وواشنطن وبعض المدن في المقاطعات والولايات الأمريكية التي لاتزال تخوض مواجهة مع الوباء بجهود ذاتية وبتعاون وتكاتف سكان المدن والمقاطعات والولايات فيما الدعم والإسناد الفيدراليين لم يصلاء بعد للمحتاجين رغم الوعود التي أطلقها ترمب خلال ثمانية مؤتمرات صحفية عقدها منذ ظهور أولى حالة الفيروس في امريكا , التي دخلت في حالة خلاف بين حكامها واحزابها وداخل مؤسساتها الدستورية والتشريعية وامتد الخلاف إلى مفاصل البنتاجون وأجهزته وايضا للأجهزة الأمنية المتعددة ، بعد قرار ترمب بتخصيص 2.5 ترليون دولار لمواجهة الوباء منه 1.5 ترليون خصصت لدعم الشركات وهذا ما رفضه الديمقراطيين ليتجدد الخلاف حول ( كورونا ) وكيفية التعامل معه بين الجمهوريين والديمقراطيين ، بعد أن كان هذا الخلاف قد انحسر بعد تبرئة ترمب فيما سمي بقرار العزل الذي تبناه الديمقراطيين ، ويبرر الديمقراطيين موقفهم هذا بأن ترمب وحزبه الجمهوري يحاولا استغلال الوباء لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية ،الامر الذي لم ينكره الجمهوريين على لسان عضو الحزب الجمهوري الأمريكي ( بشار جرار ) الذي اعترف يوم أمس أن الخلاف الجمهوري _ الديمقراطي داخل امريكا قد دخل في مربع المكاسب الانتخابية بعيدا عن ( كورونا )؟!
إذا أي دولة عظمى هذه ومنظمة الصحة العالمية تحذر من أن امريكا قد تصبح البؤرة الثالثة الأخطر لانتشار الوباء ، هذا التصرف الرسمي الأمريكي يضعنا ويضع كل مراقب أمام احتمالين لا ثالث لهما وهما إما أن تكون امريكا وإدارتها وأجهزتها هي فعلا مصدر الوباء الذي يعتبر في هذه الحالة ( سلاحا بيولوجيا ) فعلا تعرف وتدرك واشنطن حقيقته وبالتالي ظهرت بهذه الصورة في طريق تعاطيها وإدارتها مع الوباء وهذا يكون الاحتمال الأول ، فيما الاحتمال الثاني أن أمريكا تعيش مرحلة احتضار حضاري وأنها على طريق الافول والانحسار ولهذا الاحتمال مبرراته كما هو الحال مع الاول ، فامريكا تعيش حالة ركود اقتصادي ، وأزمات داخلية مركبة فهي بحاجة خلال العشر السنوات القادمة فقط لعشرين ترليون دولار لتجديد البنية التحتية مثل شبكات الطرق والسكك الحديدية وشبكات وخطوط الطاقة والهاتف وشبكات المياه والصرف الصحي ناهيكم عن الضمان الاجتماعي وقضايا اجتماعية كثيرة متعلقة بحياة مواطنيها ، ناهيكم عن وجود 60 مليون مواطن أمريكي ينامون ليلا على قارعة الطريق والأرصفة و14 مليون طفل لقيط تائهين بشوارع المدن الأمريكية وازقتها ، فيما الدين العام لهذه الدولة بلغ ( عشرين ألف ترليون دولار ) عام 2018م فكم يكون قد بلغ هذا الدين بعام 2020م.
يتبع |