ريمان برس - خاص -
ثمة تساؤلات تطرح نفسها على ضوء ما يعيشه العالم بكل مكوناته ومحاوره ودوله وقاراته على خلفية انتشار وباء ( كورونا ) الذي أرعب كل دول وشعوب العالم المتقدمين والمتطورين والأثرياء والفقراء والجهلة والمتخلفين ، وربما الرعب عند الأثرياء والمتقدمين أكثر مما هو لدى الدول والشعوب الفقيرة ، من أبرز هذه التساؤلات ما يمكن استنتاجها من خلال تعامل أمريكا مع الوباء داخليا وخارجيا ، تساؤلات لا تندرج في سياق نظرية المؤامرة التي يصعب نكرانها ولكن الاصعب إدراج هذا الوباء كجزء من أجندتها الافتراضية بمعزل عن استشراف الدوافع والأسباب ، ودون أن نستشرف الأطراف الدولية التي قد يكون لها مصلحة ربما تجنيها من وراء هذه الجائحة المرعبة ، وايضا معرفة الطرف الفائز في مارثون إنتاج اللقاح الفاعل الذي سينقذ البشرية من الوباء ، ومدى قدرة جهة دولية بذاتها من احتكار هذا اللقاح وإمكانية تسخيره واحتكاره لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية ..هذه بعض التساؤلات التي تفرض نفسها اليوم على خلفية ما يعتمل من تداعيات دولية على خلفية ظهور وانتشار هذا الوباء ..
الأمر الآخر هناك ثمة تساؤلات أكثر درامية وتتمحور فيما إذا كان هذا الوباء يشكل في سياق العلاقات الدولية والصراع الجيوبلوتيكي نقطة تحول مفصلية في العلاقات الدولية من شأنها أن تعيد تشكيل خارطة العالم وإعادة تشكيل خارطة التحالفات وعلى مختلف المستويات الدولية والقارية والإقليمية ..!
ندرك أن هناك خلافات أمريكية _ صينية وان لهذه الخلافات أسبابها ودوافعها الاقتصادية والحضارية والأخلاقية والإنسانية ، وأبرزها رفض واشنطن ومن يصطف إلى جانبها لاي دور محوري عالمي تلعبه ( الصين ) وهو رفض غير مبرر ناهيكم أنه مجرد من أي دوافع أخلاقية أو منطقية باستثناء رغبة إمبريالية ترفض أن يتجاوزها الآخر حتى أن امتلك هذا الآخر كل عوامل التقدم والتطور الحضاري كما هو حال الصين اليوم التي تجاوزت قدراتها القدرات الأمريكية رغم الحروب والعوائق التي تشنها وتضعها واشنطن أمام الصين وقد أثبتت الأحداث فشلها كما أثبتت تقدم الصين عن أمريكا في كل المجالات وأبرزها المجال الأخلاقي والإنساني وهذه حقيقة ترفض واشنطن الاعتراف بها ولا تتردد في التعبير عن رفضها المطلق لاي دور محتمل للصين على خارطة العالم ، كما ترفض واشنطن وبقوة فكرة ( عالم متعدد الأقطاب ) كما ترفض واشنطن أي إصلاحات للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى التابعة للمنظمة الدولية .
وتصر على إبقاء هذه المنظمة وادبياتها وقوانينها وتشريعاتها كما هي عليه رغم التطورات العالمية التي حدثت خلال العقود الستة التالية لنهاية الحرب الكونية الثانية وعي فترة تستدعي تطوير أدبيات وتشريعات المنظمة الدولية بما يتسق ويلبي حاجة عالم اليوم المجبول بكل عوامل التقنية والتطور الحضاري والإنساني .
كورونا دون شك سيترتب عليه تحولات دولية كبرى ، يمكن استشرافها من خلال العلاقات والمواقف الدولية في محاربة وباء كورونا وأين تقف عواصم ومحاور الفعل الدولية من هذا الوباء ومن آلية محاربته كعدو للبشرية وكمحطة لميلاد نظام عالمي جديد ترفض واشنطن وحلفائها الاعتراف بهذه الحقيقة التي تشير إلى ميلاد عالم جديد يتشكل بسبب كورونا ويحسم الصراع الأمريكي _ الصيني على زعامات العالم ..!
بيد أن وباء ( كورونا ) سوف يساهم بفعالية ويحدد شكل وهوية النظام الدولي الجديد الذي لاشك سوف يتشكل على انقاذ هذا الوباء الذي سيشكل أيضا خارطة الاتحاد الأوروبي الذي انهارت جدرانه تحت وقع عاصفة الوباء والذي دفع دول الاتحاد إلى إدارة ظهورها لبعضها وانهماك كل دولة بهمها الداخلي دون أن تعير جارتها وشريكتها القريبة أي اهتمام ناهيكم عن تخاذل أمريكي واضح إلى جانب ما بدا وكأنه تخلي جماعي فيما بين العواصم الليبرالية والرأسمالية ببعضها وانهماك كل عاصمة في شأنها الذاتي دون أن تكلف نفسها مجرد الاطمئنان على بعضها ، بل رغم شعور الإيطاليين بالقهر والمرارة من دول الاتحاد الأوروبي فإن فرنسا دخلت في مواجهة مع بريطانيا وأطلق رئيسها تهديدات مباشرة لرئيس وزراء بريطانيا .
روسيا وانطلاقا من عوامل عدة وحسابات متعددة فيها الحضاري والإنساني والأخلاقي والسياسي ببعده الاستراتيجي أيضا هرولت إلى ايطاليا باجهزتها وخبرائها وعلمائها واطبائها ومعداتها وكل الأجهزة المطلوبة في مواجهة الجائحة ومثلها فعلت الصين ، روسيا لم تقف مواقفها في حدود ايطاليا وكذلك الصين بل توجهت فرق الإنقاذ الروسية والصينية إلى أكثر من مائة دولة في قارات العالم الخمس لمساعدة دول العالم في مواجهة جائحة كورونا ، دون أن تغفل روسيا مطالبتها لأمريكا بتعليق العقوبات المفروضة من قبلها بحق عدة دول منها سوريا وإيران وفنزويلا لكي تتمكن هذه الدول من مواجهة فيروس كورونا وهي مناشدات أطلقتها روسيا على لسان رئيسها بوتين ووزير خارجيتها لافروف ولم تلقي واشنطن بألا لها ..فيما دول وعواصم الليبرالية والنيوليبرالية اكتفت بهمها الذاتي وفي المقدمة أمريكا التي بدت شبه عاجزة عن توفير اسطوانات الأكسجين والأسرة والكمامات لمشافيها ومواطنيها ورغم كل ما صدر عن البيت الأبيض حول الوباء فإن ما صدر عن عمدة نيويورك وحاكم ولاية نيويورك والعديد من حكام الولايات رغم إعلان الرئيس لحالة الطوارئ الكبرى في نيويورك وولاية تكساس ، اقول كل ما صدر عن هولاء كان يتناقض بالمطلق عن كل ما كان يصدر عن البيت الأبيض ويشير إلا وجود أزمة بنيوية فعليه في امريكا بصورة خاصة _ التي لاتزال تخوض جدال داخل الكونجرس حول المبلغ المعتمد لمواجهة الوباء والذي لم يصادق عليه الكونجرس حتى اليوم _ وداخل مفاصل النظام الليبرالي بصورة عامة وبالتالي فإن ثمة خارطة دولية جديدة تتشكل على أنقاض هذا الوباء وهذه حقيقة يصعب تجاوزها أو تجاهلها ..
يتبع |