ريمان برس - خاص -
ذات يوم من أيام الله كان هناك رجلان يسيران في أحد الشوارع ويتحدثان فيما بينهما عن قضية ماء وبعد جدال طويل قال أحدهما لصاحبة في نهاية حوارهما ( الله لا يظلم برئ ) لكنه وما أن أكمل هذه الجملة الأخيرة حتى صرخ رجلا من خلفهما بعبارة ( إلا في ذمار ) ؟!!
اندهشا الرجلان والتفتا حول مصدر الصوت فوجدا خلفهما رجلا كان يمشي خلفهما ويستمع لحوارهما فقالا له ما حكايتك ولماذا قلت ما قلت .. رد عليهما لقد سمعت أحدكم يقول ( أن الله لا يظلم برئ ) فرديت عليه ( إلا في ذمار ) فقد ظلمت فيها وأنا برئ وتعاقبت على ذنب لم أقترفه .. فقيل له كيف وماذا حدث فراح يسرد لهما قصته قائلا :
( وصلت ذمار ذات مساء وكنت بحاجة للراحة فاخترت أحدى ( السماسر ) للمبيت فيها حتى الصباح لمواصلة سفري ولجت للسمسرة على ضوء الشموع واتخذت مكاني وغرقت في النوم فجاء من بعدي رجل أجنبي وزوجته وينتمي للجنسية الهندية واتخذت الزوجة مرقدها بجانب الحيط وزوجها جوارها وكنت أنا ثالثهما في منتصف الليل والناس نيام تمتم الهندي لزوجته ببضعة كلمات وبطريقة ماء مارس حقوقه معها ثم خرج لباب السمسرة وأشعل سيجارة وقعد يدخنها ؛ كان خلفي رجلا صاحيا سحبني إلى مكانه وحل محلي وتمتم لتلك الزوجة بذات العبارة التي حفظها من الزوج ونال منها وطرا ثم تظاهر بالنوم فعاد الزوج بعد أن أكمل سيجارته وحب مداعبة زوجته مرة ثانية فرديت عليه مستغربة عما أصابه من هوس فتأكد الزوج أن ثمة من عبث مع زوجته فالتفت نحو جواره فوجد النائم بجواره ساخنا فأدرك إنه من عبث مع زوجته فخرج لبهوا السمسرة وجلب عصاء لتربية العابث الذي أدرك نية الزوج فقفز لجواري وقدمني الى جوار الزوج الهندي الذي فوجئت به يهوي بعصاه على جسدي دون رحمة فصرخت وزاد صراخي حتى ايقظت كل من كان نائما في السمسرة مع ملاكها وحين تدخل الناس وخلصوني من انتقام الهندي كان صاحبي قد غادر السمسرة الى خارجها أليس هذا ظلما بحق برئ ..؟!!
وفي الصباح قابلت المجرم الحقيقي وهو مبتسما وساخرا مني وهو من حدثني بكل هذه التفاصيل فما رائكم بقصتي ؟ ألست برئا ( وظلمني الله في ذمار) وفيما هو يحكي قصته قابلوا الثلاثة قاضيا معروفا فحكوا له الحكاية وبعد أن استمع القاضي للحكاية سأل صاحبها البري المظلوم قائلا ماذا فعلت في يريم ..؟!! ))
الحكاية يقال أنها وقعت في الزمن الغابر حيث كان لا فنادق ولا كهرباء وكانت السماسر وحدها من تلبي حاجة المسافرين لكنها في بعدها الاجتماعي والإنساني تجسد واقعا لمظالم لا تزل تتجسد في الواقع وأن بصور مختلفة ولا يزل هناك من يعاني من هكذا مظالم ويعاقب بذنب لم يقترفه بل هناك من يعاقب دون علمه أنه يعاقب ودون معرفة سبب ودوافع عقابه ..؟!!
وهذا يقودنا إلى حقيقة أن العدل ليس مجرد قانون ولا نصوص تشريعية أو دستورية بل العدل قيم واخلاقيات وسلوكيات تتجسد في وجدان القائمين على من أوكلت إليهم مهمة رعاية شئون الناس وحراسة السكينة الاجتماعية ؛ إذ مهما كانت بلاغة النصوص والتشريعات وصراحتها ووضوحها لا قيمة لها ولا جدوى منها أن لم يكون القائمين عليها مؤمنين بها متمسكين بتطبيقها على الجميع دون استثناء وإشعار الناس أن العدالة حق مكفول للجميع لا فرق لديها بين القوى والضعيف الغني والفقير الأسود والأبيض الشيخ والرعوي والسادة والعبيد فالكل أمام العدالة سواسية والعدالة لا تحقق ذاتها وحسب حين تسود بل تعزز قيم الإيمان بالله في نفوس ووجدان الناس الذين سيتعزز إيمانهم بالخالق سبحانه وتعالى وثقتهم بشريعته وبحبهم لمن يطبقون عدالة السماء على أهل الأرض بالحق والقيم والتساوي والانصاف .. فالعدالة باختصار هي رفع الظلم عن المظلوم ومعاقبة الظالم ومنها تستمد الدولة هيبتها والمجتمع سكينته وأمنه واستقراره والحاكم سينال حب الناس والتفافهم حوله وسيستتب الأمن والاستقرار حتى أن الدولة قد لا تحتاج لتعزيز أجهزتها الأمنية ولن تحتاج لمخبرين وعسس طالما سيف العدل هو الحارس للجميع .. فالعدل أساس الملك وأساس استقرار الدول والمجتمعات فالحروب وانهيارات الدول وسقوط الزعماء وتناحر المجتمعات ظواهر غيابها مرهون بحضور العدالة فإذا حلت العدالة تلاشت كل هذه الظواهر من أي مجتمع مهما كان تنوعه العرقي والمذهبي والقبلي والطائفي والمناطقي ..والعدالة تكرس كل القيم والاخلاقيات الدينية والحضارية والوطنية وتعزز الروابط بين أفراد المجتمع والعدالة هي غاية وهدف كل رسالات السماء ومهمة كل الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله لعباده .. وثمة قول مأثور مفاده أن الله يهلك الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة وينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ..فأعدلوا أن رغبتم بتخليد ذكراكم ومسيرتكم وأعلموا أن من ذاق مرارة الظلم يعرف معنى العدل ..!! فأن تحول المظلوم إلى ظالم فأعلموا أن هذا غضب من الله فاستغفروه حتى لا يضاعف البلاء وتتسع دائرة الغضب وعندها قد نندم ولكن حين لا ينفع الندم أصحابه أبدا ..؟!! |