ريمان برس_ خاص - ستبقى يوم الخامس من ديسمبر 1992م يوما محفورا في الذاكرة الوطنية بصورة عامة وفي الذاكرة التعزية بصورة خاصة ففي هذا اليوم من عام 1992م خرجت تعز بجماهيرها رافعة شعار التغير وإصلاح مسار دولة الوحدة وتكريس قيم الحرية والديمقراطية والمطالبة بدولة مدنية بعقد إجتماعي يكرس قيم دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية وحكم محلي واسع الصلاحيات ؛ أهداف كانت حصيلة المؤتمر الجماهيري الذي شهدته محافظة تعز بقيادة الفريق الركن سلطان أحمد عبد الرب السامعي ونخبة من رموز محافظة تعز ممن استشرفوا مبكرا الحاجة الوطنية ورغبوا في تصحيح مسار دولة الوحدة وتجذير قيمها وترسيخ أهدافها بمعزل عن الاجتهادات الفردية أو الرغبات الرمزية لبعض صناع القرار ؛ كان الشيخ سلطان السامعي هو الدينامو المحرك لمؤتمر تعز الجماهيري ومخرجاته وصاغ بيانه الختامي مذكرا صناع القرار بدورهم الوطني وبما يجب أن يقوموا به قبل أن تذهب ( الوحدة ) في متاهات الحسابات الذاتية وتفرغ من أهدافها كما حدث سابقا مع ثورتي سبتمبر وأكتوبر ..
طبعا واقعة لا تنسي لمن عايشها وعايش تداعيتها وتابع تفاصيلها وأحداثها ولكن ما جعل الذكرى هذا العام تعود للذاكرة بقوة هي المقابلة التي أجرتها قناة ( اليمن اليوم ) من صنعاء مع الفريق سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الأعلى عضو مجلس النواب وأحد ابرز رموز التغير والتحولات الوطنية التي شهدتها وتشهدها اليمن بكل سلبياتها وإيجابياتها .. وقد أجرى اللقاء مع الشيخ والفريق سلطان السامعي الزميل أحمد الكبسي من برنامجه الأسبوعي الموسوم بعنوان ( قابل للنقاش ) والذي تابعته كغيري من أبناء اليمن وقد توقفت مطولا أمام مجموعة الأسئلة التي طرحها الزميل الكبسي على الفريق والتي يفترض إنه استقاها من محتوى كتاب ( الإنسان موقف ) الذي صدر مؤخرا للفريق سلطان السامعي والذي احتوى على مجموعة من المقالات الصحفية التي كتبها ونشرها في عدة صحف محلية منذ العام 1990م وأيضا مجموعة مقابلات أجرتها معه وسائل إعلام محلية وعربية وقد انتقى منها مقدم البرامج مجموعة أسئلة لم تكن في مجملها برئة بل موجهة ومنتقاة بعناية حتى خيل لي أن معد البرامج والأسئلة ومع كل تقديري ومودتي لشخصه الكريم لم يكن مجرد صحفي ومقدم برنامج بل ( محقق محترف في أحدى الأجهزة الاستخبارية )..؟!
ومع ذلك كان الفريق سلطان السامعي بمثابة الربان الماهر والمتحدث اللبق والدبلوماسي الصادق الذي يوصل فكرته دون أن يكلف نفسه الإساءة للأخر أو التشهير به بما في ذلك حديثه عن خصومه المفترضين مع ان الرجل لم يعترف يوما ولم يتحدث يوما عن وجود خصماء له رغم وجودهم ..!!
إذ تحدث بشفافية ووضوح وبذات اللغة التي كان يتحدث بها عام 1992م يوم قرر النظام التخلص من صوت سلطان السامعي بدءا بأحداث فوضى في المسيرة الجماهيرية التي خرجت في مدينة تعز تؤيد مخرجات وبيان المؤتمر الجماهيري التي لم تروق للنظام فقرر اهتبال اللحظة للتخلص من السامعي عبر تحويل المسيرة إلى فوضى ونهب واحراق محلات وممتلكات كبداية لتوظيف ما حدث يوم 5 ديسمبر 1992م لتبرير جريمة النظام يوم 9 ديسمبر من نفس الشهر والعام أي بعد أربعة أيام فقط بشن هجوم شامل على منزل النائب سلطان السامعي لتبدأ مع تلك الواقعة رحلة معاناة النائب الثائر التي دامت لقرابة سبعة أعوام عاش خلالها النائب مطاردا من قبل النظام وكل اجهزته ومؤسساته وزبانيته وتعرض لحملة لم يتعرض لها ( أيا من رموز النظام الملكي البائد ولا مناصريه ) ؟!!
ودون ذنب ارتكبه الرجل إلا إنه طالب بدولة نظام وقانون ومواطنة متساوية وعدالة اجتماعية وتصحيح مسار سلطة وحكومة الوحدة حتى لا نخسرها كما خسرنا الثورة اليمنية ..ولأنه حذر الجميع من صناع القرار مما حدث لاحقا في عام 1994م ثم تكلل بأحداث 2011م ؟!
ورغم قساوة الأسئلة وتحول المقابلة إلى ما يشبه ( المحاكمة لآراء وقناعات ومواقف الفريق سلطان السامعي ) إلا أن الرجل كان بما لديه من مؤهلات سياسية وحكمة وحصافة وتجربة وطنية ومصداقية وشفافية ومبادئي قادرا على وضع النقاط على الحروف والتحدث بشفافية وثقة بالنفس ولم يترك مجالا لأي تأويلات ممكن أن يستغلها البعض ضده فبدأ سلطان بمثابة ( السلطان ) المتوج بتاج العزة والكرامة والمواقف المبدئية الصادقة بعيدا عن أي حسابات ذاتية ..
لقد حاول الزميل مقدم البرنامج فعلا ( محاكمة الفريق السامعي ) من خلال المقابلة لكن الفريق السامعي كان الأقدر على سرد وتوضيح كل المواقف الصادرة عنه شارحا ضروفها ودوافعها سواء تعلق الأمر بموقفه من حروب صعده أو من قضية الجنوب أو من مواقفه من رموز النظام السابق أو في رؤيته للدولة ورموزها وواجباتهم ومواقفهم معبرا عن انتمائه الوطني الكلي والجامع ومبررا تعلقه بمحافظة تعز مفسرا وبكل شفافية ما يوصف بانه انحيازه ( المناطقي ) لمحافظة تعز وابنائها معللا هذه الصفة بالنفي وبشمولية رؤيته الوطنية وبنفس الوقت مؤكدا مظلومية تعز وبكل شفافية ومصداقية وثقة بصورة تجعل المتابع للحوار لا يجد إلا أن يحني هامته لهذه الهامة والرمزية الوطنية الذي تميز عن غيره من رموز العمل الوطني بأن ظل متمسكا بمبادئه وأهدافه معبرا عنها ومتمسكا بها رغم كل التطورات والتحولات التي شهدها الوطن ورموزه والمتغيرات التي حدثت في المسار والمسيرة وفي عقليات رموز العمل الوطني إلا أن الفريق سلطان السامعي ظل شامخا كجبال اليمن متمسكا بثوابت ومبادئي وقيم التزم بها ولا يزل متمسكا بها لم تغيره الاحداث ولم ترهبه الحوادث أو تزحزحه عن موقفه المبدئي الثابت والراسخ والغير قابل للمساومة والتفريط .
واعترف أن المقابلة قد زادت من مكانة وعظمة الرجل وعززت من مصداقيته ومصداقية طرحة وسلامة رؤيته وهو الذي قدم الكثير من النصائح والمبادرات طيلة سنوات نشاطه وبصدق وموضوعية محذرا من تجاهلها ومن مغبة السير في طريق المجهول وقد انتهت الأمور إلى ما سبق وأن حددها وحذر منها الفريق السامعي والذي لا يزل حتى اللحظة ينصح ويوجه النظام الحالي ورموزه مفرقا بين ضرورة وأهمية مواجهة العدوان والتصدي لمخططاته التأمرية وبين ألية أدارة الدولة والمؤسسات وضرورة وأهمية محاربة الظواهر السلبية والتصدي لها بكل قوة وحزم مع الأخذ بالاعتبار الضروف السائدة وما فرضه العدوان والحصار من عوامل يجب الأخذ بها ولكن دون التفريط بالواجبات المطلوبة تجاه المواطن وأهمية التخفيف من معاناته اليومية .
وربما ما لفت نظري وربما نظر كل المراقبون هو حديثه عن حوار الأخر والتواصل معه واقصد بالأخر هم أولئك الذي انظموا لجبهة العدوان وأهمية التواصل معهم واقناعهم بالعودة لحضن الوطن والاصطفاف في مواجهة العدوان وهي خطوة جد مثالية ومهمة وفعل وطني لا يصدر إلا عن رجال دولة وعشاق وطن وعن حريصين على الوحدة الوطنية والشراكة والاصطفاف في مواجهة عدو تاريخي يريد أن تبقى اليمن وشعبها مجرد حديقة خلفية وقطعان من العبيد يخدمون مخططاته ويلبون رغباته في البقاء في دائرة التخلف والعمالة والتبعية والارتهان ؛ هذا الموقف الذي أفصح عنه الفريق سلطان السامعي خلال المقابلة قطعا لم يكن مفاجئا لي فأنا أعرف الفريق سلطان السامعي وأعرف مواقفه الوطنية الصادقة والمخلصة لكن قد يتفاجأ بها البعض ممن ينحصرون نظرهم إلى ما تحت أقدامهم وحسب والذين قد يأخذون ما طرحه وصرح به ( فرية أو مثلبة ) يوظفوها ضده وضد توجهاتهم الوطنية ولكن أمثاله لا يخشون أمثال هولاء الذين ستتكفل الأيام واحداثها بتكذيب رؤيتهم وفضح نوازعهم وأهدافهم المريضة .
أن الفريق سلطان السامعي بقدر ما يتقدم به العمر ويكبر عمريا فأنه بذات القدر يكبر في تفكيره وتكبر مواقفه الوطنية بقدر كبر اليمن وامتداد نطاقها الجغرافي فالرجل يؤكد للخصوم قبل الأصدقاء إنه فوق كل الشبهات وأن سلامة رؤيته ومساره الوطني يزدادان تألقا مع كل تحول وطني ومع كل متغير سياسي فيه يتغير ضعفاء النفوس لكن سلطان يبقى متألقا عظيم كعظمة مبادئه كبير بكبر وطنه شامخا بشموخ جبال الوطن راسخ برسوخ الأهداف التي يسعى لتحقيقها لكل اليمن بأرضها وانسانها .
وبالتالي لا غرابة من كل هذا فهذا هو الثائر والمناضل سلطان السامعي الذي جاء من بين الجماهير ليعبر عن احلامهم وهمومهم ممتشقا أحلامهم ومعفرا بأمانيهم وتراب الوطن وسيظل هو الهامة الوطنية الذي يزرع البسمة في شفاه المقهورين ينافح من أجل تحقيق تطلعاتهم منذرا نفسه لخدمتهم وخدمة وطنهم الذي يعشقه كما لم يعشق شيئا في الدنياء . |