ريمان برس_ خاص -
كيف يصنع العرب قرارهم السيادي ؟ وكيف يفكر الحاكم العربي كفرد وكنظام ؟ تساؤلات مهمة والإجابة عليها أهم كونها تكشف عن الفجوة الهائلة بين تفكير الحاكم العربي وتفكير الحاكم الغربي والأمريكي ؛ وحين يتخذ العرب قرارهم بعفوية وبغباء وبتجرد وهمهم أن الأخر يقبل بهم وبقرارهم ويرضى عنهم وعن أنظمتهم ؛ فأن الحاكم الغربي والأمريكي يتخذون قرارهم بذكاء وبدوافع وأهداف سياسية تحمل قيم ومعتقدات دينية وتاريخية ناهيكم عن رسائل سياسية تحملها قرارات الحاكم الغربي والأمريكي لم يستوعبها الحاكم العربي بل لا يعرف الحاكم العربي الكثير من الدهاء الغربي ؛ فالغرب يتعامل بكثير من السخرية والتحقير والازدراء مع العرب وحقوقهم ويكرس سياسة استعمارية ويرسخ مقاومتها ضد الوجود العربي تحت يافطة التحالف والصداقة والشراكة والتكامل والحماية إلى أخر المصطلحات التي تعنون علاقة النظم العربية بالأنظمة الغربية والأمريكية .
خلال الأيام الماضية وقفت أمام محاضرة متلفزة للمفكر العربي اللبناني الدكتور محمد السماك وهو يتحدث عن ( القدس ) ورؤية الكيان الصهيوني وحلفائه من الأنظمة الغربية والأمريكية تحديدا لهذه المدينة العربية المقدسة لدى ملايين العرب والمسلمين ومع ذلك يراها الصهاينة وحلفائهم بدورهم مدينتهم المقدسة والسيطرة عليها يعتبر جزءا أساسيا من استراتيجيتهم ومعتقداتهم الدينية والتاريخية وكل ما يصدر عنهم عن حلول وسطية أو تقسيم المدينة بين العرب والصهاينة هو كلام للاستهلاك والتظليل وخداع النظم العربية التي لا تعرف فعلا كيفية صناعة القرار الغربي والأمريكي ولا يدرك الحاكم العربي أبعاد القرارات الصادرة عن النظم الغربية والأمريكية حتى فيما يتعلق باختيار تواريخ الأحداث التي تبدو عابرة لكنها في معتقدات أمريكا والغرب والصهاينة كل حدث من حيث غايته وتوقيته يعني لهم الكثير دينيا وتاريخيا وحضاريا .
وعلى طريقة وموقف القائد الفرنسي الذي دخل بجيشه لدمشق وذهب لقبر الناصر صلاح الدين الايوبي ليقول وبكل صلافة وقبح وتبجح ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) وكان في قوله هذا رسالة استفزاز استعمارية المقصود بها طبعا ليس صلاح الدين رحمة الله تغشاه لكن القائد الفرنسي كان يتحدى بكلامه العرب ويستفز به الاحياء من العرب ويسخر منهم حينها أنبرى أحد الغيورين من سكان دمشق ورد على القائد الفرنسي بقوله ( نعم عدت ولكنك تعيش حالة الخوف والرعب تترقب المجهول وقد اضطريت لان تحني هامتك لكي تخاطب صلاح الدين إنه القائد العربي العظيم والفارس النبيل وهو كذلك حيا وميتا وأنت مجرد غاز ؛ لقد عبرت عن حقدك وأنت ترتجف رغم وجود الحراسة حولك ) _ صمم بوابة ضريح الناصر صلاح الدين بطريقة تجبر الزائر على الانحناء إثناء دخوله للضريح _ ورغم أن حراسة القائد الفرنسي هجمت على هذا العربي الحر وأودعته السجن لشهور إلا أن كلماته ظلت منحوتة في ذاكرة ووجدان القائد الفرنسي .
في 6 ديسمبر عام 1917م أحتلت بريطانيا فلسطين من الدولة العثمانية ودخل القائد البريطاني ( اللمبي ) وقال كلمته الشهيرة ( اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ..؟!
في 2016 م أنتخب دونالد ترمب رئيسا لأمريكا وخلال حملته الانتخابية تعهد بجعل ( القدس ) عاصمة للكيان الصهيوني وحين فاز لم يتخذ القرار بل انتظر ليوم 6 ديسمبر 2017 م وهو اليوم الذي يصادف مرور مائة عام على دخول بريطانيا فلسطين وعلى كلمة القائد البريطاني الجنرال ( اللمبي ) لعبارته الشهيرة _ بانتها الحرب الصليبية _ ؟!
طبعا المواقف هذه ليست حصيلة الصدف والتلقائية بل هي حصيلة استراتيجية مدروسة بأحداثها وتعبيراتها ؛ لكن هل يستوعب العرب هذه الرسائل ؟ طبعا لا وليس لدى أي حاكم عربي معرفة بكيفية إدارة وصناعة القرار الغربي _ الأمريكي بل ليس في بلاط الحكام العرب مستشارين أو أعوان يحللون ألية وطريقة صناعة القرار الغربي _ الأمريكي إلا في حدود رضاء هذه الأنظمة على هذا الحاكم ونظامه أو على ذاك الحاكم ونظامه ؟!
بعد خفوت مدافع حرب أكتوبر 1973م التقى وزير الخارجية الأمريكي سيء الصيت هنري كيسنجر بالرئيس السادات وفتح معه حوار حول _ سلام الشرق الأوسط _ حاول السادات أن يطرح قضية السلام بصورة كلية فنهره كسينجر بقوله ( سيادة الرئيس حدثني عن مصر ) ؟ فخضع السادات لطلب كيسنجر فغادر كيسنجر مصر وهو سعيد جدا بما انجزه مع السادات وسعادته تكمن في جعل السادات يحدثه عن ( مصر ) بمعزل عن الهموم والقضايا العربية ؛ عاد كيسنجر لواشنطن مزهوا بما حققه وهو تجزئة الموقف العربي بعد أن تمكن من تجزئة الحرب بقبول السادات لقرار وقف اطلاق النار يوم 10 أكتوبر 1973م بدون التنسيق مع دمشق شريكته بالحرب وحتى بدون إبلاغها فقد فوجئت بدمشق بموقف السادات من وسائل الإعلام الغربية وكان هذا الموقف من صناعة كيسنجر ؟!
يتبع |