ريمان برس_ خاص -
تواصلا مع ما سبق في الحلقة الأولى أعود وأقول لقد كان الوطن حلم وقضية في ذاكرة ووجدان وسلوكيات ومواقف أجيال متعاقبة من أبناء اليمن الذين تسابقوا لخدمة وطنهم والتضحية في سبيل الثورة والجمهورية والوحدة وبإيثار وتضحية ومثالية مفرطة ؛ لم يكن هدف أولئك المناضلين لا الاستحواذ عن المناصب ولا من أجل الثروة والوجاهة والسيطرة والحكم بما في ذلك أولئك الذين أجبروا على القيام بمحاولات انقلابية ضد الأنظمة الحاكمة التي تعاقبت على السلطة منذ ما بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر ولم تكن محاولاتهم تلك دافعها الرغبة بالسلطة والتسلط ولا في جمع الثروة وتحقيق الوجاهة والبروز الاجتماعي بقدر ما كانت دوافعهم في تلك المحاولات هي إصلاح الاعوجاجات التي برزت بسبب سلوكيات ترويكا السلطة ومن أجل تحقيق تطلعات وأهداف الشعب وتقدمهم الحضاري تجسيدا لأهداف الثورة اليمنية الخالدة ؛ نعم لقد كان الصراع على السلطة دافعه تحقيق مصلحة الوطن والشعب وتحقيق أهداف الثورة والمصيبة أن كل المحاولات الانقلابية الوطنية والتي حدثت بدافع وطني وتعبيرا عن حاجة وطنية ومن أجل الوطن والمواطن وتقدمهما قد فشلت وذهب ابطالها طواعية إلى مقصلة الجلادين فيما الحركات المضادة للثورة وتطلعات الوطن والمواطن هي من نجحت بفعل عوامل كثيرة أبرزها رغبة مراكز قوى الداخل والخارج إبقاء هيمنتها وسيطرتها على القرار الوطني وعلى كل عوامل التخلف _ داخليا _ وخارجيا رغبة بعض المحاور في إبقاء اليمن وقرارها تحت سيطرتها .!!
لقد كانت الثورة اليمنية حلم راود كل أحرار اليمن شمالا وجنوبا وقد تحققت ولكنها حوربت منذ لحظة قيامها بالشطرين وكانت المواجهة بين الثورة والثورة مضادة كفيلة بحسم الصراع لصالح الثورة الوطنية الملبية لحاجة الوطن ورغبات وتطلعات المواطن؛ لكن بعد فشل الثورة المضادة في تحقيق أهدافها عسكريا عمد رموز الثورة المضادة في الداخل وحلفائهم في الخارج إلى البحث عن طريق بديل لاحتوى الثورة وافراغها من أهدافها ومضمونها الوطني والاجتماعي والحضاري فكانت المصالحة بكل ما حملت كفكرة من شعارات ومبررات كان في ظاهرها الرحمة وفي باطنها هو العذاب والفراغ والتيه والسيطرة وحرف مسار الثورة وأهدافها وقيمها وصولا إلى تصفية رموزها بالقتل أو التخوين والتهميش واستغلال التناقضات السياسية والفكرية لدق اسفين بين المكونات الوطنية الثورية التي حملت على كاهلها مهمة تفجير الثورة اليمنية والتي راحت تصارع بعضها لمصلحة قوى الإقطاع السياسي والاجتماعي الذين شكلوا كارتل الثورة المضادة ..؟!!
كان من أبرز عيوب الثورة اليمنية هو غياب المشروع الثقافي والوطني والرؤية الوطنية الواضحة للتغير الاجتماعي باستثناء الأهداف الستة التي لم يعمل بها منذ قامت الثورة وحتى اليوم هذا من ناحية ومن الأخرى بروز التناقضات السياسية والحزبية التي هي حصيلة طبيعية لغياب المشروع الوطني الشامل والجامع الذي كان يفترض الاتفاق عليه من قبل الجميع ربما قبل قيام الثورة نفسها وهذا لم يحدث وما حدث أن صراعا واجهته الثورة منذ لحظة انطلاقها وعلى امتداد الخارطة الوطنية صراعا غذته اطراف خارجية إقليمية ودولية على خلفية حسابات كثيرة منها الموقع الجغرافي لليمن ومنها رغبة بعض أنظمة الجوار في إبقاء اليمن أرضا وشعبا تحت وصايتها وحديقة خلفية لها وبإيعاز دولي ورعاية محورية دولية ؛ كل هذه العوامل أدت إلى احداث عامي 1968_ 1969م وهي الاحداث التي أركست الثورة وافرغتها من كل قيمها ومضامينها الاجتماعية ؛ ورغم ذلك لم تستفيد القوى السياسية المصنفة ثورية وتقدمية من تلك الاحداث بل واصلت صراعها ضد بعضها مانحة قوى الثورة المضادة المزيد من فرص تعزيز مواقعها على الخارطة السياسية والاجتماعية ورغم بروز حركة 13 يونيو التصحيحية التي جاءت حاملة قدرا من الوعي والإدراك بضرورة وأهمية تصحيح مسار الثورة والدولة والقيم الاجتماعية إلا أنها بدورها وقعت في أخطاء قاتلة أدت إلى الانقضاض عليها من قبل كارتل الثورة المضادة الذي استغل ثغرات حركة يونيو وانقض عليها بوحشية دامية جاعلا من نهايتها نموذجا لكل من يتجرا ويمس أسوار قوى الاقطاع الاجتماعي ومصالحها ونفوذها التقليدي وعلى أثر ذلك فقدت المكونات السياسية بكل مدارسها قدرتها على الحركة والمبادرة إلا من نشاط ديكوري وإطار وضعه لها النظام السياسي الذي سخر هذه المكونات لتحقيق توازنات داخلية تتيح للنظام السيطرة والهيمنة الكلية على المسار الوطني فبدت تلك المكونات أشبه (الورود الصناعية ) التي توضع على منصات الخطابة وحسب ..؟!!
أحداث وتداعيات سلبية وممارسات خاطئة أوصلتنا والوطن إلى أحداث عام 2011م ومن ثم الى أحداث عام 2014 و 2015م و2017م وبروز دور المحاور الإقليمية والدولية خلالها من خلال العدوان والحصار والحرب الظالمة التي دمرت قدرات الوطن وامكانياته وأدخلت شعبا بكامله في أزمة حضارية شاملة بدا خلالها وبوضح غياب المشروع الوطني الجامع والشامل كما بدت خلالها أيضا وبوضوح الأطماع الخارجية بشقيها الإقليمي والدولي ..!!
والأسوأ من كل هذا كان غياب وحدة الهوية والانتماء الوطنيين إذ بدت الخارطة الاجتماعية مزعزعة العقيدة سقيمة الهوية فاقدة لكل قيم الترابط الاجتماعي ..!!
وبين ارتهان وتبعية كارتل النظام السياسي المفترض وفقدان المكونات السياسية لشرعية دورها واتضاح عقمها واجدابها وعجزها عن الاعتراف بذلك بل اخذتها العزة بالأثم فأسقطت كل قيمها وتخلت عنها متمسكة بمصالحها الذاتية ورغباتها الخاصة فبدت الخارطة الاجتماعية وكأننا شعب متعدد الأعراق والهويات والقيم الحضارية والثقافية ؛ وكل فرد أعتكف في محراب مصلحته مقدسا هذه المصلحة باحثا عمن يساعده في تحقيقها ولو كان (الشيطان الرجيم ) وبالتالي لم يعد هناك حديثا عن الوطن والهوية الوطنية التي هناك من لا يزل يتحدث عنها ولكن على طريقة من يؤذن في مالطا ..؟!!
يتبع |