ريمان برس_ خاص -
في رواية شهيرة عنوانها ( مهانون ..مذلون ) يفلسف الروائي الروسي الشهير ديستوفيسكي علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة الانتماء للمكان وتمحورها بين وجود الإنسان ككائن مادي ووجوده كفكر وثقافة وسلوك ويصل الروائي في نهاية استنتاجه إلى تلازم هذه العلاقة بين الإنسان وثقافته وارتباطها المباشرة بالزمكانية التي تنتج الدور الإيجابي للفرد وهي فلسفة خاصة استنتجها الكاتب الشهير ولم يأخذ بمضمونها عتاولة مفكري اليسار الماركسي ورأى فيها (تروتسكي ) تبشيرا مبطنا للانتهازية الرأسمالية ..غير أن من يعيد قراة هذه الرواية يرى أنها اسقاط من الكاتب على واقع اجتماعي عاشته روسيا القيصرية الاقطاعية الزراعية وينسجم الى حد كبير مع واقع كواقعنا اليمني المحكوم بتراث وثقافات الإقطاعية القبلية والمتطلع للمستقبل بأدوات الماضي والعائش الحاضر بتناقضات ( سقيفة بني ساعدة ) دون أن يستوعب القائمين عليه أن سلوكهم يجردهم من كل عوامل التقدم فهو يجردهم من الماضي ويخرجهم من الحاضر ويباعد عنهم المستقبل ويجعلهم يتماهون مع ( دونكيشوت ) الذي قاتل طواحين الهواء هاربا من الواقع نحو السراب ..؟!!
في تداعيات المشهد اليمني يصعب الحديث عن وطن وهوية وانتماء وأهداف حضارية يمكن الرهان على تحقيقها في المدى البعيد والمنظور في ظل فلسفة الصراع القائمة بين من نحسبهم أدوات الفعل وقادة التحولات الذين يخوضون فيما بينهم اليوم صراعا داميا ويراهنون في انتصاراتهم على (الصدف ) ومساندة الاخر الحضاري إقليميا ودوليا الباحث بدوره عن مصالحه وأن على انقاض شعب ووطن واحلام وتطلعات حضارية مقهورة تستوطن وجدان الملايين الباحثين عن فرصة للعيش الكريم والشعور بمواطنة عادلة ؛ والاهم من ذلك أن كل المتصارعين لا يملكون مشروعا وطنيا جامعا وعادلا يحقق الوحدة الوطنية العادلة ورؤية لعقد اجتماعي يتفق عليه الجميع ؛ بدليل أن ( الدين ) دخل لساحات المعركة كواحد من أهم أسلحة المتصارعين وحين تجد (الدين ) جزءا من معركة تدور رحاها داخل الوطن الواحد والمجتمع الواحد فأعلم أن ابطال المعركة لا يتقاتلون من أجل وطن ولا من أجل شعب ؛ بل يتقاتلون على الوطن وكيفية تقاسمه وتقاسم ثرواته وعلى شعب وكيفية استعباده وقهره واحتوى تطلعاته وهذا ما يحدث في اليمن بين( حكومة أمر واقع في صنعاء) تستمد شرعيتها من ( قوة السلاح ) و( حكومة منفى في الخارج) تستمد شرعيتها من ( مجلس الأمن الدولي ودول التحالف واصدقائها ) في العالم وكل أطراف الصراع اليمني لا يكترثون بالشعب ولا برايه ولا بموقفه وقناعته رغم أن جميع المتصارعين وانصارهم يتحدثون باسم الوطن والشعب وهو حديث مجازي لكن أيا منهم لم يحصل على تفويض الشعب ولن يقبل اليوم أي طرف أن يحتكم للشعب وهو المفترض أن يكون ويحدث فنحن أمام فنتازيا صراعية ليس لها نهاية إلا أن قبل الجميع العودة للشعب ومنحه حرية اختيار حكامه وممثليه ونظامه وشكل هذا النظام بحرية كاملة دون تدخل أو تأثير .
لقد دأبت النخب السياسية اليمنية بكل اشكالها على مصادرة حق الشعب في أدعاء تمثيله وحتى حين قيل إننا قد اصبحنا كيان ديمقراطي وجاء العالم يبارك لنا من خلال مؤتمر الديمقراطيات الناشئة في الحقيقة كانت ديمقراطيتنا بمثابة أكبر كذبة اخترعت وانجرفنا خلفها مصدقين فيما الواقع لم يكن كذلك ولو كنا فعلا ديمقراطيين لما جاءت أمريكا لتبارك لنا من خلال ذلك المؤتمر؛ والدليل هذه التداعيات التي نعيشها اليوم وهذه الحرب الداخلية والخارجية التي نكتوي بسياطها ..؟!!
أن كل الاحداث التي عاشها ويعيشها شعبنا ويدفع ثمنها عرق ودم لم يكون له فيها راي ولم يسأل فيها بل جميع الاحداث بما في ذلك الحروب جميعها طبخت في مطابخ النخب ولم يكن للشعب فيها رأي ولا موقف لكنه بالمقابل يتحمل كل أوزارها وتبعاتها وتداعياتها ونتائجها وهذا ظلم واجحاف بحق هذا الشعب الصابر الذي يتحمل أوزار النخب والسلطات المتعاقبة عليه ومكبل بأغلال اجتماعية لا حصرا لها مذهبية وقبلية وحزبية ومناطقية وتلك عوامل اوصلتنا الى مرحلة تيه وعبث يصاب بالرعب كل من يتأمل تداعياتها ؛ فلماذا كل هذا ؟ وإلى متى سوف يستمر ..؟!!
يتبع |