ريمان برس_ خاص -
علي خلفية كل ما سلف أعود وأتساءل : هل الوطن عبارة عن أرض وجبال وسهول وبحار وجزر وصحاري ؟ هل الوطن الأرض ؟ أم أن الوطن هو ( الإنسان ) الذي يعيش عليه ؟ وهذا الإنسان هو من يعمر الوطن ويعمره ويشيد عليه حضارات ستقف عليه الأجيال القادمة متذكرة مأثر أجدادها كما هو حالنا اليوم حين نقف نتذكر حضارات سباء وحمير ومعين وقتبان ونتذكر مأثر الممالك والدول والسلطات المتعاقبة على هذه الأرض المسمى اليمن فالأوطان يصنعها الإنسان ويعمرها الإنسان ولا يوجد وطن بدون إنسان يعيش عليه ؛ وأيضا لا يوجد إنسان بلا دولة ومؤسسات تنظم حياته وعلاقته المجتمعية ..
نعم الوطن ليس سلطة ولا نظام بل شعب متعدد الطبقات والشرائح الاجتماعية فيه الغني والفقير الجاهل والعالم المسالم والقاتل السليم والمريض الشديد والمعتل ؛ وكل هولاء ينتمون للأرض الذي تسمى وطنهم وهذا الوطن ليس ملكا لإقطاعيات قبلية أو مالية أو سياسية ولا هو ملكا لترويكا حزبية ولا لنخبة بذاتها أنما هو ملكا لكل من يعيش عليه وينتمي إليه ؛ والأرض بدون إنسان لا قيمة لها ولا حياة فيها أو عليها ؛ لكن الإنسان هو من يعطيها شرعية النمؤ والتطور والتقدم ويحول الصحاري إلى مدن عامرة وواحات مكتظة بالبشر والعمران ..؟!
وهذا الإنسان من حقه أن يعيش على أرضه حرا كريما وسيدا ؛ وقد تطورت المجتمعات البدائية وتطورت قوانينها وتشريعاتها والنظم المنظمة لحياة من فيها حتى أصبحت أوطان ودول لها أعلام وحدود وقيادة ومهمة القيادة هي تنظيم حياة هذا المجتمع وفق عقد اجتماعي متفق عليه والذي يسمى بالدستور وهو المنظم لأداء الدولة والسلطة والقيادة والأجهزة وحياة الناس ..!!
والمؤسف أن بلادنا أو وطننا اليمن لم يتمكن رغم كل التحولات التي مر بها من تحقيق الاستقرار الكلي أو حتى الجزئي لمواطنيه بسبب غياب القيادة الحاملة للمشروع الوطني الجامع من ناحية ومن الأخرى إيمان البعض بأن هذا الوطن هو إقطاعية خاصة به وبجماعته وأنه هو صاحب الحق المطلق في الحكم والإدارة والتصرف بشئون الوطن والناس الذي يقطنون عليه .؟!!
ودعونا نتجاوز قرون مؤلمة من التسلط والغطرسة مورست بحق أبناء هذا الشعب من قبل (المستعمرين الوافدين) و( المستعمرين المحللين ) ونتجاوز كل المحطات المؤلمة باعتبار أن الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر تجب ما قبلها كما جب الإسلام ما قبله من أحداث فماذا سنجد ؟ وكيف بإمكان أي باحث أو مراقب تقييم مرحلة ما بعد الثورة اليمنية بقدر من الموضوعية والصراحة والمكاشفة بكل شفافية وشجاعة ؟ دون أن يدفع حياته ثمنا لصراحته ؟ أو يصنف أن بقى على قيد الحياة بانها ( طائفي أو عنصري ) ومثير للفتنة النائمة ملعون من أيقضها ..؟!!
في حالتنا الوطنية أرى أن من المستحيل أن يستقيم حالنا دون أن يكون هناك تقييم ناقد لمسارنا الوطني خلال الفترة من 1962م وحتى اليوم ؛ تقييم يضع على الطاولة كل الأوراق الخفية قبل المعلنة وكل الاحداث التي حدثت بدوافعها واسبابها وابطالها ونتائجها والمتسببين بها بكل صراحة ووضوح وأن يكون الرأي العام الوطني بأسره على إطلاع ودراية بكل تفاصيل التقييم هذا ؛ حتى نتمكن من إعادة بناء الوطن والدولة على أسس وطنية سليمة وصادقة ومقنعة لجميع الأطراف التي عليها أن تضع نفسها كجزء من الشعب وليس سيدة عليه وصاحبة حق في استعباده ..؟!!
أن العالم من حولنا يتقدم ويتطور وكل دولة تسعى جاهدة لتحقيق كل مقومات الاستقرار والسكينة لمواطنيها ومن يعيش على أراضيها ؛ باستثناء نحن في اليمن الذين فشلنا خلال سبعة عقود من تحقيق أي تقدم يذكر بل فشلنا في تحقيق استقرار وتوافق على شكل الدولة وهويتها وشكل النظام السياسي الذي يتناسب مع تطلعات واحلام الشعب ؛ ناهيكم عن فشلنا المريع في تحقيق ولو الحد الأدنى من مقومات الاستقرار الاجتماعي والتنمية البشرية ؛ هنا حيث لا قانون يحترم ولا دستور يقدس ولا هوية ثابته ولا مؤسسات دولة راسخة ولا استقرار اجتماعي تحقق وأن في حدوده الدنيا ومن قال بغير هذا فقد كذب لان في كل الفترات كنا نشهد استقرار السلطات المتعاقبة وحسب وهو الاستقرار الذي لم يلامس الحاجة المجتمعية فالمجتمع اليمني يعيش حالة القلق والحذر والترقب منذ فجر ثورة سبتمبر 1962م وحتى اليوم رغم كل التحولات التي وجدت في المجال العمراني والسلوكي والحضاري ؛ مدن تتسع وسيارات فارهة تمخر عباب الشوارع ومن مختلف الاشكال والماركات والاحجام ومولات ومحلات فارهة ومطاعم وكافتيريات ؛ ومدارس مشيدة وأخرى تشيد وجامعات ومعاهد متعددة الأغراض والاهداف ؛ ولكن كل هذا ليس التطور المنشود وليس هو المطلوب أن كان كل هذا لا يعكس هوية شعب وثقافة وقيم وطن ضارب جذوره في أعماق التاريخ الإنساني ..؟!
وأن كانت كل هذه المكاسب محصورة بنخب متعددة في المجتمع هي من تملك وتحكم وتتحكم بكل هذه المظاهر فيما الغالبية الشعبية تعيش في أوضاع اجتماعية مأساوية وقاهرة في عام 2010م نشرت إحصائية حكومية رسمية التالي : 7% من الشعب اليمني يستخدم مجاري الصرف الصحي : و 9% من الشعب اليمني يشرب مياه نقيه : و11% من الشعب اليمني يتمتع بخدمة الكهرباء ..؟!!
اليوم الشعب اليمني محروم من كل الخدمات ويعيش في حالة تسول واستجداء في الداخل والخارج ويبحث عن قوت يومه من المنظمات الدولية وابحثوا عن عدد المشردين والمهجرين من اليمنيين خلال سنوات الأزمة والحرب ؛ بل تأملوا عدد المتسولين في جولات الشوارع وفي الازقة والحواري وعلى الأرصفة وأمام كل محل ومطعم وبقالة ومؤسسة ومصرف ..؟!!
ناهيكم عن أولئك الذين يذوقون مرارة الحاجة في منازلهم لا يجرون على الخروج وهم من وصفهم الله بقوله ( تحسبهم اغنياء من التعفف ) ..!!
إضافة إلى كل ما سلف فأن العقد الأخير الذي عشناه وعاشته بلادنا بارضها وانسانها كشفت عن حالة انهيار فضيح بل ومرعب ؛ انهيار كشف لنا سوأت لم نكن نعرفها ؛ إذ وجدنا أنفسنا بين ليلة وضحاها بلا دولة وبلا مؤسسات وبلا أجهزة أمنية وعسكرية وكأن السنوات والعقود التي خلت من عمر الثورة اليمنية كانت عبارة عن ملهاة فيما كل ما قيل عن عوامل وممكنات التطور والتنمية والتقدم التي صدحت بها أجهزة اعلام السلطة رؤوسنا لم تكن سوى مجموعة من الأكاذيب والأموال التي اهدرت لأجلها ذهبت لتلميع صور بعض الرمزيات السياسية والوجاهات الاجتماعية واتضح أن الوطن بكل خيراته كان مختزل في بضعة نافذين .!!
والمؤسف أن سنوات الأزمة كشفت أيضا عن تمزق مريع وبشع حد الرعب طال كل فعاليات المجتمع وطبقاته بدءا من السلطة والقبيلة مرورا بالفعاليات والمكونات الحزبية وصولا الى النسيج الاجتماعي ؛ وهنا اجدني اتوقف أمام رواية الاديب العالمي جابرائيل غارسيا ماركيز في روايته ( البطريق ) وهو يصف ( آلهة المجتمع ) حيث يرى الحاكم نفسه ( إلهة ) ويمنح حاشيته وكبار مؤيديه من وجهاء المجتمع دور ( الملائكة ) .؟!!
فيما الشعب مجرد ( قطيع ) مهمته طاعة ( الإله الحاكم وسدنته من الملائكة )..؟!!
وهكذا كان حالنا الذي ظل مؤطر في نطاق بروبجندا عبثية ما أن سقط احد تروسها حتى انهارت المنظومة بكاملها ومع انكشاف المستور ذهب كل طرف يبحث عن ( مشروعه الخاص ) عبر ومن خلال استغلال كل ( المؤبقات ) المقيتة والمنبوذة شعبيا ويعمل على إعادة احيائها وتوظيفها في معركة المصير الذاتي المحتدمة منذ عقد من الزمن والغالبية العظمى من الشعب يدفعون وحدهم ثمن صراع المنتصر فيه مهزوم ..؟!!
يتبع |