ريمان برس_ خاص - بداية أود التاكيد أن السبب الوحيد لاهتمامي بما حدث مؤخرا بشارع هائل بأمانة العاصمة صنعاء هو انطلاقا من واجبي الديني والوطني وايضا الاخلاقي.
فقد ازعجني كثيرا حجم تلك الهجمة الشرسة التي لم تراعي دين او ضمير لابواق الارجاف والعمالة والتضليل التي وظفت ذلك الاجراء الروتيني لبلدية العاصمة صنعاء والذي يتكرر دائما قي ضبط بعض الممارسات المخالفة للقانون للمحلات التجارية واصحاب البسطات لتخلق منها قضية سياسية وموقف ديني متطرف من خلال اختلاق تفاصيل مفبركة لمعركة وهمية تنطلي على المثقف العتيد قبل المواطن البسيط بينما هي في الحقيقة لا تمت للواقع بصلة..
نعم، انا اعرف واعي جيدا بأن ابواق العمالة والارجاف في الطابور الاعلامي الخامس والخلايا الارهابية النائمة تختلق دائما احداث زائفة في محاولة بائسة منها للاثارة والتهويل وسبق لها وفي شارع هائل تحديدا والذي يتميز بكثافة سكانية لذوي الدخل المحدود ان وظفت احداث اعتيادية وتفاصيل نمطية تقع يوميا في المجتمع والشارع اليمني لتخلق منها فرصة مواتية لتخترق جبهتنا الداخلية من خلال الترويج للوقائع المختلقة واساليب الدس الرخيص والتي تكررت كثيرا مؤخرا في محاولة محمومة منها لتضليل الشارع اليمني المكافح وخداع المواطن البسيط، وفي ظل غياب غير مبرر لاجهزتنا الامنية ووسائلنا الاعلامية الوطنية في الرصد والتوعية في هذا الجانب الهام المتعلق بتماسك جبهتنا الداخلية، وفي سياق تقاعس ملحوظ وغريب لعقال الحارات وكافة مستويات العمل المجتمعي في المدينة الشامخة صنعاء !!
نعم، قرأت ليلة امس في شبكات التواصل الاجتماعي تصريح المصدر المسؤول في حكومة الانقاذ الوطني بينما لم اسمعه او اشاهده في وسائل الاعلام الوطني او انه لم يحظى بالاهتمام المطلوب بقدر اهمية التصدي لفتنة الطابور الخامس ومحاولته المتكررة لنخر جبهتنا الداخلية، وهذا سياق اخر للنقد الذاتي المسؤول يجب ان يتقبلة اخواننا في قيادات هذه الاجهزة المسؤولة.
وها كم نص التصريح للمصدر المسؤول في حكومة الانقاذ الوطني الذي لم يحظى بالاهتمام اللازم من قبل وسائل الاعلام الوطنية:
(صرح مصدر مسؤول في حكومة الإنقاذ الوطني، إن ما قام به مكتب البلدية في شارع هائل بالعاصمة صنعاء هو مجرد إجراءات طبيعية ضد المحلات التجارية المخالفة، والتي قامت بعرض منتجاتها في الشوارع، وهو ما يتسبب باختناقات مرورية.
وأضاف المصدر ”، أن بعض المحلات قامت بعرض مجسمات في الشوارع، متسببة بازدحام مروري، الأمر الذي دفع البلدية لاتخاذ إجراءاتها تجاه المحلات المخالفة.
وأكد المصدر أنه لا يوجد حملة ضد المحلات التجارية، وما تم هو مجرد إجراءات عادية.):.
نعم. ربما هذا البيان الشفاف للحكومة يكفي (ويشفي صدور قوم مؤمنين).
ولكن حجم الحملة الاعلامية والاجتماعية المهولة هذه المرة لابواق العمالة والارجاف ووقوع نخبة ممن يدعون بأنهم من مثقفي هذا الوطن الصامد في شراك الزيف ومصيدة التضليل لعدونا جميعا المتربص بالوطن والحاقد على الشعب منذ زمن قديم .
نعم، هالني حجم هذا الانجرار الغريب لبعض مثقفي الوطن ليقعوا في شراك هذا الحقد الدفين على اليمن واهله الكرام..!!
إلا أنني عزمت امري كمواطن يمني حر وغيور ان لا اكتفي بتصريح المصدر المسؤول وأن ابحث عن الحقيقة من مصدرها الشفاف.
ولأجل معرفة الحقيقة دون تجميل او رتوش توجهت راجلا الى شارع هائل منذ ما بعد صلاة عصر يومنا هذا الاحد الموافق 27 يناير2021م الى قبيل صلاة المغرب ومررت (منفردا دون صحبة) على المحلات التجارية وبسطات البيع العشوائية وسلمت على اصحابها وتحادثت ومزحت معهم محاولا تطمنيهم وكسب ثقتهم قبل ان اقدم نفسي لهم كصحفي مثابر يبحث عن الحقيقة في ما جرى لهم ومعهم مؤخرا ، فكانت الحصيلة الثمينة هذه الحقائق من مصدرها المباشر، واسردها لكم بشفافية مطلقة كما جاءت وسمعتها من اصحابها وارفق معها بعص الصور الفتوغرافية التي اخذتها بنفسي للمحلات التجارية بشارع هائل او تلك الصور التي قبل اصحاب المحلات ان ياخذونها لي في محلاتهم وبعضها برفقتهم دلالة لثقتهم بي، ومن ناحية اخرى حرصت ايضا على اخذها وعرضها هنا لاثبات مصداقية ما سوف يرد ويكتب في مقالي هذا وعلى النحو الاتي :
١/ اكد لي معظم اصحاب المحلات في بداية شارع هائل من ناحية الزبيري ان الحملة لم تستهدفهم بل لم تصل لهم مطلقا كونها تستهدف اصحاب البسطات ولكون البسطات لا توجد في بداية شارع هائل فهذا يعني انها لا توجد امام محلاتهم فبالتالي هم عرفوا بحملة البلدية في شارعهم بمجرد السماع وعندما سالتهم ماذا سمعوا عنها افادوا بانهم سمعوا بان الحملة جاءت لازالت البسطات الممتدة من طرفي الشارع مما ضيق على انسياب وسهولة حركة السيارات والمواطنين في الشارع، وعندما لاحظت وجود (المانيكانات/الاصنام) في محلاتهم..
سألتهم : هل حملة بلدية امانة العاصمة جاءت خصيصا لازالت ما تسمى بالاصنام كما ادعت ابواق الارجاف، تعجبوا لانهم لم يسمعوا بذلك ولكن بعضهم الاخر استدرك الامر وقالوا نعم سمعنا ان بعض القائمين على الحملة طلبوا من بعض المحلات التي تعرض المانيكانات امام محلاتهم على رصيف الشارع وعليها ملابس داخلية تخدش الحياء العام ان يتم ادخالها لداخل المحل وذلك لسببين، اولا لأن عرضها بالشارع مخالف لقانون البلدية وثانيا لان عرضها بالشارع على ذلك النحو يخل بالاداب العامة ويسيء لعاداتنا الاجتماعية، ولكن بعضهم طلب مني (لمعرفة الحقيقة من مصدرها) ان اتوجه الى منتصف الشارع عند لكمة شارع هائل حيث بدأت الحملة من قرب محل القمرين للملابس الجاهزة.
٢/ توجهت للبسطات بجانب محل القمرين بشارع هائل ولكني بدأت بسوال اصحاب المحلات هناك عن تلك الحملة المشهودة للبلدية فاكدوا لي انها استهدفت البسطات في الشارع كونها تسببت بالتضييق على حركة السيارات والمارة وعندما سألتهم عن ما يشاع انها استهدفت ما يسمى بالاصنام(المانيكانات) اكدوا لي ان القائمين على الحملة طلبوا منهم عدم عرض المانيكانات امام المحلات على رصيف الشارع وادخالها لداخل المحلات وان لا يتم عرض المانيكانات بالملابس الداخلية في مدخل المحل ويفضل عرضها بالدور الثاني اذا كان المحل يتكون من عدة ادوار لما يسببه ذلك من احراج لرواد المحل خاصة من الفتيات وذويهم، كما انه يسمح لبعض المراهقين والمنفلتين من اطلاق التعليقات البذيئة التي تستفز مشاعر الناس في الشارع، واكدوا لي انهم يتفقون مع هذه التعليمات بقولهم: نحن من هذا المجتمع ولدنا ونعيش فيه ولم ناتي من المريخ وجميعنا لدينا امهات وبنات واخوات نحرص على مشاعرهن ولا نقبل ان نحطهم في مثل هذا المواقف المحرجة (والشاذة).
٣/ انتقلت الى محل اخر فوجدته يعرض المانكينات التي تخدش الحياء العام على الرصيف بجانب المحل وفي مدخله..!!
سألت بأدب احد العمال ممن يقفون في مدخل المحل: لماذا يا ابني تعرضوا هذا المناظر الخادشة للحياء على قارعة الطريق.
ويبدوا انه كان شاب ارعن إذ رد عليا مستفزا: ايش تشتي يا والد نكسر لك هذه الاصنام؟
رديت عليه محتدا: نحن لسنا في الجاهلية نحن في عز الاسلام، نحن لسنا بقريش الكفر والنفاق نحن بصنعاء عاصمة الصمود وراية الانتصار.
ارتبك الشاب وتلعثم في كلامه وهو يحاول ان يبرر لي موقفه المتهاون وخلص للقول: نحن لسنا من اسميانهم بالاصنام بل هم من قالوا انها اصنام وارادوا اخذها معهم ..
حاولت تهدئته وكسب ثقته مجددا بأن سلمت بكلامه ومبرراته وابتسمت وانا اقول له: الستم انتم العاملين في المحلات التجارية من تسمونها بالمانيكات، لماذا تسميها اليوم بالاصنام؟، ومن هم اللذين ارادوا اخذها معهم ؟
قال مرتبكا: الحوثيين..
قلت له: وكيف عرفت انهم الحوثيين؟
قال: هم من جاءوا بالامس بالحملة..
قلت له: أولئك هم عمال البلدية وليس الحوثيين، وإن كانوا من الحوثيين فقد اخطاءوا بهذه التسمية النكراء وهذا الاسلوب المنفر..
ولكن لماذا لم تلتزموا انتم في هذا المحل كما فعل غيركم بالمحلات الاخرى المجاورة وتزيلوا مثل هذه المناظر التي تخدش الحياء العام وتشجع المراهقين من الجنسين للخروج عن الاداب العامة والاخلاقيات المتعارف عليها في مجتمعنا اليمني المحافظ..
تجمع حولي بعض زملائه في المحل وقالوا لي: نحن التزمنا بهذه الضوابط الحريصة على ادابنا العامة وتقالدينا المجتمعية ولكن انظر لاصحاب البسطات ما زالوا يعرضوا الملابس الداخلية على المانيكانات..
٤/ خرجت للشارع لاتحدث مع اصحاب البسطات عن حملت البلدية، وبعد اخذ ورد معهم أنبرى لي احدهم وخاطبني بنبرة واثقة قائلا :
نعم ، كانت الحملة موجهة ضدنا لتضييقنا على الشارع، ولكن اين نذهب وهذه البسطات مصدر رزقنا الوحيد، هل يريدوا قطع ارزاقنا ولقمة عيشنا فتتشرد نسائنا واطفالنا؟ عليهم ان يعدلوا ويراعوا الله في ظروفنا ونحن جزء من هذا الشعب الصامد، نحن لم نخضع للعدوان ولم نهاجر وصامدون في الشارع.
فؤجئت بهذا الكلام القوي والحجة المقنعة للشاب صاحب البسطة وسالته عن مستواه الدراسي فقال لي انه خريج كلية التجارة جامعة صنعاء وبامتياز .. تأثرت من اجابته واعجبت بها بل كادت الدمعة ان تفارق عيني فرحا. وعدت لسؤاله بصوت مرتعش لأتبين مدى وعيه بما يقول من كلام عميق : انت تتحدث عن كفاحك وعن الشعب الصامد، ولكن هل تعلم من هو عدوك وعدو شعبك؟
ابتسم وقال لي مداعبا: هل تريد اختبار موقفي الوطني؟ انا ضد العدوان السعودي على بلدي في الماضي والحاضر واعرف ان حصاره لوطني يقتل شعبي ويقتلني وانا حاقد عليه اكثر منك ومن الحوثيين، لماذا تعتقدوا ان مواجهة العدوان موقف خاص بكم انتم فقط، انا من اسرة فقيرة ولكن ابي كان يقول لي دائما ان حقد ٱل سعود علينا كبير وان معظم المسؤولين والمشائخ في اليمن عملاء لهم ولن ينتهي فقرنا وتعبنا يا ابني الا اذا عاد الحمدي وتخلصنا من عملاء ٱل سعود ونحن تعبنا في مواجهة السعودية وفشلنا في تغيير اليمن والامل فيكم انتم الجيل الجديد وعليكم التسلح بالعلم والوعي لتنتصروا على هذا السعودي المجرم عدوا اليمن واليمنيين كافة..
تسمرت في مكاني من الدهشة وانا استمع اليه واتمنى ان يستمر في حديثه وازعجني انقطاع حديثه لانشغاله بزبائنه العديدين والمترددين عليه بكثرة وبود ملحوظ.
انتظرت إلا ان انتهى من زبونه الاخير فقلت له هل عاش ابوك في عدن!
فقال لي مستغربا: لماذا تسأل هذا السؤال العجيب ..
قلت له: لانك تتحدث بثقافة اهل عدن قبل الوحدة في موقفهم من العدو السعودي.
قال لي معاتبا : لماذا تحصر الموقف الوطني بمواجهة السعودي الحاقد باهل عدن فقط، والدي من محافظة .... وانا من اليمن ولدت في صنعاء وفي صنعاء التي احببتها عرفت مدى حقد السعودي عليها وعلى كل اليمن.
سالته: من اين عرفت ذلك
قال لي: من ابي ومن بعض اساتذتي في الثانوية والجامعة ومن ناس المجتمع في صنعاء وفي قريتي.
وبينما هذا الشاب البسيط يتدفق حماسا ووطنية في حديثه معي وانا لا املك إلا ان استمع له مدهوشا،
سرحت قليلا بافكاري لاقول في سري: جئت الى شارع هائل لابحث عن بعض الحقيقة فوجدت كل الحقيقة، جئت لشارع هائل لاكشف زيف المرتزقة واكاذيبهم فوجدت الوطنية في ارقى مواقفها وعمق صدقها.. نعم هنا يولد اليوم في صنعاء الف قائد مثل الحمدي والف مجاهد مثل الصماد..
لملمت شتات افكاري المبعثرة بسبب اعجابي بهذا الموقف القدوة الذي قدمه لي هذا الشاب المتواضع في سلوكه الكببر بمواقفه الوطنية وهو يتحدث معي بكل انفة وشموخ حيث لم اتوقع ابدا ان اجده عند صاحب بسطة على باب الله في شارع هائل كل هذا العنفوان والشموخ اليمني الاصيل ..
جئت الى شارع هائل وانا اتقمص دور الناقد الاستاذ فاكتشفت انني لست سوى تلميذ خائب في محراب هذا القديس العملاق..
حاولت ان اتماسك وانا اسأله: هل والدك الطيب ما زال على قيد الحياة، اريد ان اقابله..
قال لي متأثرا: تأخرت كثيرا يا اخي فقد توافاه الله منذ زمن بعيدا..
قلت له مؤمنا: ادعوا لوالدك دائما يا ابني فقد كان ابا صالحا ووطنيا غيورا.
ثم سألته فجاءة : هل لي ان اخذ صورة معك، فشرف لي معرفتك ..
اعتذر بأدب وقال لي: انت صحفي وانا لا اثق بالصحافة والصحفيين ولكن لا اعرف لماذا وثقت بك انت هذه المرة.
قلت له مبتسما : ربما لانني حر مثلك واشبهك، ولكن هل تسمح لي بنشر حديثنا هذا دون صورة.
قال: نعم ولكن لا تذكر اسمي..
قلت له ضاحكا: ومتى اخبرتني باسمك حتى انشره.
قال لي مبتسما: اكتب عني فقط، انني شاب حر مجاهد من اليمن يواجه العدوان ويكره اعداء الوطن.
مددت يدي له مصافحا ومودعا وقبلت جبينه قائلا: لك ذلك يا عاشق اليمن..
سوف اكتب عنك بكل الحب والامتنان وسوف اذكر موقفك اليوم بكل التقدير والاحترام وسوف اجعل منك قدوة لي بكل الفخر والاعتزاز..
وها أنا افعل.
ويبقى السؤال الواجب طرحه هنا على مجتمعنا اليمني وقياداتنا الثورية والسباسية ..
الى متى نظل ننظر الى معالجة قضايانا الهامة الاقتصادية والاجتماعية بنظرة احادية قاصرة وسطحية في وضع الحلول ؟!
والى متى يظل امر معالجة قضية البسطات بين جدلية تنظيم الاسواق وقطع الارزاق؟!
لماذا لا نفكر ان نوجد اسواق مجانية نجمع فيها الباعة المتجولين واصحاب البسطات؟
دون ذلك، ودون دراسة عميقة وشاملة لقضية الباعة المتجولين واصحاب البسطات فان مكافحتهم بهذا الاسلوب العشوائي السقيم تظل معركة خاسرة بالتاكيد، والله على ما أقول شهيد .
طارق مصطفى سلام. |