ريمان برس - خاص -
بعد ان وصلت لمنزلنا بالقرية قضيت يومين متأملا اخوال قريتي وناسها ومستقبلا الاقارب من الاسرة وبعض الاصدقاء، كما قمت بجولة على ارض الوالد رحمه الله، دون ان اغفل حال المنزل وتفقد اوضاعه وما آل إليه بسبب التهجير القسري الذي اجبرنا على إغلاق المنزل لقرابة ستة اعوام بصورة متواصلة على خلفية الاحداث التي تعيشها البلاد والعباد في ريفها والحضر، تأمل لا يخلوا من الذكريات الطفولية وذكريات المراهقة والشباب وما رافق كل ذلك من احلام واماني وتطلعات استوطنت الوجدان والذاكرة.
بعد تلك الاستراحة القصيرة وما رافقها من غوص في بحر الذكريات وجدت نفسي صباح ذات يوم في مدرسة الشهيد عبد الرحمن مهيوب انعم _ بالعرين اعروق _ بمعية الاستاذ والمربي والاخ والصديق العزيز السيد كامل عبد الخبير عوهج مدير المدرسة واحد وجها واعيان مديرية حيفان طبعا ما لم اشير إليه في حلقاتي السابقة هو ان الاستاذ كامل كان وراء نزولي من صنعاء الى تعز والقيام بهذه الجولة وظل يتابعنا ويتابع كل حركاتي وتنقلاتي منذ غادرة العاصمة وخلال مكوثي في تعز الحوبان إلا ان وصلت للقرية وحتى وقفت امامه في باب المدرسة النموذجية هذه المدرسة التي كانت اول مدرسة التحقت للدراسة فيها بعد ان تخرجت من ( الكتاب) او من ( المعلامة) ، وكانت معلامة جدي وسيدي المغفور له السيد عبد الخبير عبد الودود عوهج رحمة الله تغشاه وقدس الله سره هي اولى مراحل تلقيني ابجدية الحرف والكلمة وهو والد السيد الاستاذ كامل عبد الخبير مدير مدرسة الشهيد، في ساحة المدرسة واثناء ما كنت منهمكا مع الاستاذ كامل في حديث عن المدرسة واوضاعها والضروف التي تعيشها وجدت نفسي اتذكر سنوات دراستي فيها، طبعا الفصول التي درست فيها لم تعد موجودة فقد تم هدمها وبناء فصول اخرى نموذجية بدعم ورعاية المرحوم الحاج هائل سعيد انعم _رحمة الله تغشاه وتسكنه الجنة _ في هذه المدرسة وبدون وعي او ادراك بدأت اول خطواتي في طريق التعبير عن الذات واتذكر كنت في الصف الرابع الابتدائي وكان في المدرسة مدرس علوم الاستاذ ياسين من منطقة شرجب لا اعلم عنه شيئا ولا الى اين انتهت به الحياة اليوم، كان يدرسنا الى جانب مادة العلوم مادة الرياضة وكان قريبا منا فكسب احترامنا وحبنا وكان منتميا لحزب البعث وكان الاستقطاب الحزبي _ حينها _ في ذروته وكان هناك مدرسين اخرين في المدرسة موزعين بين الانتماء القومي ( الناصري) ومنهم من ينتمي لليسار ( الماركسي) لم نكن نحن الطلاب على دراية بصراع يدور بين طاقم التدريس، المهم ذات يوم وصلنا للمدرسة ولم نجد الاستاذ ياسين مدرسنا المفضل والمحبوب بين طاقم المدرسين فقيل لنا خلاص الاستاذ ياسين ترك المدرسة ولن يعود فثارت ثائرتنا فقررنا في اليوم التالي بعد التشاور القيام بمظاهرة ضد ادرة المدرسة وطاقم التدريس وفعلا تجمعنا في اليوم التالي بمنطقة قمال فجعلنا من هم اصغر منا يحافظون على ادوات الدراسة حيث بعضنا كان لديه حقيبة وهؤلاء طلاب ميسورين وبعضهم حقيبته عبارة عن ( كيس من القماش) صناعة الامهات وكنت انا من الفئة الاخيرة ادرس ( بخريطة) هكذا كنا نطلق على تلك الاكياس القماشية من صناعة امي رحمها الله..
المهم تحركنا للمدرسة وكان الطابور قد انتهى والطلاب داخل الفصول وبدانا نلقي الاحجار على نوافذ الفصول والى حيث تصل ونهتف وبصوت واحد قائلين ( يا ياسين لا تندم بعدك الجبهة تشرب دم )..؟!
فكانت يوما لا تنسي ويكفي ان في اليوم التالي وصلنا عامل حيفان ومسئول الامن الوطني بالراهدة ولولا عقلا المنطقة واتذكر منهم رحمة الله جدي السيد القاضي عبد الرقيب عبد الودود عوهج والسيد الفاضل انعم قائد وبعض وجهاء المنطقة، اقول لولاء حضور هؤلاء الوجهاء لكانوا اقتادونا يؤمها لسجون ( خميس) ..!!
لم نتردد يومها في مواجهة المسئولين الذين وصلوا لمنطقة قمال وقد استغرب مندوب الامن من الشعار الذي كنا نهتف به فتبرع احد الزملاء وهو الاخ سعيد ثابت احمد زاىد مجيبا ضابط الامن باننا تعلمناه من اذاعة التي سمعناها تردد ( يا مكاوي لا تندم بعدك جبهة تشرب دم)!!
لتنتهي يؤمها علاقتنا بالمدرسة، كان من ابرز المشاركين في تلك الواقعة الى جانب العبد لله الاخوة توفيق عبد الله ذياب، نجيب سالم قاىد، سعيد ثابت احمد، جميل عبده محمد سالم.. واخرين لكني اتذكر هؤلاء تحديدا.
المهم وانا اتذكر كل هذه القصص توقفت بلقاء كوكبة من الاساتذة الافاضل والجنود المجهولين والمجاهدين التربويين الاستاذ والجار العزيز امين محمد احمد، والأستاذ خليل العريقي، والاستاذ الهمداني، واساتذة افاضل لم تسعفني ذاكرتي لسرد أسمائهم وارجو معذرتهم ومسامحتهم، ثم فوجئت بالأستاذ الفاضل السيد كامل يذهب بي الى قاعة المحاضرات في المدرسة لإلقاء محاضرة للطلاب الثانوية والاعدادية فكانت المحاضرة المرتجلة والغير مرتبة او مجهزة قد جعلتها من جزئين عن ( عظمة ومآثر الشهداء وتضحياتهم ومكانتهم في الدنيا والاخرة) والجزء الثاني عن ( العدوان الاسباب والدوافع والغايات) والحقيقة لن اكون موفقا _ وهذا شعوري _ لكن هناك من اشاد بها، ورغم اني وعدت الطلاب بلقاء اخر اكثر ترتيبا واعدادا وهو ما اتمنى من الله ان يوفقنا إليه.
قرابة 45 دقيقة تقريبا استمرت المحاضرة، بعدها غادرة المدرسة بصحبة السيد كامل الذي اصر على مرافقتي آلى خارج اسوار المدرسة، ليأتينا اتصال من الشيخ عبد الغفور على عبد الحق الذي اخبرني بانه قادما مز حيفان الى منطقة قمال لاصطحابي، ابلغت الاستاذ كامل بقدوم الشيخ عبد الغفور فرغب في لقائه والسلام عليه ومز ثم العودة للمدرسة وفعلا واصلنا سيرنا الى سوق قمال فوجدنا الشيخ عبد الغفور والاستاذ الفاضل عبد الله عبد الكريم الهتاري برفقته، ولم يتمكن الاستاذ كامل عبد الخبير من العودة للمدرسة كما لم يتمكن من لقاء اطراف قضية هو محكما فيها بعد ان وحد نفسه شبه مخطوفا من قبلي والشيخ عبد الغفور ومرافقيه فصعد على السيارة التي انطلقت بقيادة الشيخ ليقضي الاستاذ كامل فترة الطريق من قمال الى حيفان وهو يتواصل بالهاتف ويقدم اعتذاره لهذا ويتأسف من ذاك ويؤجل كل اللقاءات الى وقت اخر..
يتبع
[email protected]