ريمان برس - خاص -
قبل أن أواصل الحديث عن مواقف النظام العربي الرسمي من تداعيات اللحظة الدولية الراهنة من حيث دوافعها وأسبابها وأهدافها وغايتها الاستراتيجية، أحب أوضح وبصورة عابرة قدر الإمكان خلفيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مع علمي ان هناك من القراء منهم أكثر علما مني بخلفيات هذه العملية، لكني سأعيد التذكير بها رغبة مني في مقاربة هدفها إيقاض الذاكرة الجمعية العربية واستشراف موقف النظام العربي الرسمي وآليات مواجهة هذه التداعيات وبما يتيح لهذه الأنظمة إمكانية حماية وجودها الذاتي من عاصفة قد تعمل على إقتلاع الجميع دون تفريق أو تمييز، والإقتلاع قد لا يعني إنهاء هذا النظام أو ذاك بقدر ما يعني استئنزافه ماديا واقتصاديا وتحميله تبعات هذه التداعيات وفواتيرها تحت ذرائع ومبررات لن أكون أفضل من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كان أصدق وافصح وأشجع من وصف هذه التبعات ذات يوم..!!
ما يجري في أوكرانيا لم يكن وليد الصدف ولا قرار مفاجئ اتخذته موسكو عام 2022م ولكن ما يحدث كان قرار أمريكي بدت واشنطن في الإعداد له منذ العام 2000َم تحديدا ومن خلال خبرائها وأجهزتها راحت تعد أوكرانيا لتكون رأس حربة لتطويق روسيا وساحة لمواجهة أكيده مع روسيا الاتحادية، وكان الجانب الروسي يرصد هذه التطورات ويوثقها ويعد نفسه لها، في عام 2005م دشنت روسيا أحدث غواصة نووية مثلت أفضل وأعظم إنجازاتها التقنية وفي نفس يوم التدشين أقدمت المخابرات الأمريكية والبريطانية على إغراق هذه الغواصة بعد بضعة ساعات فقط من تدشينها وعلى متنها 285م ضابط وجندي من قوات البحرية الروسية، لم يكن يؤمها أمام روسيا وقيادتها غير الصمت وتقبل الصفعة والإنهماك في إعادة ترتيب البيت الداخلي الروسي..
كانت واشنطن على يقين بحسب دراسات استراتيجية لكبار المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين وزملائه البريطانيين أن القادم لن يكون أمريكيا وأن ثمة محاور قوة تتشكل وأخذة بالتشكيل بطرق مضطردة وأن تشكلها هذا يأتي على حساب هيمنة ونفوذ واشنطن وحلفائها في ترويكا النظام الرأسمالي الذي أخفق في تطوير ذاته رغم الثورة التقنية التي توصل إليها، ورغم بروز نخبة أو ترويكا القوى (النيو ليبرالية) في امريكا وأوروبا إلا أن هذه الترويكا أنجرفت عنوة إلى المسار الأمريكي الذي رسمت معالمه ترويكا (المحافظين الجدد) الذين غرهم أنهيار الاتحاد السوفييتي و(سقوط جدار برلين وحلف وارسو) فاعتبروا هذه المتغيرات انتصارا لي (القيم الليبرالية) وبدلا من تطوير مفاهيم أفكار وقيم (آدم سميث) وبقية رموز وفلاسفة الأفكار الليبرالية بما حملت من قيم ومفاهيم حضارية _نتفق أو نختلف معها _ لكنها كانت تحمل قدرا من المشاعر الإنسانية ومرتبطة ارتباطا وثيقا بحرية الفرد وقدراته الذاتية في آلية التطور المجتمعي، فقد عمل ( المحافظين الجدد) الذين يؤمنون بأساطير ومعتقدات (المسيحية _الصهيونية) على تجاوز وطمس مفاهيم ما أطلق عليه بالقيم (النيوليبرالية) التي انطلقت من أوروبا ليستبدلوها بقيم (الإمبريالية المتوحشة) التي رسم معالمها وحدد قيمها كارتل مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية، الذي دشن مرحلة عربدته من أفغانستان، ثم يوغسلافيا، فالعراق، وصولا إلى ما يسمى( بالربيع العربي) وما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا واليمن، والصومال، والسودان، دون أن نغفل مواقفهم من فلسطين ومعاناتها ولبنان وما يحاك ضده، وكل هذه التداعيات شكلت حواجز حماية لأمريكا تحميها من تداعيات قادمة نحوها ومن نمؤ محاور منافسة تشهد تطورا حضاريا مضطردا على مختلف المجالات..!!
وخلال عقدين من التداعيات الاستباقية التي قامت بها واشنطن لحماية أسوار نفوذها والإبقاء سيطرتها على العالم وجدت نفسها بعد كل ما قامت به تنساق نحو هاوية حضارية مؤلمة فكانت أوكرانيا التي خضعت لهندسة وسيطرت البنتاجون الأمريكي لتكون حلبة المنازلة بينها وبين أعدائها الذين يحاولون مشاركتها النفوذ على الخارطة الدولية وتقاسم النفوذ معها..؟!
شرق أوسطيا كما يطلق عليه إمريكيا وجدت أمريكا نفسها تتماهي مع ذاك ( الذي جمع الجن ثم عجز عن صرفهم) فأنقلبوا عليه، وكان هذا حال أمريكا في المنطقة وأفغانستان التي رحلت عنها وبالطريقة التي نعرفها جميعا وهي طريقة أقل ما يمكن وصفها بالمخزية والمذلة لدولة عظمى، وهي فعلا دولة لم يبقى فيها غير (العظام ومن غير لحم يكسوها)..؟!
فسعت لتوظيف أخر أوراقها الرابحة وهي أوكرانيا التي أعدتها وشكلت قيمها وخطابها وقناعتها على مدى عقدين من الزمن جاعلة منها معملا لتجاربها (البيولوجية) وإعادتها لتكون الطعم الأكثر مثالية ونموذجية لاصطياد (الدب الروسي) والفتك به قبل أن تتجه نحو (التنين الصيني)، موظفة أوروبا والناتو لخدمتها في مواجهة روسيا الاتحادية عنوة عنهم وضد رغباتهم فيما شكلت للصين تحالف آخر تم إشهاره مؤخرا يتكون منها ومن بريطانيا وكندا وأستراليا..!!
ومن أجل هذه المنازلة المصيرية خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتغاضت واشنطن عن الشرق الأوسط وتداعياته وغادرت أفغانستان بصورة مفاجئة حتى دون إبلاغ حلفائها في أوروبا الذين اقنعتهم لاحقا بمواقفها وأسباب خروجها..!
مشكلة أمريكا والناتو في أوكرانيا تتمثل بأن روسيا الاتحادية قامت بعملية عسكرية إستباقية في أوكرانيا قبل أيام قليلة من بدء هجوم أوكراني _أمريكي _أوروبي، على إقليم الدونباس وجزيرة القرم.. وتؤكد هذه المعطيات رد الفعل الغربي _الأمريكي على روسيا وروزنامة العقوبات الهيستيرية الغير مسبوقة والغير منطقية والتي تعصف اليوم بالدول التي فرضت هذه العقوبات أكثر بكثير من روسيا التي وقعت عليها العقوبات..؟!
للموضوع تتمة
[email protected]