ريمان برس - خاص -
ثمة مقولة تقول (إذا تصارعت الفيلة لاتسأل عن الأعشاب ) مقولة تنطبق _مجازا _ على أنظمتنا العربية التي حتى اللحظة لم تحدد موقفها من التداعيات الدولية الراهنة رغم جعجعة البعض ولكنها جعجعة من غير طحين كما يقول المثل العربي..!
لكني بداية ساضرب مثل بموقف فلندا والسويد وزوبعة انظماَمهما لحلف الناتو، مع انه لا مشكلة بينهما وبين روسيا الاتحادية لكن الانظمام دافعه تضامني ومبدئي تتحفظ عليه روسيا في حالة أن قبلت الدولتان فلندا والسويد نصب صواريخ ومعدات عسكرية متطورة للحلف على أراضيها، لكن ان بقى الانظمام اعتباري فلا ضير مع ان المتضرر هما الدولتان أكثر من روسيا التي لا يفرق معها هذا الانظمام فلديها قدرات عسكرية واقتصادية رادعه.
لكن يبقى الموقف العربي هو محل تناولتنا في هذه الحلقة، والمواقف العربية الرسمية أقل ما يمكن وصفها إنها مواقف مخزية ومذلة، إذ أن كل مواقف النظام العربي الرسمي منذ العقد الثامن من القرن الماضي وحتى اليوم هي مواقف مذلة ومخزية وإرتهانية يحاول كل طرف فيه أن يحصن ذاته القطرية ويرتبط بعلاقات خارجية لم تكن يوما ندية بل تابعه ترتقي لمستوى علاقة العبد بسيده ومع ذلك يتوهم هؤلاء انهم يتحصنون أو يحصنون أنظمتهم.
خلال العقود التي خلت أوغل النظام العربي في جلد ذاته ولايزال يتفنن في التأمر على بعضه ويكيد على بعضه ويستقوي بحلفائه من أعداء الأمة للانتصار والمناصرة على بعضه ويجلب كل نظام الأساطيل والقواعد والجيش إلا أراضيه وبحاره ويدفع تكاليف حمايتهم ليس المال وحسب بل والسيادة والقرار، رغم أن ما يجمع العرب من مقومات الوحدة والتوحد لايوجد لدي الأوروبيين.
انعكست ثقافة التآمر التي يتعاطى بها النظام العربي الرسمي مع بعضه على مسار القضية المركزية الأولى والأهم للعرب والمتصلة بحقيقة وجودهم وهي قضية فلسطين التي سعوا الصهاينة وبدعم من بعض الأنظمة الرسمية العربية إلى تجزئيتها فصارت القضية مجموعة قضايا تتمثل بقضية (غزة) وقضية (القدس) وقضية (رام الله والضفة) وقضية (الداخل الفلسطيني عرب 48)الواقعين تحت الحكم الصهيوني وهناك قضية (فلسطيني الشتات) الذين يعيشون خارج فلسطين سواء من يعيشوا في مخيمات لبنان وسوريا والأردن والعراق أو من يعيشون موزعين في دول العالم المختلفة.
هذا الوضع ما كان له أن يكون لو كان هناك قدرا من الشعور بالانتماء لدى أركان ورموز النظام العربي الرسمي.
أمرا آخر هو هل كان بالإمكان إشعال الحرب العراقية الإيرانية؟ وهل كان بالإمكان غزو العراق وتدميره؟ هل كان سيتم غزو سوريا وليبيا وتدميرهما؟ لو كان هناك تضامن عربي؟!
هل كان بالإمكان تدمير الصومال وانفصال السودان وشن الحرب على اليمن؟!
هل كان ممكنا بقى فلسطين تحت نير الاحتلال الصهيوني لو كان هناك نظام عربي يحترم ذاته ويؤمن بضرورة بناء الذات وبسيادته وان في نطاقها القطري وبحرية وامتلاك قراره الوطني؟!
ما يحدث في أوكرانيا وما تقوم به دول أوروبا في التضامن مع بعضها ولصالح أمريكا يجب أن يقف العرب أمام كل هذه الحقائق والمعطيات أن كانوا يسعون فعلا للبقاء حتى الغد؟!
أن العالم يتغير في الوعي والقيم كما تتغير محاور القوة والنفوذ والجغرافية وعلى العرب أن رغبوا في التعاطي مع المستقبل أن يغيروا أنفسهم وان يتعرضوا من مواقف الآخرين وان يغادروا قطار التبعية والإرتهان، وان يسعوا لتحقيق استقراره عبر التكامل فيما بينهم ومراعاة ضروف بعضهم اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وثقافيا بعيدا عما يعتبره البعض احلام طوباوية مثل (الوحدة) وحقائقها التاريخية الراسخة، ليتجاوز ا كل هذه الحقائق وليتعاملوا مع بعضهم كأنداد تربطهم علاقة مصالح مشتركة وان يكفوا عن سياسة التأمر على بعضهم لصالح عدو لا يكترث بهم جميعا لكنه يسخرهم لديمومة مصالحه.
أن ما يجري في أوكرانيا اليوم يجب أن يكون محطة للتأمل العربي ويجب أن يكون درسا معمقا يتأمل فيه الحكام العرب ورموزهم ومستشاريهم وأيضا يجب أن يتوقف أمام ما تشهده أوكرانيا كل النخب العربية على مختلف مشاربها ومدارسها وقناعتها السياسية والفكرية
لعلي وعسى تتمكن هذه الأمة من العودة لوعيها والانتصار لذاتها المهزومة بأيدي أنظمتها ونخبها ومرجعياتها المتعددة المناحي.
[email protected]