ريمان برس - خاص -

ذات يوم مؤغل وفي أحدى أروقة( مكتبة الأسد) في العاصمة السورية (دمشق) ألتقيته صدفة  كان برفقة الكاتب والثائر العربي صاحب ملحمة (مدن الملح،، وشرق المتوسط،، وعالم بلا خرائط) الرواي العربي عبد الرحمن منيف، أبن الجزيرة العربية الذي دفعه طغيان وجبروت حكام المحميات الخليجية ليتخذ من العاصمة دمشق مقرا وملاذا له..
كنت برفقة أثنان من الاخوة المناضلين هما  (فادي أحمد منير) من تونس الخضراء و (أبو حاتم) رفيق فلسطيني _سوري من مواليد مخيم النيرب في حلب واحد قادة حركة فتح وكان هو قائدنا والمسئول عن أمننا ، وفي لقاء لم يستمر لأكثر من ( 45دقيقة) إذا تغاضينا عن الفترة التي استغرقناها في رحلة على متن السيارة التي يقودها أخينا (أبو حاتم) التي نقلتنا من مكتبة الأسد حتى (قهوة هافانا) في قلب العاصمة العربية السورية دمشق، لنقضي دقائق في توصيف الهم العربي وجرح الأمة النازف فلسطين.. والحال العربي والوحدة اليمنية..
لا أعرف حقيقة دوافع الثقة التي دفعتنا لنكشف عن هويتنا وأنتمائنا لحركة المقاومة الفلسطينية (فتح) في موقف قوبل بابتسامة من الشاعر العربي الثائر مظفر النواب ومن المفكر العربي عبد الرحمن منيف، ورغم إنبهاري بشخصية المفكر والروائي العربي عبد الرحمن منيف، إلا أن شخصية (النواب)  وبساطة لغته ويلاسة أفكاره وشفافية طرحه أسرتنا وآفاق وهو الذي لم تتسع الجغرافية العربية له ولا لأسمه ومفرداتها، الأمر الذي اضطره لقضاء غالبية ايام حياته بين الزنانين وارصفة التشرد، فجرد من جنسيته وهويته، وتنكرت له كل أرصفة العالم لتحتضنه دمشق ردحا من الزمن برعاية مباشرة من الرئيس الراحل حافظ الأسد ، فيما كثيرون  لم يستوعبوا مفرداته من رموز  النظام العربي، ولم يحتملوا لغته الشعرية والأدبية التي تفنن بها في توصيف أنظمة الحكم العربية من المحيط إلى الخليج وهي مفردات أقلقتهم وقضت مضاجعهم لجراتها وصراحتها وشفافيتها الغير قابلة للتاويل..!!
مظفر النواب الذي تجاوز الهوية الحزبية إلى القومية وغلف (الشيوعية) بقيم إنسانية راقية فكان مظفر أكبر من الحزب ومن التأطير الحزبي وان بقى البعض يصفه بما يوحي للآخر وكأن مظفر النواب الحاضر في وجدان وذاكرة الأمة وكل أحرار العالم هو جزءا من نطاق حزبي ومن مسمى يظل بحضوره لا يعادل سطرا في قصيدة ألقاها مظفر على رصيف التشرد وزنازين الاعتقال..؟!
لقب مظفر النواب بشاعر (الشيوعية) ولكنه تجاوزها وتجاوز قوالبها بإنسانيته وثوريته وعشقه للحرية ومقاومته أنظمة الذل و الطغيان والقهر والعمالة والارتهان. فكان شاعر الحرية والثورة والكرامة والإنسانية..
في قصيدته الشهيرة عن ( القدس) يقول وبوضوح :
القدس عروس عروبتكم؟
فلماذا أدخلتم كل  زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصراخ بكارتها
وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض؟
فما اشرفكم!
أولا (القحبة) هل تسكت مغتصبة.

بهكذا لغة خاطب مظفر أنظمة الذل والعار الذين تخلوا عن فلسطين وحقها في حياة الحرية والكرامة والاستقلال الذين جعلوا من مظفر وأمثاله قضيتهم وميدان لبطولاتهم الوهمية وقضية تشغل أجهزتهم الأمنية والعسكرية.
كان الذل والطغيان والقهر والإمتهان أعداء مظفر، وكان عدوا لكل أنظمة القهر و التخلف والتبعية، تماما كزميله الذي وجدناه صدفة إلى جواره عبد الرحمن منيف، لكن ما ميزا مظفر إنه تمتع بشخصية فكرية وأدبية استثنائية وبلاغة صداميه وظفها في أدبه عله يستطيع إيقاظ بعض النائمين في مخادع العبودية والارتهان..؟!
في آخر دقائق اللقاء وبينما كنت وزميلي نستعد لمغادرة (قهوة هافانا) وجه الشاعر والمناضل مظفر النواب حديثه لي مباركا بقيام  الوحدة اليمنية مشيرا أن هذا الحدث بقدر أهميته وعظمته وبقدر الفرحة التي زرعها في الذاكرة، سيزرع بذات القدر وربما أكثر المزيد من الأحزان والانتكاسات في الضمير العربي..؟!
مؤكدا أن ما حدث في اليمن سيكون بارقة أمل أن لم يرافقه استحداث المزيد من (الزنازين) تجسيدا لمتطلبات المرحلة..!
رحل مظفر النواب إلى جوار ربه وقبله رحل المفكر والرواي عبد الرحمن منيف وقبلهما طبعا أوغلت فلسطين في حصد الإنتكاسات ورحل بريق الوحدة ليظل الحزن يلف الذاكرة العربية عن فلسطين والوحدة  وعن الحرية والكرامة وعزة وسيادة الأمة..!!
وبقي أولاد.............؟! جاثمين على صدور الأمة ويتحكمون بمصيرها ولكن بطرق أكثر بشاعة وقبح.
تنويه :
للعلم حدث لقاء الصدفة هذا مع الراحلين منيف ومظفر صباح يوم 23مايو 1990َ م في العاصمة العربية السورية دمشق التي كنت قد  وصلتها في اليوم السابق 22 مايو 1990َ قادما  من لبنان (متسللا) للمشاركة في  الحفل الذي أقامته السفارة اليمنية في (حي المزة) بمناسبة إعلان الوحدة ورفع علم دولة الوحدة من قبل الرئيس الأسبق  المرحوم القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي رفع  علم الجمهورية اليمنية على سارية السفارة  بحضور نخبة من الرموز اليمنية والسورية الذين شاركوا في ذلك الاحتفال المهيب الذي منح  الذاكرة القومية أملا كبيرا .. ولكن لبعض الوقت وحسب..!!
رحم الله مظفر ومنيف وكل من ذكرتهم واعان أمتنا على مواجهة عشاق العبودية والارتهان وحاملي مباخر الطغاة والمستعمرين..؟!