ريمان برس - خاص -
بمعزل عن الدوافع والأسباب التي تقف وراء موقف البرلمان العراقي في التصويت على قانون يجرم العلاقة مع (الكيان الصهيوني) أو إقامة أي شكل من أشكال التطبيع مع هذا الكيان الصهيوني الاستيطاني المحتل لفلسطين ومقدساتها، فإن هذا القانون يعد أول قانون يصدر عن جهة سيادية عربية يعبر عن رأي وقناعات الشعب الذي يمثله هذا البرلمان، وتعد الخطوة وكأنها سابقة أقدم عليها نظام عربي تعبر عن قناعات وإيمان الشعب الذي يخضع لحكم هذا النظام وسلطته، إنطلاقا من الحقائق الثابته التي تؤكد أن غالبية شعوب الأمة محكومة من قبل أنظمة تؤمن بحقها المطلق في الحكم والتحكم فيما هناك أنظمة أخرى ترى في شعوبها وكأنهم ملكية خاصة لها ولايجوز بالتالي لمن هم تحت وصايتها الاعتراض على أي إجراء تتخذه هذه الأنظمة والتي يجب أن ترحب بها الشعوب بل وترقص فرحا وابتهاجا بكل ما تتخذه أنظمتها وما تقوم به من سلوكيات وممارسات حتى وإن كانت تتعارض مع مصالح الشعب وحقوقه ومواطنته وهويته الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية..!
لذا فإن ما نسبته 90٪من مجموع سكان الوطن العربي مجبرون قهرا وقسرا وعنوة على الخنوع لسيطرة منظومة الحكم بحكم الأمر الواقع والقوة وخشية من بطش الأنظمة، والمعروف أن أنظمة الحكم العربية والإسلامية قد نصبت نفسها بالقوة لحكم الشعوب إلا فيما ندر في تاريخ هذه الأمم حيث وصل بعض من حكامها وسط ترحيب شعبي ورضاء الشعب ومع ذلك فإن أمثال هؤلاء الحكام كثيرا ما انتهت حياتهم بالقتل أو بالسم أو بمؤامرات من قبل قوي فاسدة وإنتهازية في الداخل أو بالتعاون مع قوى خارجية تعادي فكرة التناغم والتلاحم بين الشعب وبعض رموزه وقادته المخلصين له والساعين لتحقيق أحلامه وهناك أمثله وشواهد كثيرة في تاريخنا الوطني والقومي والإسلامي تؤكد هذه السردية التراجيدية التي وقفت وتقف أمام تطور الأمة وتقدمها وتقف خلف هذا الانهيار والتمزق والأحقاد والكراهية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية..!
ما أقدم عليه البرلمان العراقي هو إنه اتخذها قرارا يعبر عن قناعة النسبة الكبيرة والأغلبية من أبناء العراق الشقيق وهو ما يمثل بادرة إيجابية، لكن هل بمقدور اي نظام عربي أن يخضع وجوده وقراراته وسلوكه ومواقفه لرأي الشعب الذي يحكم باسمه..؟!
ماذا لو كان (السادات) أو (الملك حسين) في السابق، وأيضا حكام اليوم من (المطبعين) قد أحتكموا لشعوبهم في اتخاذ قراراتهم المتعلقة ب (التطبيع) وإقامة علاقة مع العدو (الصهيوني)، هل كانت الشعوب ستوافقهم على مثل هذه القرارات والمواقف..؟!
من المؤسف أن المواطن العربي والإسلامي ومنذ خلاف (سقيفة بني ساعدة) حتى اليوم لم يمتلك حريته ولم يكن له رأي في الأحداث سوا تلك المتعلقة بمصيره وهويته وعقيدته وانتمائه أو تلك التي تتعلق بعلاقة الأنظمة الحاكمة فيما يتصل بقرارات الحروب والسلام وفي مختلف المراحل التاريخية..؟!
أنا لا أتحدث هناء عن (الديمقراطية) وعن (الحرية) وفق المفهوم الغربي لكني أتحدث من منطلق إنساني فطري منحه الله لكل عباده، وأكدته الأديان السماوية ونزلت به نواميس وتشريعات سماوية، إضافة إلا ما جاء به رسول البشرية وخاتم الأنبياء والرسل النبي العربي محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم من تعاليم وقوانين تنظم حياتنا وعلاقتنا فيما بيننا وبين الآخر الحضاري.. فالله سبحانه وتعالى يقول (وامرهم شورى بينهم) ويقول سبحانه (وشاورهم بالأمر فإذا عزمت فتوكل على الله).. فكيف عمل( فقها السلطان) على تهجين وتدجين الوعي وإستلابه حتى فقد العربي والمسلم شخصيته وحقه في التعبير عن ذاته فيما يتعلق بمصيره ووجوده..؟!
تهجين وتدجين وإستلاب للوعي والإرادة حدث ويحدث للأسف باسم الدين والله والرسول، حتى أن الدين بكل نواميسه وقيمه السمحاء وتشريعاته وأوامره ونواهيه جعل منه( فقهاء السلطان) وكأنه (دين عبودية ورق) لرموز الحاكمية الذين ربطوا طاعتهم بطاعة الله ورسوله وبالتالي فإن من يخالف الحاكم _ أيا كانت صفته واللقب الذي يحمله خليفة كان أو أميرا أو سلطانا أو رئيسا أو ملكا_فانه بهذا يخالف الله ورسوله ويعد متمردا وجب عليه الحد..؟!
لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى أحرارا ومنحنا العقل والدين الذي جاء به الأنبياء والرسل واعطانا من الحرية والكرامة والسيادة والإرادة والعدالة ما لم تتوصل إليه كل الفلسفات والأفكار البشرية، والمؤسف إننا وحتى يومنا هذا نعيش في أزمة وجودية وحضارية وأزمة حرية وكرامة وعدالة ونبحث عن ذاتنا في ركام ومخلفات الآخر الحضاري ونتقاتل فيما بيننا على السلطة والسطوة والتحكم والحكم بكل أدوات القهر والقتل والترويع والترهيب، ثم يقال العرب والمسلمين متخلفين وسبب تخلفهم هو (الدين)...؟!!!
أن أزمة الحرية وغياب العدالة في مسارنا عوامل قادتنا إلا ما نحن فيه اليوم من وهن وتمزق وتخلف، فلوا كنا نمتلك حريتنا لما بقت فلسطين ترزح نير الاحتلال الصهيوني، لو كنا كشعوب عربية نعيش في مناخ إجتماعي وسياسي مستقر وتجمعنا بحكامنا قيم المحبة والتوافق والانسجام وحكامنا يحترمون مشاعرنا ووجودنا ويعملون لتحقيق أحلامنا في حياة كريمة ولا يتأجرون بناء في أسواق النخاسة ولا يقودون إلي المهالك من أجل مصالحهم ويفرطون بكرامتنا وبسهولة من أجل تعزيز سيطرتهم وإحكام قبضتهم وبقاء تسلطهم وجبروتهم علينا، اعتقد لو لم يكونوا بهذه الشاكلة لما كان حالنا اليوم كما نحن عليه على الصعيدين الوطني والقومي؟!
وقد وصل بناء الحال أن نرى أنفسنا نتقدم للخلف وكل حدث يحدث بدافع التغير والارتقاء إلى الأمام وتحسين ما يمكن تحسينه في مسارنا الحضاري يرتد علينا بطرق سلبية ونجد أنفسنا نردد (ياليت اللي جرى ما كان)..؟!
يتبع
[email protected]