ريمان برس - خاص -
كثيرة هي اللحظات الحياتية التي تفرض نفسها عليك وتجد فيها نفسك مسكون بكل مفردات القهر والحسرة، وتخيم داخل وجدانك سحب الحزن لدرجة فقدان التوازن ويسيطر عليك الارتباك وتستوطنك كل مشاعر اللاوعي..
لحظات قاسية موحشة لولاء إيمانك بالله وبقضائه وقدره وحقيقة الموت والخلود الأبدي في عالم آخر غير عالمنا الملطخ بكل أطياف النفاق الدنيوي الذي يعكس مظاهر سلوكية زائفة وطقوس اجتماعية وتقاليد لا تعبر بالمطلق عن مشاعر فراق اخ أو زميل أو صديق أو شخصية عايشتها أو رافقتها ردحا من الزمن، عرفتها عن قرب وعرفت مكنونها بطريقتك دون الحاجة لمعرفة الآخرين بهذه الشخصية أو موقفهم منها أو مدى علاقتهم بها، إذ قد يرى المرء منا في شخص ما لم يراه الآخر فيها، وقد يعرف البعض في شخص ما لم يعرفه الآخرون فيه، وهذا الفهم قد يصل حتى لأقرب الناس لهذا الشخص بما في ذلك أفراد أسرته المقربين الذين قد لا يعرفون عن فقيدهم سوى كان (والدهم) أو (شقيقهم) أو قريبا منهم يحظى بمودتهم..
غالبا أجد نفسي عند فقدان زميل أو صديق عاجزا عن التفاعل مع الحدث ومرتبكا فيسكنني الحزن ويتغشاني القهر على فقدانه، لدرجة أعجز فيها عن التعبير بما يسكنني ويسيطر على مشاعري من أمواج الحزن المتلاطمة التي تفرض عليا حالة من التيه وعدم الاستقرار الشعوري والتسليم بفقدان هذا الزميل أو ذاك الصديق وإنه قد سبقك ورحل عنك بعيدا إلى عالم الخلود وبالتالي لن يعود ممكنا أن تسمع صوته عبر (الهاتف) أو تجده صدفة في مكان ماء وفي شارع ماء وفي لقاء ماء..!!
كان آخر لقاء الصدف قد جمعني بالزميل والأستاذ محمد عبد الماجد العريقي قبل عيد (الأضحى) بأيام كان اللقاء في إحدى البوفيات الواقع في تقاطع شارعي بغداد والجزائر كان برفقة أصغر أولاده مصطفى وكنت برفقة الولد نصر، كان اللقاء خيرا من ألف ميعاد حاولت أن اضيفه بكأس من عصير الجزر لكنه اعتذر لضروفه الصحية وعرفت منه انه يخضع لنظام غذائي محدد انفردنا في زاوية و حنا نتحدث عن كل شي تقريبا ولكن باقتضاب عابر، فأخبرته عن وضعي الصحي بدوري فنصحني بالسفر وان لا اتردد في قراري، ودعنا بعضنا على أمل اللقاء والتواصل عبر (الهاتف)..
محمد لم يكن مجرد زميل مهنة ولا مسئولا في صحيفة الثورة التي عمل بها لعقود كسكرتير تحرير ثم مديرا لتحريرها في زمان كان من يحتل مثل هذه المناصب إلا كل ذو حظ عظيم.. بل ابن (منطقتي) وكان (جاري) لسنوات وتربطنا علاقة أسرية، وخلال السنوات الأخيرة وبفعل الأزمة التي ألقت بظلالها على حياة الجميع اضطريت مجبرا في الانغماس في همومي الحياتية اليومية فنزحت إلى تعز ومنها عدت نازحا إلى صنعاء حتى أيقنت أني مواطن بلا وطن ولا هوية، فتاهت بناء سفينة الحياة وسط محيط الأزمات التي لا مرسئ لها كما يبدو..!
قدر محمد الرحيل مطمئنا إلى جوار ربه بعد رحلة صراع مع المرض والألم رافقته لعقدين من مسيرته الحياتية وقدري أن أكتوي بحزن رحيله لدرجة اني عجزت عن مشاركة أولاده وأفراد أسرته واقربائه وأصدقائه أحزانهم بفراقه ولم أتمكن من المشاركة في رحلة وداعه الأخيرة، بل عجزت عن التعزية برحيله هاتفيا، مكتفيا بتجرع حسراتي منتظرا دوري في اللحاق به..
رحم الله الأخ والصديق والزميل الاستاذ محمد عبد الماجد العريقي واسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والرسل والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا..
وخالص عزائي ومواساتي للاولاد انيس، وأحمد، ومصطفى، ولكل أفراد أسرته الكريمة ولكل محبيه وأصدقائه.. وأسال الله أن يجعل حزنهم برحيله أخر أحزانهم انه على كل شي قدير وهو السميع المجيب. |