ريمان برس - خاص -
ثمة أحداث تباغتنا في مسارنا الحياتي تعبر عن حالة نزق تستوطن أبطالها، وتجتر هذه الأحداث تداعيات مؤلمة، لكن الأكثر إيلاما هو أن نجد صناع هذه الأحداث عاجزين عن تحديد مسار ما صنعوا أو معرفة نهاية المسار الذي يسيرون عليه.
يقال ان من السهل اتخاذ قرارا (الحرب) ولكن من الصعب اتخاذ قرار (السلام).. وهذا قول منطقي، لأن إشعال النار في غابة لا يتطلب سوى عود ثقاب بيد أحدهم يكفي لإشعال النار، في بضعة ثواني ويتسبب بإحراق غابة مترامية الأطراف، لكن أخماد هذه النيران قد يستغرق أياما واسابيع وربما أشهر و يتطلب جيشا من رجال الإطفاء ومعدات أرضية وجوية تساهم في إطفاء هذا الحريق..؟!
بث الشائعات سهل ويكفي أحدهم أن يبث شائعة حتى يتناقلها الآخرين ويعملوا على تعميمها بسرعة البرق، لكن دحظها وتكذيبها يحتاج لجهود استثنائية..
لا أدري لماذا تغدوا الحياة أكثر تعقيدا كلما تطورت وتسهلت وتبسطت أدوات التواصل ومتطلبات الحياة ووسائلها..
مظاهر التطور الحضاري الذي توصلت إليه البشرية، قد أوجدت سلاسة في الأنماط الحياتية والعلاقات الاجتماعية والإنسانية بصورة كلية، لكن كان على الإنسان أن يدفع ثمنا لقاء هذا التطور وهذه التحولات، ثمن يتجاوز القيمة المادية إلا ما هو أخطر من ذلك بكثير، وهي القيمة الأخلاقية التي تتعرض لحالة انهيار كلما تطورت المظاهر المادية التي غدت هي الحاكم والمتحكم بالبورصة الأخلاقية..!
الأحداث بتداعياتها هي حصيلة للتطور المادي وتعكس بجوهرها وانماطها وأهدافها فقدان القيمة الأخلاقية لدى صناع الأحداث الذين يخوضون غالبا معتركات صراعية لا ترتقي مكاسبها المادية لمستوى الثمن الأخلاقي الذي يدفع لأجلها..!
وان كانت الأحداث الوطنية تفجرها الدوافع والرغبات المادية، فأن ما تخسره الأوطان في الجوانب الأخلاقية يفوق بكثير ما قد يكسبه المتصارعين ماديا..!!
نزقة حد الفجور هي الأحداث في الساحة اليمنية، وعقول بعض أطرافها مجدبة حد التصحر، وبالتالي لا شيء يمكن استنتاجه أو رسم ملامحه لخاتمة الأحداث أن كان (أبطال) البداية أنفسهم يجهلون هذه الخاتمة بل لا يملكون حتى قدرا من قدرة على رسم ولو بعض أطياف ملامحها..!
أحداث تبدوا أنها ذات أسباب وأهداف وغايات (سياسية) تعكس وتجسد تداعياتها أزمة (السلطة) والحكم والسيطرة والنفوذ، وفي هذا يقدم كل طرف رؤيته وتعريفه للإدارة والسلطة والوطنية كقيم سلوكية تعكس دوافع هذه الأطراف وتعبر عن دوافعهم (المادية) تحت يافطة الصراع السياسي دون الأخذ في الاعتبار النزيف الأخلاقي الذي عادة يتم تجاهله والتغاضي عن معاناته من قبل أطراف الصراع الذين و من أجل الانتصار لغايتهم يبررون كل الوسائل المتاحة وان كانت غير أخلاقية فالرغبة في كسر إرادة الآخر غالبا ما تبيح كل ما لا يباح، فتفقد والحال كذلك القيم الأخلاقية قدرتها على البقاء والصمود في واقع يرى في كل ما هو أخلاقي (غباء وضعف وتخاذل)..؟!
وسط هذا الزخم الصراعي الذي يصل حد التناحر والتنافر والإلغاء يجهل الكثيرون أو يتجاهلون البعد الأهم والغير منظور أو متداول في خطاب المتصارعين وهو البعد _الاقتصادي _ المحرك للرغبات الجيوسياسية والجيوبولتيكية ودور المحاور النافذة إقليميا ودوليا التي تتحكم وتدير هذه الصراعات الوطنية بعيدا عن الأنظار..؟!
قد يكون خطاب المتصارعين على الساحة اليمنية يحمل في مفرداته ما يؤكد سقوط القيمة الأخلاقية في الصراع الذي نستشف من خطاب أطرافه إنه صراع بين (الشرعية)؟! وبين ( الحوثيين _الموصوفين بأنهم _ إنقلابيين _شيعة _وامامين _واتباع لإيران)..؟!
فيما معطيات وتداعيات الأحداث ومسارها، تحمل الكثير من الشواهد الدالة على عكس ما يسوق في خطاب أطراف الصراع وادبياتهم، بدءا من غياب صفة (الشرعية) عن حامليها، إذ أن هناك رئيس توافقي تم انتخابه بطريقة غير ديمقراطية ولا تنافسية فكان مرشحا وحيدا حددة فترته بعامين كرئيس توافقي، توافقت عليه الأطراف الفاعلة ثم وجهت الجمهور لانتخاب عبد ربه، الذي تسلم السلطة مع تزايد وتيرة الإرهاصات السياسية والتراكمات الخلافية التي تفجرت بين أطراف الفعل وبين أحزاب (الإصلاح.. والمؤتمر.. والمشترك.. وأنصار الله) وبين رغبات المحاور النافذة إقليميا ودوليا، راحت تداعيات الأحداث تسير على حساب المنظومة الأخلاقية والحلم المجتمعي..!
كانت النوازع المادية تدفع بوتيرة الصراع نحو مسار اللا استقرار قبل أن تتفق محاور النفوذ الإقليمية والدولية على الكيفية التي سوف تتشكل بموجبها الجغرافية اليمنية..!
وفيما واصل (أنصار الله) زحفهم وتقدمهم فأسقطوا محافظة عمران واقالوا مجلسها المحلي برئاسة (دماج القيادي الإصلاحي) فزار الرئيس (هادي) المحافظة وهي قد أصبحت تحت رعاية أنصار الله فقال (عمران عادت اليوم لحضن الدولة)..؟!
كان الخطاب تعبيرا عن نزق يتفاعل وحماقة تتراكم في عقول _البعض _ الذين أسقطوا آخر مفردات القيمة الأخلاقية من أجنداتهم..!
وثمة رئيس إنتقالي لم يكون ذو شخصية ونفوذ وكارزمية قيادية وكان هناك من دفع به للواجهة ليجعل منه (بيدقا) يحركه كيفما يشاء ؟!
وكان أكثر من طرف مؤثر داخليا يعتقد أن (هادي) تحت قبضته وأن بالإمكان توظيف دوره ومكانته لخدمته وخدمة أهدافه في سلوك نزق مجرد من أي قيمة أخلاقية..!
كان (هادي) امين عام المؤتمر ونائب رئيس المؤتمر ورئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة..؟!
وكان الرئيس الأسبق (صالح) يرى أن (هادي) سيكون تحت امرته التنظيمية؟!
بالمقابل كان (المشترك بقيادة الإصلاح وبحظور ونفوذ الجنرال على محسن الأحمر) يرون في (هادي) الشخصية التواقة للتحرر من نفوذ وهيمنة (صالح)، فيما ذهب (شباب الساحات) يعتبرون (هادي) رمزا في مواجهة نفوذ وهيمنة نظام ما قبله وأدواته في مفاصل السلطة والجيش والأجهزة الأمنية.. في لحظة تاريخية ومفصلية يعيشها (هادي) الذي ذهب نحو (أنصار الله) وابرم (اتفاقية السلم والشراكة) التي صاغها الشهيد المرحوم الدكتور محمد عبد الملك المتوكل.. وفيما كان أطراف الصراع الأساسيين الذين تشاركوا السلطة والثروة والنفوذ لعقود، ينظرون للرئيس الانتقالي كل من منظوره، ذهب الرئيس يبحث عن علاقة مع أنصار الله علها تقيه من شر كماشة ( صالح، ومحسن، وحميد،) وما بينهما وحولهما..؟!
ولم تكن خطوة (هادي) هذه بعيدة عن محاور النفوذ الخارجية، فاتجه نحو (هيكلة الجيش) المنقسم على ذاته وعلى مستوى الوحدات والكتائب والسرايا، فتوجس البعض من الخطوة التي أقدم عليها (هادي) الذي كان يشعر في نفسه بأنه عانى وتعرض لكثير من عوامل القهر والاضطهاد من قبل الجميع..؟!
فاتخذ خيار (شمشون) كسلاح وحيد يمكنه من الانعتاق والنجاة من كماشة تطوق عنقه ورغم أنه استعان بانصار الله من خلال اتفاقية السلم والشراكة إلا أن هذه الاتفاقية أسقطت وتدحرجت الأحداث وتداخلت خطوطها وتشعبت فانتهت فترة (هادي) الذي شهد حسب (صالح) الانقلاب على الشرعية من قبل( الإصلاح) ثم شهد انقلاب (أنصار الله) على ( الإصلاح) وصولا لتدخل العدوان ليس مناصرة للشرعية المفقودة ممثلة ب (هادي) وحكومته، ولا استهداف لمكون( أنصار الله) بل جاء العدوان مستهدفا كل اليمن بارضها وانسانها وثرواتها وموقعها الجغرافي وفق مخطط يعد لها منذ عام 1992 م..؟!
لكن هل تتماهي المنظومة المادية أيا كان طبيعتها والتي يراهن أطراف الصراع على تحقيقها مقابل الثمن الأخلاقي الذي سندفعه كشعب ووطن من رصيدنا الحضاري وهويتنا الثقافية الجمعية..؟!
يتبع |